للمسلمين ثلاثة أعياد لا رابع لها وهي:
الأول: عيد الأسبوع، وهو يوم الجمعة، خاتمة الأسبوع، هدى الله له هذه الأمة المباركة، بعد أن عمي عنه أهل الكتاب ـ اليهود والنصارى ـ فكان لهم السبت والأحد.
قال ابن خزيمة ـ رحمه الله تـعــالى ـ: (باب الدليل على أن يـوم الجمعـة يـوم عيـد، وأن النهـي عن صيامه إذ هـو يـوم عـيــد) حديـث أبي هريـرة -رضي الله عنه- قال: سمعـت رسـول الله -صلى الله عليه وسلم- يقـول: (إن يـوم الجمعـة يـوم عيـد؛ فـلا تجعلـوا يـوم عيدكم يـوم صيامكـم إلا أن تصومـوا قبله أو بعده)(1).
الثاني: عيد الفطر من صوم رمضان، وهــو مرتب على إكمال صيام رمضان، الذي فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وهو يـــوم الجوائز لمن صام رمضان فصان الصيام، وقام فيه فأحسن القيام، وأخلص لله ـ تعالى ـ فـي أعـمـالــه، وهو يوم واحد ـ أول يوم من شهر شوال ـ.
الثالث: عيد النحـر: وهـو ختـام عشـرة أيام هـي أفضـل الأيام، والعمـل فيها أفضـل مـن العمل في غيرها، حتى فاق الجهاد في سبيل الله ـ تعالى ـ الذي هو من أفضل الأعمال، كما في حـديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ما من الأيــــام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد؛ إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء)(2).
وهذا الـعـيـــد هو اليوم العاشر من ذي الحجة، وقبله يوم عرفة وهو من ذلك العيد أيضاً، وبعده أيام التشريق الثلاثة وهي عيد أيضاً، فصارت أيام هذا العيد خمسة؛ كما في حديث عقبة بن عامـــر ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب)(3).
وهذا العيد أعظـــم من عيد الفطر، قال ابن رجب ـ رحمه الله تعالى ـ: وهو أكبر العيدين وأفضلهما وهو مرتب على إكمال الحج(4). وقال شيخ الإسلام بعد ذكره قول الله ـ تعالى ـ: ((اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً)) [المائدة: 3]: (ولهذا أنزل الله هــــذه الآية في أعظم أعياد الأمة الحنيفية؛ فإنـه لا عيد في النـوع أعظـم من العيد الذي يجتمع فيه المكان والزمان وهـو عيـد النحـر، ولا عين من أعيان هـذا النـوع أعظـم من يـوم كان قـد أقامـه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعامة المسلمين)(5).
وقال أيضاً: (أفضل أيــــــام العام هو يوم النحر، وقد قال بعضهم: يوم عرفة، والأول هو القول الصحيح؛ لأنّ في السـنـن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (أفضل الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم الـقــــر)(6)، لأنه يوم الحج الأكبر في مذهب مالك والشافعي وأحمد؛ كما ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (يوم النحر هو يوم الحج الأكبر)(7).
أحكام تتعلق بالعيد:
أولاً: حكم صلاة العيد:
اختلف العلماء في ذلك، ولهم ثلاثة أقوال:
أ -أنها واجبة على الأعيان وهو قول الأحناف(8).
ب - أنها سنة مؤكدة، وهو قول مالك وأكثر أصحاب الشافعي(9).
ج - أنها فرض كفاية، وإذا تمالأ أهل بلد على تركها يُقاتلون وهو مذهب الحنابلة، وقال به بعض أصحاب الشافعي(10).
والذي يظهر رجحانُه القولُ بالوجوب لما يلي:
1- أمر الله ـ تعالى ـ بها: ((فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)) [الكوثر: 2] والأمر يقتضي الوجوب، وأمره-النساء أن يخرجن إليها.
2- مواظبة النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها وعدم تخلفه عنها.
3- أنها من أعلام الدين الظاهرة، وأعلام الدين الظاهرة فرض كالأذان وغيره(11).
