Unconfigured Ad Widget

Collapse

رحلة إلى الله

Collapse
X
 
  • الوقت
  • عرض
مسح الكل
new posts
  • الفيصل
    عضو مشارك
    • Oct 2002
    • 209

    رحلة إلى الله

    * ملاحظة : الموضوع ليس مرجعاً لمناسك الحج .


    في السابع من شهر ذي الحجة من عام 1423هـ بدأت رحلتي الى الله .

    انها رحلة عظيمه استشعرتها نفسي قبل حسي وروحي قبل جسدي ، رحلة يعجز عن وصفها قلمي ، فهي رحلة الى الله جل في علاه وحسب .

    نزلت بساحته ضيفاً ، استجابة لدعوته سبحانه وتعالى :

    " وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق " .

    ولك ان تتخيل عندما تحل ضيفاً على شريف من أشراف المجتمع بل على ملك من ملوك الدنيا فبأي قلب تذهب ؟ وبأي رغبة وتشوق تستعد ؟ وبأي لبس تتزين ؟ وبأي كلام تبدأ وتتحدث ؟

    فكيف بك اذا كنت ضيفاً على ملك الملوك وبدعوة منه جل في علاه ؟؟

    ما ان بدأت الرحلة حتى بدأ الخوف والرغبة والرهبة تدب في جسدي وقلبي وانا احدث نفسي واقول انا ضيف رب العزة والجلال ! أي فضل وسعادة انا فيها ؟ وأي كرم سيغمرني به ربي ؟

    انا الضيف ..

    والمضيف هو الله ، الله ، الملك القدوس العزيز الجبار المتكبر الخالق البارىء الرحمن الرحيم ، ياله من شرف ما بعده شرف ، وياله من موقف ما مثله موقف ، وياله من مشهد سيحفظ في ذاكرتي ما بقي لي من عمر .

    بدأت الحديث والنداء والرجاء واطهر الكلام واصدقه ، بدأت بـ" لبيك اللهم لبيك " ، " لبيك لا شريك لك لبيك " ، " ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " .

    لقد اتيتك ياربي استجابة لأمرك ، وحللت بساحتك يا ربي ضيفاً وانت خير من يكرم الضيف ، اتيتك متيقنا وطامعاً وراجياً عفوك ومغفرتك ، اتيتك يا ربي ملبياً تقياً نقياً املاً في رضاك عني ، اتيتك يا ربي تائباً عابداً حامداً لك ، اتيتك يا ربي اجر ذنوبي الكثيرة لتغفرها لي ، اتيك يا ربي خاضعا خاشعاً ذليلاً ، اللهم اقبلني واغفر ذنوبي وارضني وارض عني .

    سارت بنا قافلة النور في حملة ركب النور مع احبة وجوههم من نور ، احبة تسابقوا على الطاعة فما اعلم من اسبقهم إليها ، اخوة احبوا الخير فما اعلم خيارهم ، احبة عرفوا الى اين هم ذاهبون وبحمى من سينزلون ؟
    فتيقنوا رضى الله وتزودوا بالتقوى وشرعوا في الطاعة تلو الطاعة والحسنة تلو الحسنة ، أحبة تهذبوا كما يتهذب الضيف وتزينوا كما يتزين الضيف وتجردوا من الدنيا بأسرها ، فتركوا اموالهم وابنائهم وعشيرتهم وذويهم واعمالهم خلف ظهورهم واتجهوا الى الله وحده لينالوا كرم الضيافة من ملك الملوك تبارك وتعالى .

    سار الركب من جده في اجواء روحانية ما عرفت مثلها من قبل ، ومر بنا الطريق سريعاً واذا بنا في مكة وتحديداً في منى ، وما ان وصلنا وانزلنا أمتعتنا حتى تشوقنا الى البيت العتيق ، فمن هنالك نبدأ بالسلام ومن هنالك تبدأ الرحلة الحقيقة الى الله ، ومن هنالك تبدأ الضيافة ، وعلى الفور سار بنا الركب بعد ان تعرفنا على موقع المخيم وما هي الا دقائق واذا بنا في حرم الله ، اطهر بقعة على وجه الارض ،

