دروس في الإيمان (6)
منطق غريب!
هذا، ومع وجود الإلحاد وانتشاره وقيام دول على أ ساسه [لقد انهارت دولة الإلحاد الكبرى - الاتحاد السوفييتي، وبدأت دولة الصين في التراجع المتدرج عن هذا المبدأ البغيض - وتمزقت،وأضحت تتقاتل فيما بينها، وتتسمى بأسماء أخرى – كالاشتراكية - بدلا من الشيوعية والماركسية، لتوهم الناس أنها تخلت عن العار الذي حكمتهم به ما يقارب قرنا من الزمن، ليحافظ أربابها على كراسي حكمهم، وهم في الحقيقة مازالوا ملحدين، وإذا قدروا مرة أخرى - وماإخالهم بإذن الله قادرين - فلا أظنهم يترددون في إعادة إلحاد هم الصريح إلى سابق عهده المنهار. ونحمد لله الذي قضى على دول الإلحاد في بلدان المسلمين وأخزى زعماءهم فتركوا قصورهم التي أورثها الله الذين ظلموهم لما يقرب من ثلاثة عقود. ونسأل الله أن يهدي من بقي من أتباعهم للحق أو يفرق جمعهم، ويشتت شملهم حتى لا تقوم لهم قائمة أبدا].
وبخاصة في بعض البلدان الإسلامية - يرى بعض المنتسبين إلى العلم، أنه لا حاجة إلى دعوة الناس إلى توحيد الربوبية هذا ا لذي أنكره كثير من أبناء المسلمين - فضلا عمن سواهم -، بحجة أن الرسل - عليهم الصلاة والسلام - لم يكونوا يدعون أممهم، إلى الإقرار بوجود الخالق المدبر للكون وهذا-في الحقيقة -منطق غريب، ودعوى فاسدة وحجة أو قياس أفسد، وما هو والله بمنطق يتوقع صدوره من طالب علم صغير، بله من يحمل مؤهلا في الشريعة الإسلامية، وقد يكون ممن تخصصه الدراسي في أصول الدين!
كيف يستوي في ميزان العلم والعلماء، قوم يقرون بوجود الخالق، فلا يحتاج الداعية إلى إضاعة الوقت في دعوتهم إلى الإقرار بما هم به مقرون، مع حاجته - وحاجة المدعوين - إلى دعوتهم إلى الإقرار بما هم له منكرون، وهو توحيد الألوهية، الذي يدل ما اعترفوا به من توحيد الربوبية، على ما أنكروه من توحيد الألوهية، كيف يستوي هؤلاء وقوم أنكروا هذا التوحيد الذي هو الدليل أشد الإنكار ولا يمكن أن يؤمنوا بألوهية الله وأنه المعبود الحق وحده - وهو المدلول في دعوة الأنبياء - إلا إذا أقروا أ ولا بوجود الخالق المدبر وحده لهذا الكون؟!
والرسل عليهم السلام – وإن لم يكونوا يدعون الناس إلى الإقرار بوجود خالق مدبر للكون، لإقرارهم بذلك أصلا – لم يكونوا يترددون في إقامة الحجة على من كابر وجحد – ولو كان في حقيقة الأمر موقنا بما جحد – فعندما قال فرعون لموسى عليه السلام: (( وما رب العالمين )) أجابه موسى فورا بقوله: (( رب السماوات والأرض إن كنتم موقنين ))، واستمر فرعون في جحوده واستمر موسى في إقامة الحجة والبرهان عليه.
كما قال تعالى: (( قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِين َ(24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَائِكُمُ الأَوَّلِين َ(26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُون ٌ(27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ(28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ)). [الشعراء: 23-30].
ولم يقل موسى لفرعون: إن سؤالك لا يحتاج إلى جواب وأنت تعلم من هو رب العالمين.