قال شيخ الإسلام: ولهذا رجحنا أن صلاة العيد واجبة على الأعيان. وقول من قال: (لا تجب) في غاية البعد؛ فإنها من شعائر الإسلام، والناس يجتمعون لها أعظم من الجمعة، وقد شرع لها التكبير، وقول من قال: (هي فرض كفاية) لا ينضبط؛ فإنه لو حضرها في المصر العظيم أربعون رجلاً لم يحصل المقصود؛ وإنما يحصل بحضور المسلمين كلهم كما في الجمعة(12).
واختار القول بالوجوب ابن القيم والشوكاني وابن سعدي وابن عثيمين(13).
وعلى هذا القول فإن المفرطين في حضورها آثمون خاسرون في يوم الفرح والجوائز.
ثانياً: حكم التنفل قبل صلاة العيد وبعدها:
أ - عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصلّ قبلها ولا بعدها..)(14).
ب - وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: (كان رسول -صلى الله عليه وسلم- لا يصلي قبل العيد شيئاً؛ فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين)(15).
فمن خلال هذين الحديثين يظهر ما يلي:
1-أن صلاة العيد ليس لها راتبة لا قبلية ولا بعدية؛ لحديث ابن عباس.
2- أنه لو صلى بعدها في البيت أصاب السنة إن كان من عادته أن يصلي الضحى،لحديث أبي سعيد.
3- إذا كانت صلاة العيد في المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين لحديث أبي قتادة ـ رضــــي الله عنه ـ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس)(16).
4- إذا كانت صلاة العيد في المصلى فلا يجلس حتى يصلي ركعتين؛ لأن مصلى العيد له حكم المسجد بدليل أمره -صلى الله عليه وسلم- الحيّض أن يعتزلن المصلى، وهذا على رأي بعض العلماء(17).
5- التنفل المطلق لا يخلو من حالتين:
أ - إما أن يكون قبل العيد في وقت النهي؛ فلا يجوز لعموم النهي عن ذلك.
ب - وإما أن يكون قبل العيد ولكن ليس في وقت النهي ـ كما لو أخروا صلاة العيد، أو بعد العيد ـ وهذا هو الذي وقع فيه الخلاف بين العلماء، فمنهم من أجازه مطلقاً، ومنهم من منعه مطلقاً، ومنهم من أجازه قبل صلاة العيد، ومنهم من أجازه بعدها، ومنهم من أجازه للمأموم دون الإمام، ومنهم من أجازه في المسجد لا في المصلى.
والذي يظهر ـ والله أعلم ـ الجواز لعدم الدليل على المنع، وأما حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ فهو يحكي فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو إما ينتظر إذا حضر صلى بهم، وإذا انتهى انصرف كما في الجمعة، ثم لا يدل عدم فعله على المنع منه.
قال ابن عبد البر: (الصلاة فعل خيـر فلا يجب المنع منها إلا بدليل لا معارض له فيه، وقد أجمعوا أن يوم العيد كغيره في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، فالواجب أن يكون كغيره في الإباحة)(18).
وقال الحافـظ ابن حجر بعد أن عـرض الخـلاف: (والحاصل أن صـلاة العيد لم يثبت لهـا سنة قبلهـا ولا بعدهـا خلافـاً لمن قاسهـا على الجمعـة، وأما مطلـق النفـل فلم يثبت فيـه منع بدليـل خـاص؛ إلا إن كان في وقـت الكراهـة الـذي في جميع الأيـام، ورجّح عدم المنع ابن المنـذر)(19).
ولكن إذا كان التنفل قبل صلاة العيد فقد ترك صاحبه الفاضل إلى المفضول؛ لأن عبادة التكبير في وقته المأمور به أفضل من مطلق النفل.
ثالثاً: صلاة العيد في المصلى:
علل الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ خروج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الصحراء لصلاة العيد بكون مسجده -صلى الله عليه وسلم- لا يتسع لهم؛ بدليل أن أهل مكة يصلون في المسجد الحرام، ومقتضى ذلك أن العلة تدور على الضيق والسعة لا لذات الصحراء؛ لأن المطلوب حصول عموم الاجتماع فإذا حصل في المسجد مع أفضليته كان أوْلى(20).