    " بسم الله ، والله أكبر ، اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاءً بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى اله عليه وسلم " بدأت الطواف ورفعت صوتي بالتلبية والدعاء والناس من حولي كل منهم مشغول مع ربه ، يدعوه ويناجيه ، ويلبي له ، ويسر الله لي طواف القدوم كما يسر لي السعي من بعده فله الحمد وله المنة والشكر والثناء حتى يرضى ، وبعد ان اتممت الطواف والسعي عدت الى منى حيث المخيم لألقى الأحبة يتذاكرون القرآن ويدعون ويستغفرون وما منهم إلا راكعاً أو ساجدا أو باكياً أو منصتاً لقرآن يتلى أو حديث يقرأ ، فرأيت نفسي اقلهم عملا ودعاءً وأكثرهم ذنوباً وهنا تأبى غيرة السباق الى الله إلا ان تعتريني فبدأت ادعوا وانا بين الخوف والرجاء وحسن الظن بربي تبارك وتعالى .

    نعم إنهم الصحبة الخيرة ، كذلك وجدتهم ففعلت مثلهم !

    عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدي

    ومر بي الوقت سريعاً حتى داهمني النوم وما ان نودي لصلاة الفجر حتى نهضت من فراشي وانا كلي رضى وراحة ونشاط ، وبعد الصلاة القيت محاضرة لأحد الأحبة حثنا فيها على العمل واغتنام الفرصة التي هيأها لنا الله دون سوانا ان اصبحنا ضيوفاً للرحمن جل في علاه فما اكرمك يارب وما اعظمك ان مننت علي وغمرتني بهذا الفضل العظيم .

    وتتسابق الساعات وتمر اللحظات سريعاً ولا نشعر بالوقت ، وتمر ساعات النهار من اليوم الثامن وتمضى الليلة سريعاً لأننا على موعد غداً مع رب الأرباب و ملك الملوك لنقف امامه على صعيد واحد بلباس واحد وقلب واحد كلنا سواسية لا فرق بيننا إلا بالتقوى ، فكلنا نلبي وكلنا ندعوا وكلنا نأمل الإجابة ، هدفنا في ذلك الموعد الكريم وذلك الموقف العظيم ان نخرج من ذنوبنا كيوم ولدتنا امهاتنا .

    انه موعد لا يشبهه موعد ، موعد مع الرحمن الرحيم غافر الذنب وقابل التوبة ، جبار السماوات والأرض ، فهنيئاً لمن اغتنم الفرصة وهنيئاً لمن يرضى عنه ملك الملوك في هذا اليوم .

    سار بنا ركب النور بعد صلاة الفجر متجهاً الى عرفات وقلوباً تتوق للقاء الله الواحد الأحد ، وصلنا سريعاً واذا بنا في مخيم الركب في عرفات الى الجهة الجنوبية من مسجد نمرة .

    ماذا أرى ؟؟؟

    عدد هائل من الناس اجتمعوا على صعيد واحد ولباس واحد ، لا تفرق بينهم كأنما خلقوا في بطن واحدة ، نعم تختلف ألوانهم واشكالهم ولكنهم يحملون هدفاً واحداً وهو رحمة ملك الملوك ورضاه جل في علاه ، حديثهم وشغلهم الإستغفار والتلبية والخشوع والتذلل لرب العالمين ، تعلوا وجوههم الطمأنينة والنور ، قلوبهم بيضاء نقية تقية كملبسهم .

    ادهشني ذلك العدد الكبير من الناس وانا انتظرالموقف العظيم الذي فيه يباهي بنا ربنا ملائكة السماء ويقول لهم :

    " هؤلاء عبادي أتوني شعثاً غبراً يرجون رحمتي ، أشهدكم اني قد غفرت لهم " .

    وهنا لابد ان تذرف العيون وتجهش الصدور وترتفع الأصوات بالبكاء ، فالموقف عظيم والحدث كبير ، تختلط معه الرهبة والرغبة والخوف والرجاء في آن واحد فلا إله إلا الله ما اعظمه من مشهد ، ولا إله إلا الله ما اجله من يوم ، من يشهده يتذكر قوله تعالى " يوم يقوم الناس لرب العالمين " ، ولتذرف عيناه ، وليعفر جبينه بالتراب لينال رضى رب الأرباب ، ليتذكر يوم الحشر والخروج من القبر ، ليتذكر الصراط والجنة والنار .

    وليعلن من على ذلك الصعيد الطاهر وفي ذلك الموقف العظيم توبته الى ربه وليقطع على نفسه العهد الذي لا ينقضه ابداً ان لا يعود للمعاصي ابداً صغيرها وكبيرها .