ومع هذا فإنا نحمد الله تعالى على أن إنكار هذا التوحيد الذي لا يوجد أظهر منه في فطر الناس حتى عند الذين يكفرون بدين الإسلام، أو غيره من الأديان، قد أصبح إنكاره خرافة عند أطفال المسلمين الذين لم تدنس فطرهم ولم تجتلهم الشياطين، بل عند غير المسلمين من علماء الكون كالأطباء والفلكيين والجيولوجيين، وغيرهم ممن تجاوزوا موضوع الإقرار بوجود الخالق، إلى الإقرار برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم و أن القرآن وحي من عند الله، بناء على ما بهرهم من المعجزات الكونية والآفاقية والنفسية التي أشار إليها القرآن الكريم والتي لم يكن أحد في ذلك الوقت يخطر له ذلك على بال، ولم توجد وسائل تمكن البشر من اكتشاف ما أشار إليه القرآن إلا في السنوات القريبة جدا-مع ما يمتاز به القرآن من الدقة في التعبير والمصطلحات كما هو الحال في علم الأجنة.
والذي يتتبع نشاط مؤتمرات وندوات الإعجاز العلمي في القرآن والسنة المنبثقة عن هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة التي أنشأها الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني اليمني في مقر رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة يتضح له أن إنكار وجود الخالق المدبر لهذا الكون قد أصبح خرافة وإن أصر المكابرون على إنكاره.
لكن ما دام يوجد في الأرض من يظهر عدم الإيمان بهذا التوحيد - سواء أكان من الملحدين الأجانب أم من أذنابهم الذين اتبعوهم من ذرا ري المسلمين، وسواء أكانوا صادقين في إنكارهم أم كاذبين فلا بد من إقامة الحجة عليهم، ولابد من دعوتهم إلى الإقرار بتوحيد الربوبية الذي هو الدليل على توحيد الألوهية.
وقد أبرز علماء الإسلام - قديما وحديثا - الأدلة والبراهين على وجود الخالق المدبر للكون، ومن الكتب النفيسة التي عنيت بهذا الأمر: كتاب (مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة) لابن قيم الجوزية رحمه الله الذي جال في أبوابه وفصوله جولات واسعة في الكون الفسيح بسماواته وأرضه وما بينهما وفي الأنفس التي أودع الله فيها ما يحيي القلوب من الموت ويشفي الأبصار من العمى، وإنه ليذكر رحمه الله أمورا مفصلة في الكون والإنسان، حتى كأنه يعيش في هذا العصر الذي يسمى عصر الاكتشافات العلمية، وفيه ظهر من الحجج والبراهين الكونية والنفسية ما لم يظهر كثير منه في العصور السابقة، بسبب الوسائل والإمكانات التي توافرت فيه ولم تتوافر في غيره، فظهر فيه كثير مما أشار الله إليه أو أشار إليه رسوله.
تحقيقا لوعد الله القائل( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ(52)سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )) [فصلت: 52-53].
وإذا استقر في نفس الإنسان أن الكون كله أوجده خالق واحد لا يشاركه في هذا الإيجاد أحد وأن هذا الخالق هو المالك لجميع المخلوقات، لأنه هو وحده خالقها ومدبرها، علم هذا الإنسان أنه مخلوق مملوك مدبر لهذا الخالق المالك المدبر، كغيره من المخلوقات، و المخلوق المملوك المدبر لابد أن يخضع لخالقه ومالكه ومدبره، فيمتثل أمره الذي هو فيه مختار، كما يخضع لإرادته في ما هو مضطر، وبطاعته الاختيارية لأمر الخالق يمتاز الإنسان-ومثله الجن-عن سائر المخلوقات المسيرة بأمر ربها القدري، كالشمس والقمر، وسائر الكواكب والأفلاك، والحيوانات والبحار والأنهار والجبال، وغيرها.
كما قال تعالى( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )). [الأعراف: 54].
وقال تعالى(( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )). [القصص: 68].
فالأثر المترتب على الإيمان بأن الله هو الخالق المالك المدبر هو خضوع العبد المخلوق المملوك المدبر، خضوعا مطلقا لأمر الخالق فيما يختار كخضوعه له فيما لا اختيار له فيه، فكما يمرض ويصح، ويحيا ويموت، خاضعا لأمر الله القدري بدون اختيار منه فإنه يؤمن بالله، ويصلي ويصوم ويحج ويتصدق، ويحكم بما أنزل الله، ويفعل كلما يحب الله منه أن يفعل، ويترك كلما يحب الله أن يترك،مختارا خاضعا لأمر الله الشرعي كخضوعه لأمر الله القدري.
ولهذا يترتب على الإقرار بأن الله هو الخالق المدبر المالك الرازق المحيي المميت وحده، الإقرار بأنه تعالى الإله المعبود بحق وحده لا شريك له.