والذي يظهر أن ذلك مرجوح، ومقابل لفعله -صلى الله عليه وسلم-، قال ابن قدامة: (ولنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخرج إلى المصلى ويدع مسجده وكذلك الخلفاء من بعده، ولا يترك النبي -صلى الله عليه وسلم- الأفضل مع قربه، ويتكلف فعل الناقص مع بعده، ولا يشرع لأمته ترك الفضائل.. ثم ذكر أن ذلك إجماع المسلمين(21).
وأما صلاة أهل مكة في المسجد الحرام فلأن مكة جبال والصحراء فيها بعيدة(22).
رابعاً: وقت صلاة العيد:
وقتها: من ارتفاع الشـمـس قـيـد رمح إلى الزوال، قال ابن بطال: (أجمع الفقهاء على أن صلاة الـعـيـد لا تُـصـلـى قبل طـلــــوع الشـمـس ولا عند طلوعها، وإنما تجوز عند جواز النافلة)(23).
وقــال ابن القيم: (وكان -صلى الله عليه وسلم- يؤخر صلاة عيد الفطر ويعجل الأضحى، وكان ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة لا يخرج حتى تطلع الشمس)(24).
وقـــد علل ابن قدامة تقديم الأضحى وتأخير الفطر بأن لكل عيد وظيفة، فوظيفة الفطر إخراج الزكاة ووقتها قبل الصلاة، ووظيفة الأضحى التضحية ووقتها بعد الصلاة(25).
خامساً: لا نداء لصلاة العيد:
أ - روى ابن عباس وجابـر ـ رضي اللـه عنهـما ـ قالا: (لم يكـن يـؤذن يـوم الفطـر ولا يـوم الأضحى)(26).
ب - وروى جابـر بن سمـرة قال: (صليـت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العيدين غير مـرة ولا مرتـين بغـير أذان ولا إقامـة)(27).
قال مالك: وتلك هي السّنة التي لا اختلاف فيها عندنا(28)، ونقل الإجماع عليه ابن قدامة(29)، ولم يكن يُنادى لها بالصلاة جامعة أو غير ذلك، بل كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ إذا انتهى إلى المصلى صلى(30).
ورجّح ابن عبد البر أن أول من فعل الأذان للعيدين معاوية -رضي الله عنه- (31).
سادساً: تقديم الصلاة على الخطبة:
نقل الإجماع على ذلك ابن قدامة(32)، وقال ابن المنذر: (فقد ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه بدأ بالصلاة قبل الخطبة في يوم العيد، وكذلك فعل الخلفاء الراشدون المهديون، وعليه عوام علماء أهل الأمصار)(33).
وأول مــــن قــدم الخطبة على الصلاة قيل عثمان(34)، وقيل ابن الزبير(35) ـ رضي الله عنهما ـ، قال ابن قدامة: ولم يصح عنهما(36)، وقيل: معاوية -رضي الله عنه- (37).
ولو ثبت ذلك عــن أي منهم فهو اجتهاد منهم ـ رضي الله عنهم ـ لا يقابل النص الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: (شهدت مع رسول الله -صلى الله عـلـيـه وسلم- وأبي بـكـــر وعمر وعثمان ـ رضي الله عنهم ـ فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة)(38).
سابعاً: التكبير في الصلاة:
قال شيخ الإسلام: واتفقت الأمة على أن صلاة العيد مخصوصة بتكبير زائد(39).
1- عدد التكبيرات: يُكبّر في الأولى سبعاً دون تكبيرة الركوع، وفي الثانية خمساً دون تكبيرة النهوض. وهذا مذهب الفقهاء السبعة(40).
وجاء فيه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كبر ثنتي عشرة تكبيرة: سبعاً في الأولى، وخمساً في الأخرى)(41). وورد عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ اختلاف في عدد التكبيرات، ولذلك وسع فيه الإمام أحمد(42).
2- يكبر المأموم تبعاً للإمام. قاله شيخ الإسلام(43).
3- يرفـــع يديه مع كل تكبيرة، وفيه حديث وائل بن حجر أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يرفـــــع يديه مع التكبير(44)، فهذا عام في العيد وغيره. وورد في تكبيرات الجنازة والعيد مثلها عن ابن عمر مرفوعاً وموقوفـاً(45). وذكر الحافـظ ثبـوت رفـع اليدين عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ(46)، وهو قول عطاء والأوزاعي والشافعي وأحمد(47).