    لا تزال الدهشه تعتريني من ذلك الموقف ، وبدأت اتساءل :

    هل انا ممن يقال لهم انطلقوا مغفور لكم ؟؟؟

    ام انني سأعود صفر اليدين أحمل تلك المعاصي التي جنيتها طوال عمري وما اكثرها دون ان يغفر لي ربي لتبقى حملاً ثقيلاً على ظهري حتى تقوم الساعة ؟!

    عدت الى المخيم مكسور الخاطر ، حزين ، لأنني ولكثرة ذنوبي شعرت ان الله لن يغفر لي واذا بالجواب يأتي سريعاً في محاضرة القاها احد الأحبة وذكر فيما ذكر حال السلف والصالحين في مثل هذا اليوم فيما مضى من الزمان وذكر أن أحد الصالحين كان يمرغ وجهه في التراب فمر به احدهم فسأله :

    من اسوأ الناس حالاً في هذا اليوم ؟

    فقال :

    " ان اسوأ الناس حالاً اليوم من يظن ان الله لن يغفر له " .

    نعم فنحن وقفنا بباب ملك الملوك الذي يفرح بتوبة عبده ، ويبسط يده بالليل والنهار للمسيئين ليتوبوا ، هو العظيم الكريم الذي لا تنفد خزائنه ، ولا يفنى ملكه ،

    هو الله القائل في محكم التنزيل :

    " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون " .

    فأنشرح صدري ورضي قلبي وحمدت الله كثيراً فله الحمد وله المنة والثناء الحسن .

    وتمرالدقائق والساعات ونحن نقف على ذلك الصعيد المبارك ونستشعر الرحمات من ملك الملوك ولسان الحال يقول :

    فليتـك تحـلوا والحياة مـريرة ***** وليتك ترضى والأنام غضاب

    وليت الذي بيني وبينك عامر ***** وبـيني وبـين العالمين خـراب

    إذا صح منك الود فالكل هين ***** وكل الذي فوق التراب تراب


    رحماك رحماك ربي ، اللهم اغفر لي ولا تخزني ، اللهم اجعلني ممن تباهي بهم ، وممن تغفر لهم ، اللهم ارحمني وجميع المسلمين آمين .

    وتزول الشمس عن كبد السماء ونسمع الخطبة المباركة التي اشتملت على تعاليم ربانية سمحة وشرحت حال البلاد والعباد ، وختمت بالدعاء والتضرع الى الله عسى ان يرحم حالنا وضعفنا ، وادينا الصلاة بعدها جمعاً وقصراً .

    وتميل الشمس سريعاً الى الغروب وتمر اللحظات وفي كل لحظة اسأل نفسي أفي هذه اللحظة يباهي بنا ربنا ، اسأل الله ان اكون منهم ، اسأل الله العفو والمغفرة ، ويتكرر السؤال في كل لحظة ، لا إله إلا الله ما اعظمه من موقف ، فهنيئاً لمن اشتغل بالدعاء في ذلك اليوم ،

    يقول النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام :

    " خير الدعاء دعاء يوم عرفه ، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ".

    شارفت الشمس على المغيب واذا بمنادي الركب ان تأهبوا للرحيل وبالفعل سار بنا الركب الى مزدلفة بعد غياب شمس عرفه ، بعد غياب شمس أعظم يوم شهدته في حياتي رهبة ورغبة الى الله .

    وصلت والركب المبارك الى مزدلفة لنصلي المغرب والعشاء هناك جمع تأخير ونقضي ليلتنا المباركة هناك والألسنة لا تزال رطبة بذكر الله والتلبية لا تنقطع ، والسباق في زيادة الى رضى الرحمن الرحيم ، وتمر الليلة كأنها لحظة بروحانيتها وطيبها ، وبعد الفجر ينطلق الركب الى منى بعد أن جمعنا سبع حصيات .

    وفي الطريق تعاودني الدهشة من جديد وانا اتابع بشغف مسيرة ذلك العدد الهائل من الناس وكأنهم السيل متجهين الى جمرة العقبة ، ودوي التلبية ترتج منه جبال منى ومكة حتى اطرافها ، فسبحان من جمع قلوب هؤلاء جميعاً على طاعته ، وسبحان من اعطى ، وسبحان من غفر وعفى ، وسبحان من تفضل برحمته علينا فله الحمد حتى يرضى .