منطق غريب!
هذا، ومع وجود الإلحاد وانتشاره وقيام دول على أ ساسه [لقد انهارت دولة الإلحاد الكبرى - الاتحاد السوفييتي، وبدأت دولة الصين في التراجع المتدرج عن هذا المبدأ البغيض - وتمزقت،وأضحت تتقاتل فيما بينها، وتتسمى بأسماء أخرى – كالاشتراكية - بدلا من الشيوعية والماركسية، لتوهم الناس أنها تخلت عن العار الذي حكمتهم به ما يقارب قرنا من الزمن، ليحافظ أربابها على كراسي حكمهم، وهم في الحقيقة مازالوا ملحدين، وإذا قدروا مرة أخرى - وماإخالهم بإذن الله قادرين - فلا أظنهم يترددون في إعادة إلحاد هم الصريح إلى سابق عهده المنهار. ونحمد لله الذي قضى على دول الإلحاد في بلدان المسلمين وأخزى زعماءهم فتركوا قصورهم التي أورثها الله الذين ظلموهم لما يقرب من ثلاثة عقود. ونسأل الله أن يهدي من بقي من أتباعهم للحق أو يفرق جمعهم، ويشتت شملهم حتى لا تقوم لهم قائمة أبدا].
وبخاصة في بعض البلدان الإسلامية - يرى بعض المنتسبين إلى العلم، أنه لا حاجة إلى دعوة الناس إلى توحيد الربوبية هذا ا لذي أنكره كثير من أبناء المسلمين - فضلا عمن سواهم -، بحجة أن الرسل - عليهم الصلاة والسلام - لم يكونوا يدعون أممهم، إلى الإقرار بوجود الخالق المدبر للكون وهذا-في الحقيقة -منطق غريب، ودعوى فاسدة وحجة أو قياس أفسد، وما هو والله بمنطق يتوقع صدوره من طالب علم صغير، بله من يحمل مؤهلا في الشريعة الإسلامية، وقد يكون ممن تخصصه الدراسي في أصول الدين!
كيف يستوي في ميزان العلم والعلماء، قوم يقرون بوجود الخالق، فلا يحتاج الداعية إلى إضاعة الوقت في دعوتهم إلى الإقرار بما هم به مقرون، مع حاجته - وحاجة المدعوين - إلى دعوتهم إلى الإقرار بما هم له منكرون، وهو توحيد الألوهية، الذي يدل ما اعترفوا به من توحيد الربوبية، على ما أنكروه من توحيد الألوهية، كيف يستوي هؤلاء وقوم أنكروا هذا التوحيد الذي هو الدليل أشد الإنكار ولا يمكن أن يؤمنوا بألوهية الله وأنه المعبود الحق وحده - وهو المدلول في دعوة الأنبياء - إلا إذا أقروا أ ولا بوجود الخالق المدبر وحده لهذا الكون؟!
والرسل عليهم السلام – وإن لم يكونوا يدعون الناس إلى الإقرار بوجود خالق مدبر للكون، لإقرارهم بذلك أصلا – لم يكونوا يترددون في إقامة الحجة على من كابر وجحد – ولو كان في حقيقة الأمر موقنا بما جحد – فعندما قال فرعون لموسى عليه السلام: (( وما رب العالمين )) أجابه موسى فورا بقوله: (( رب السماوات والأرض إن كنتم موقنين ))، واستمر فرعون في جحوده واستمر موسى في إقامة الحجة والبرهان عليه.
كما قال تعالى: (( قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِين َ(24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَائِكُمُ الأَوَّلِين َ(26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُون ٌ(27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ(28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ)). [الشعراء: 23-30].
ولم يقل موسى لفرعون: إن سؤالك لا يحتاج إلى جواب وأنت تعلم من هو رب العالمين.
ومع هذا فإنا نحمد الله تعالى على أن إنكار هذا التوحيد الذي لا يوجد أظهر منه في فطر الناس حتى عند الذين يكفرون بدين الإسلام، أو غيره من الأديان، قد أصبح إنكاره خرافة عند أطفال المسلمين الذين لم تدنس فطرهم ولم تجتلهم الشياطين، بل عند غير المسلمين من علماء الكون كالأطباء والفلكيين والجيولوجيين، وغيرهم ممن تجاوزوا موضوع الإقرار بوجود الخالق، إلى الإقرار برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم و أن القرآن وحي من عند الله، بناء على ما بهرهم من المعجزات الكونية والآفاقية والنفسية التي أشار إليها القرآن الكريم والتي لم يكن أحد في ذلك الوقت يخطر له ذلك على بال، ولم توجد وسائل تمكن البشر من اكتشاف ما أشار إليه القرآن إلا في السنوات القريبة جدا-مع ما يمتاز به القرآن من الدقة في التعبير والمصطلحات كما هو الحال في علم الأجنة.