4- الذكر بين التكبيرات: لم يرد فيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء، وإنما قال عقبة بن عامـــر: سألت ابن مسعود عما يقوله بعد تكبيرات العيد قال: (يحمد الله ويثني عليه، ويصلي على النبي)(48). قال البيهقي ـ رحمه الله تعالى ـ: (فتتابعه في الوقوف بين كل تكبيرتين للذكر إذا لم يرد خلافه عن غيره)(10).
وقال شيخ الإسلام: يحمد الله بين التكبيرات ويثني عليه ويدعو بما شاء(11).
5- حكم التكـبـيـرات الـــزوائد: قال ابن قدامة: (سنة وليس بواجب، ولا تبطل الصلاة بتركه عمداً ولا سهواً، ولا أعلم فيه خلافاً)(12).
لكن إن تركه عمداً، فقد تعمد ترك سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وفاته خيرها.
6- إذا دخل المأموم مع الإمـــــام وقد فاته بعض التكبيرات الزوائد فإنه يكبر مع الإمام ويمضي مع الإمام، ويسقط عنه ما فاته من التكبيرات(49).
ثامناً: القراءة في صلاة العيد:
السنة أن يقرأ في صلاة العيد:
أ - في الركعة الأولى بسورة (ق) وفـي الـثـانية بسورة (القمر)؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ بهما في العيدين كما في حديث أبي واقد الليثي(50).
ب - أو في الركعة الأولى بسورة (الأعلى) وفي الثانية بسورة (الغاشية) لحديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ بهما في العيد.
ج - إذا اجتمع عيد وجمعة في يوم واحـــــد فلا مانع أن يقرأ بهما في العيد وفي الجمعة لأنهما سنة في كلا الصلاتين؛ ولما جاء في حـديــــث النعمان السابق: (وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما في الصلاتين)(51).
والله من وراء القصد...
أخوكم/احمد البشيري
الأول: عيد الأسبوع، وهو يوم الجمعة، خاتمة الأسبوع، هدى الله له هذه الأمة المباركة، بعد أن عمي عنه أهل الكتاب ـ اليهود والنصارى ـ فكان لهم السبت والأحد.
قال ابن خزيمة ـ رحمه الله تـعــالى ـ: (باب الدليل على أن يـوم الجمعـة يـوم عيـد، وأن النهـي عن صيامه إذ هـو يـوم عـيــد) حديـث أبي هريـرة -رضي الله عنه- قال: سمعـت رسـول الله -صلى الله عليه وسلم- يقـول: (إن يـوم الجمعـة يـوم عيـد؛ فـلا تجعلـوا يـوم عيدكم يـوم صيامكـم إلا أن تصومـوا قبله أو بعده)(1).
الثاني: عيد الفطر من صوم رمضان، وهــو مرتب على إكمال صيام رمضان، الذي فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وهو يـــوم الجوائز لمن صام رمضان فصان الصيام، وقام فيه فأحسن القيام، وأخلص لله ـ تعالى ـ فـي أعـمـالــه، وهو يوم واحد ـ أول يوم من شهر شوال ـ.
الثالث: عيد النحـر: وهـو ختـام عشـرة أيام هـي أفضـل الأيام، والعمـل فيها أفضـل مـن العمل في غيرها، حتى فاق الجهاد في سبيل الله ـ تعالى ـ الذي هو من أفضل الأعمال، كما في حـديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ما من الأيــــام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد؛ إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء)(2).
وهذا الـعـيـــد هو اليوم العاشر من ذي الحجة، وقبله يوم عرفة وهو من ذلك العيد أيضاً، وبعده أيام التشريق الثلاثة وهي عيد أيضاً، فصارت أيام هذا العيد خمسة؛ كما في حديث عقبة بن عامـــر ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب)(3).