    ونعيش فرحة العيد وأي عيد وأي فرحة نعيش ؟؟

    إنه اعظم واسعد الأعياد واقربها الى قلبي ، فهو لا ينسى أبداً وفرحتي ليست بقدوم موعده ولكنها فرحة برحمة الله وغفران الذنوب والخروج منها كيوم ولدتني امي ، وكلي أمل ان يكون ذلك قد تحقق لي من رب الأرباب فله الحمد وله المنة حتى يرضى وله الحمد بعد الرضى ، انه عيد يختلف عن كل الأعياد ، رمي وحلق وطواف وتحلل في رضى الرحمن ، حق لي ان اعيشه بكل تفاصيله فهو الفرح الحقيقي ، فهل اعظم من رضوان الله ومغفرته ؟؟

    ويمر الوقت ودوي التكبير وصداه ينتشر في منى طوال الوقت ، وفي كل بقعة وكل شبر منها اتذكر قصة الخليل ابراهيم عليه السلام والرؤيا المباركة وابنه اسماعيل عليه السلام وزوجته هاجر واتفكر كيف وقف له الشيطان ليثنيه عن امر ربه وكيف دحره الخليل و رماه ليمضي قدماً في أمر ربه وإن كان عصيباً ، ليصبح شيخ العقيدة وإمام التوحيد إبراهيم الخليل عليه السلام قدوة لنا وعمله في رمي الشيطان ( شيخ الضلالة – إبليس لعنه الله ) نسكاً من مناسكنا حتى تقوم الساعة ، واقتداءً بنبينا محمد عليه افضل الصلاة واتم التسليم .

    وينقضي يوم العيد وتليه أيام التشريق الحادي عشر والثاني عشر وكلها مرت سريعاً وهنا قررت المغادرة وبالفعل غادرت منى متعجلاً ومتجهاً الى بيت الله الحرام ليكون آخلر عهدي بمكة وزخات المطر تتساقط وكأنما تطهر الحجاج كما تطهر مكة من مخلفاتهم وبعد الطواف ودعت البقعة المباركة وكأنما تودع حبيباً غالياً يحزن قلبك حزناً شديداً لفراقه ، ودعت الى جدة من حيث اتيت وقد امتلأت روحي شوقاً الى الله وطاعة نبيه ، غادرت وقد تلقيت درساً عملياً في تهذيب النفس وتعويدها على ترك المعاصي وجبلت على طاعة الله والإكثار من الذكر والعمل الصالح والإتيان بالواجبات في وقتها دون تأخير ونسأل الله الثبات على الطاعة .

    كانت هذه رحلتي الى الله جل في علاه ، وما اعظمها في نفسي من رحلة ، وما اجله من موقف ، عسى الله ان لا يحرمنا وإياكم رحمته ومغفرته ، وعسى ان يجمعنا في مستقر رحمته وان يرينا وجهه الكريم فهو غاية السعادة والنعيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وسيد الخلق اجمعين اللهم آمين .
    احبب من شئت فانك يوما مفارقه
  • احمد البشيري
    عضو مميز
    • Jun 2002
    • 1513

    #2
    أسأل الله العلي القدير أن يتقبل منك حجك وأن يجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا, أنت وجميع حجاج بيت الله الحرام, وجميع المسلمين, أنعم وأكرم بها من رحلة,,, رحلة الى ضيافة رب السماوات والأرض فنعم المضيف, وهنيئا للضيف وهو في رعاية الله وكرمه.

    أثابك الله أخي/ الفيصل........ على ما سطرته أناملك وجعله درسا نستفيد منه ويستفيد منه كل من يريد الحج في الأعوام القادمة بأذن الله, فلقد أوفيت الشرح بطريقة علمية وعملية, فبارك الله في جهودك وكل عام وأنتم بخير.


    أخوكم/احمد البشيري
    سبحان الله العظيم عدد خلقـــه
    سبحان الله العظيم مداد كلماتـــه
    سبحان الله العظيم زنة عرشـــه
    سبحان الله العظيم رضى نفســـه










    تعليق

    • الفيصل
      عضو مشارك
      • Oct 2002
      • 209

      #3

      سلمت اخي أحمد


      لقد كانت تجربة خاصة أحيت ذلك الميت بين اضلعي الذي نسي أو تناسى حقيقته وهوانه .

      نسأل الله عموم الفائدة والثبات على طريق الحق .



      اشكرك من قلبي





      الفيصل
      احبب من شئت فانك يوما مفارقه

      تعليق

      Working...