والذي يتتبع نشاط مؤتمرات وندوات الإعجاز العلمي في القرآن والسنة المنبثقة عن هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة التي أنشأها الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني اليمني في مقر رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة يتضح له أن إنكار وجود الخالق المدبر لهذا الكون قد أصبح خرافة وإن أصر المكابرون على إنكاره.
لكن ما دام يوجد في الأرض من يظهر عدم الإيمان بهذا التوحيد - سواء أكان من الملحدين الأجانب أم من أذنابهم الذين اتبعوهم من ذرا ري المسلمين، وسواء أكانوا صادقين في إنكارهم أم كاذبين فلا بد من إقامة الحجة عليهم، ولابد من دعوتهم إلى الإقرار بتوحيد الربوبية الذي هو الدليل على توحيد الألوهية.
وقد أبرز علماء الإسلام - قديما وحديثا - الأدلة والبراهين على وجود الخالق المدبر للكون، ومن الكتب النفيسة التي عنيت بهذا الأمر: كتاب (مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة) لابن قيم الجوزية رحمه الله الذي جال في أبوابه وفصوله جولات واسعة في الكون الفسيح بسماواته وأرضه وما بينهما وفي الأنفس التي أودع الله فيها ما يحيي القلوب من الموت ويشفي الأبصار من العمى، وإنه ليذكر رحمه الله أمورا مفصلة في الكون والإنسان، حتى كأنه يعيش في هذا العصر الذي يسمى عصر الاكتشافات العلمية، وفيه ظهر من الحجج والبراهين الكونية والنفسية ما لم يظهر كثير منه في العصور السابقة، بسبب الوسائل والإمكانات التي توافرت فيه ولم تتوافر في غيره، فظهر فيه كثير مما أشار الله إليه أو أشار إليه رسوله.
تحقيقا لوعد الله القائل( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ(52)سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )) [فصلت: 52-53].
وإذا استقر في نفس الإنسان أن الكون كله أوجده خالق واحد لا يشاركه في هذا الإيجاد أحد وأن هذا الخالق هو المالك لجميع المخلوقات، لأنه هو وحده خالقها ومدبرها، علم هذا الإنسان أنه مخلوق مملوك مدبر لهذا الخالق المالك المدبر، كغيره من المخلوقات، و المخلوق المملوك المدبر لابد أن يخضع لخالقه ومالكه ومدبره، فيمتثل أمره الذي هو فيه مختار، كما يخضع لإرادته في ما هو مضطر، وبطاعته الاختيارية لأمر الخالق يمتاز الإنسان-ومثله الجن-عن سائر المخلوقات المسيرة بأمر ربها القدري، كالشمس والقمر، وسائر الكواكب والأفلاك، والحيوانات والبحار والأنهار والجبال، وغيرها.
كما قال تعالى( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )). [الأعراف: 54].
وقال تعالى(( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )). [القصص: 68].
فالأثر المترتب على الإيمان بأن الله هو الخالق المالك المدبر هو خضوع العبد المخلوق المملوك المدبر، خضوعا مطلقا لأمر الخالق فيما يختار كخضوعه له فيما لا اختيار له فيه، فكما يمرض ويصح، ويحيا ويموت، خاضعا لأمر الله القدري بدون اختيار منه فإنه يؤمن بالله، ويصلي ويصوم ويحج ويتصدق، ويحكم بما أنزل الله، ويفعل كلما يحب الله منه أن يفعل، ويترك كلما يحب الله أن يترك،مختارا خاضعا لأمر الله الشرعي كخضوعه لأمر الله القدري.
ولهذا يترتب على الإقرار بأن الله هو الخالق المدبر المالك الرازق المحيي المميت وحده، الإقرار بأنه تعالى الإله المعبود بحق وحده لا شريك له.
تعليق