وهذا العيد أعظـــم من عيد الفطر، قال ابن رجب ـ رحمه الله تعالى ـ: وهو أكبر العيدين وأفضلهما وهو مرتب على إكمال الحج(4). وقال شيخ الإسلام بعد ذكره قول الله ـ تعالى ـ: ((اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً)) [المائدة: 3]: (ولهذا أنزل الله هــــذه الآية في أعظم أعياد الأمة الحنيفية؛ فإنـه لا عيد في النـوع أعظـم من العيد الذي يجتمع فيه المكان والزمان وهـو عيـد النحـر، ولا عين من أعيان هـذا النـوع أعظـم من يـوم كان قـد أقامـه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعامة المسلمين)(5).
وقال أيضاً: (أفضل أيــــــام العام هو يوم النحر، وقد قال بعضهم: يوم عرفة، والأول هو القول الصحيح؛ لأنّ في السـنـن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (أفضل الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم الـقــــر)(6)، لأنه يوم الحج الأكبر في مذهب مالك والشافعي وأحمد؛ كما ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (يوم النحر هو يوم الحج الأكبر)(7).
أحكام تتعلق بالعيد:
أولاً: حكم صلاة العيد:
اختلف العلماء في ذلك، ولهم ثلاثة أقوال:
أ -أنها واجبة على الأعيان وهو قول الأحناف(8).
ب - أنها سنة مؤكدة، وهو قول مالك وأكثر أصحاب الشافعي(9).
ج - أنها فرض كفاية، وإذا تمالأ أهل بلد على تركها يُقاتلون وهو مذهب الحنابلة، وقال به بعض أصحاب الشافعي(10).
والذي يظهر رجحانُه القولُ بالوجوب لما يلي:
1- أمر الله ـ تعالى ـ بها: ((فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)) [الكوثر: 2] والأمر يقتضي الوجوب، وأمره-النساء أن يخرجن إليها.
2- مواظبة النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها وعدم تخلفه عنها.
3- أنها من أعلام الدين الظاهرة، وأعلام الدين الظاهرة فرض كالأذان وغيره(11).
قال شيخ الإسلام: ولهذا رجحنا أن صلاة العيد واجبة على الأعيان. وقول من قال: (لا تجب) في غاية البعد؛ فإنها من شعائر الإسلام، والناس يجتمعون لها أعظم من الجمعة، وقد شرع لها التكبير، وقول من قال: (هي فرض كفاية) لا ينضبط؛ فإنه لو حضرها في المصر العظيم أربعون رجلاً لم يحصل المقصود؛ وإنما يحصل بحضور المسلمين كلهم كما في الجمعة(12).
واختار القول بالوجوب ابن القيم والشوكاني وابن سعدي وابن عثيمين(13).
وعلى هذا القول فإن المفرطين في حضورها آثمون خاسرون في يوم الفرح والجوائز.
ثانياً: حكم التنفل قبل صلاة العيد وبعدها:
أ - عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصلّ قبلها ولا بعدها..)(14).
ب - وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: (كان رسول -صلى الله عليه وسلم- لا يصلي قبل العيد شيئاً؛ فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين)(15).
فمن خلال هذين الحديثين يظهر ما يلي:
1-أن صلاة العيد ليس لها راتبة لا قبلية ولا بعدية؛ لحديث ابن عباس.
2- أنه لو صلى بعدها في البيت أصاب السنة إن كان من عادته أن يصلي الضحى،لحديث أبي سعيد.
3- إذا كانت صلاة العيد في المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين لحديث أبي قتادة ـ رضــــي الله عنه ـ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس)(16).
4- إذا كانت صلاة العيد في المصلى فلا يجلس حتى يصلي ركعتين؛ لأن مصلى العيد له حكم المسجد بدليل أمره -صلى الله عليه وسلم- الحيّض أن يعتزلن المصلى، وهذا على رأي بعض العلماء(17).
5- التنفل المطلق لا يخلو من حالتين:
أ - إما أن يكون قبل العيد في وقت النهي؛ فلا يجوز لعموم النهي عن ذلك.
ب - وإما أن يكون قبل العيد ولكن ليس في وقت النهي ـ كما لو أخروا صلاة العيد، أو بعد العيد ـ وهذا هو الذي وقع فيه الخلاف بين العلماء، فمنهم من أجازه مطلقاً، ومنهم من منعه مطلقاً، ومنهم من أجازه قبل صلاة العيد، ومنهم من أجازه بعدها، ومنهم من أجازه للمأموم دون الإمام، ومنهم من أجازه في المسجد لا في المصلى.
والذي يظهر ـ والله أعلم ـ الجواز لعدم الدليل على المنع، وأما حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ فهو يحكي فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو إما ينتظر إذا حضر صلى بهم، وإذا انتهى انصرف كما في الجمعة، ثم لا يدل عدم فعله على المنع منه.
قال ابن عبد البر: (الصلاة فعل خيـر فلا يجب المنع منها إلا بدليل لا معارض له فيه، وقد أجمعوا أن يوم العيد كغيره في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، فالواجب أن يكون كغيره في الإباحة)(18).
وقال الحافـظ ابن حجر بعد أن عـرض الخـلاف: (والحاصل أن صـلاة العيد لم يثبت لهـا سنة قبلهـا ولا بعدهـا خلافـاً لمن قاسهـا على الجمعـة، وأما مطلـق النفـل فلم يثبت فيـه منع بدليـل خـاص؛ إلا إن كان في وقـت الكراهـة الـذي في جميع الأيـام، ورجّح عدم المنع ابن المنـذر)(19).
ولكن إذا كان التنفل قبل صلاة العيد فقد ترك صاحبه الفاضل إلى المفضول؛ لأن عبادة التكبير في وقته المأمور به أفضل من مطلق النفل.
ثالثاً: صلاة العيد في المصلى:
علل الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ خروج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الصحراء لصلاة العيد بكون مسجده -صلى الله عليه وسلم- لا يتسع لهم؛ بدليل أن أهل مكة يصلون في المسجد الحرام، ومقتضى ذلك أن العلة تدور على الضيق والسعة لا لذات الصحراء؛ لأن المطلوب حصول عموم الاجتماع فإذا حصل في المسجد مع أفضليته كان أوْلى(20).
والذي يظهر أن ذلك مرجوح، ومقابل لفعله -صلى الله عليه وسلم-، قال ابن قدامة: (ولنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخرج إلى المصلى ويدع مسجده وكذلك الخلفاء من بعده، ولا يترك النبي -صلى الله عليه وسلم- الأفضل مع قربه، ويتكلف فعل الناقص مع بعده، ولا يشرع لأمته ترك الفضائل.. ثم ذكر أن ذلك إجماع المسلمين(21).
وأما صلاة أهل مكة في المسجد الحرام فلأن مكة جبال والصحراء فيها بعيدة(22).
رابعاً: وقت صلاة العيد:
وقتها: من ارتفاع الشـمـس قـيـد رمح إلى الزوال، قال ابن بطال: (أجمع الفقهاء على أن صلاة الـعـيـد لا تُـصـلـى قبل طـلــــوع الشـمـس ولا عند طلوعها، وإنما تجوز عند جواز النافلة)(23).
وقــال ابن القيم: (وكان -صلى الله عليه وسلم- يؤخر صلاة عيد الفطر ويعجل الأضحى، وكان ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة لا يخرج حتى تطلع الشمس)(24).
وقـــد علل ابن قدامة تقديم الأضحى وتأخير الفطر بأن لكل عيد وظيفة، فوظيفة الفطر إخراج الزكاة ووقتها قبل الصلاة، ووظيفة الأضحى التضحية ووقتها بعد الصلاة(25).
خامساً: لا نداء لصلاة العيد:
أ - روى ابن عباس وجابـر ـ رضي اللـه عنهـما ـ قالا: (لم يكـن يـؤذن يـوم الفطـر ولا يـوم الأضحى)(26).
ب - وروى جابـر بن سمـرة قال: (صليـت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العيدين غير مـرة ولا مرتـين بغـير أذان ولا إقامـة)(27).
قال مالك: وتلك هي السّنة التي لا اختلاف فيها عندنا(28)، ونقل الإجماع عليه ابن قدامة(29)، ولم يكن يُنادى لها بالصلاة جامعة أو غير ذلك، بل كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ إذا انتهى إلى المصلى صلى(30).
ورجّح ابن عبد البر أن أول من فعل الأذان للعيدين معاوية -رضي الله عنه- (31).
سادساً: تقديم الصلاة على الخطبة:
نقل الإجماع على ذلك ابن قدامة(32)، وقال ابن المنذر: (فقد ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه بدأ بالصلاة قبل الخطبة في يوم العيد، وكذلك فعل الخلفاء الراشدون المهديون، وعليه عوام علماء أهل الأمصار)(33).
وأول مــــن قــدم الخطبة على الصلاة قيل عثمان(34)، وقيل ابن الزبير(35) ـ رضي الله عنهما ـ، قال ابن قدامة: ولم يصح عنهما(36)، وقيل: معاوية -رضي الله عنه- (37).
ولو ثبت ذلك عــن أي منهم فهو اجتهاد منهم ـ رضي الله عنهم ـ لا يقابل النص الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: (شهدت مع رسول الله -صلى الله عـلـيـه وسلم- وأبي بـكـــر وعمر وعثمان ـ رضي الله عنهم ـ فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة)(38).
سابعاً: التكبير في الصلاة:
قال شيخ الإسلام: واتفقت الأمة على أن صلاة العيد مخصوصة بتكبير زائد(39).
1- عدد التكبيرات: يُكبّر في الأولى سبعاً دون تكبيرة الركوع، وفي الثانية خمساً دون تكبيرة النهوض. وهذا مذهب الفقهاء السبعة(40).
وجاء فيه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كبر ثنتي عشرة تكبيرة: سبعاً في الأولى، وخمساً في الأخرى)(41). وورد عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ اختلاف في عدد التكبيرات، ولذلك وسع فيه الإمام أحمد(42).
2- يكبر المأموم تبعاً للإمام. قاله شيخ الإسلام(43).
3- يرفـــع يديه مع كل تكبيرة، وفيه حديث وائل بن حجر أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يرفـــــع يديه مع التكبير(44)، فهذا عام في العيد وغيره. وورد في تكبيرات الجنازة والعيد مثلها عن ابن عمر مرفوعاً وموقوفـاً(45). وذكر الحافـظ ثبـوت رفـع اليدين عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ(46)، وهو قول عطاء والأوزاعي والشافعي وأحمد(47).
4- الذكر بين التكبيرات: لم يرد فيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء، وإنما قال عقبة بن عامـــر: سألت ابن مسعود عما يقوله بعد تكبيرات العيد قال: (يحمد الله ويثني عليه، ويصلي على النبي)(48). قال البيهقي ـ رحمه الله تعالى ـ: (فتتابعه في الوقوف بين كل تكبيرتين للذكر إذا لم يرد خلافه عن غيره)(10).
وقال شيخ الإسلام: يحمد الله بين التكبيرات ويثني عليه ويدعو بما شاء(11).
5- حكم التكـبـيـرات الـــزوائد: قال ابن قدامة: (سنة وليس بواجب، ولا تبطل الصلاة بتركه عمداً ولا سهواً، ولا أعلم فيه خلافاً)(12).
لكن إن تركه عمداً، فقد تعمد ترك سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وفاته خيرها.
6- إذا دخل المأموم مع الإمـــــام وقد فاته بعض التكبيرات الزوائد فإنه يكبر مع الإمام ويمضي مع الإمام، ويسقط عنه ما فاته من التكبيرات(49).
ثامناً: القراءة في صلاة العيد:
السنة أن يقرأ في صلاة العيد:
أ - في الركعة الأولى بسورة (ق) وفـي الـثـانية بسورة (القمر)؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ بهما في العيدين كما في حديث أبي واقد الليثي(50).
ب - أو في الركعة الأولى بسورة (الأعلى) وفي الثانية بسورة (الغاشية) لحديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ بهما في العيد.
ج - إذا اجتمع عيد وجمعة في يوم واحـــــد فلا مانع أن يقرأ بهما في العيد وفي الجمعة لأنهما سنة في كلا الصلاتين؛ ولما جاء في حـديــــث النعمان السابق: (وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما في الصلاتين)(51).
والله من وراء القصد...
أخوكم/احمد البشيري
تعليق