مولد قيس ونشأته
قال أبو الفرج الأصفهاني صاحب كتاب (الأغاني) هو فيما ذكر الكلبي والقحذمي وغيرهما قيس بن ذريح بن سنة بن حذاقة بن طريف بن عتوارة بن عامر ابن ليث بن بكر بن عبد مناة ، وهو علي بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار
أما أمه فقد ذكر القحذمي أنها بنت سُنَّة بن الذاهل بن عامر الخزعي وكان له خال شاعر يقال له عمرو بن سُنَّة وفيه يقول قيس معاتباً إياه لكونه قد كان ممسكاً يده عنه وذلك بعد حصوله على الثروة و المال اللذين حصل عليهما بعد أن مر في حياته بفترة طويلة متسمة بالبؤس و الإملاق :
أنبئت أن لخالي هجمة حبساً --- كأنهنَّ بجنبِ المشعر النصلُ
قد كنت فيما مضى قدماً تجاورنا --- لا ناقةٌ لك ترعاها ولا جملُ
ما ضر خالي عمراً لو تقسمها --- بعض الحياض وجم البئرُ محتفلُ
وقد كان قيس بن ذريح رضيع الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما أرضعته أم قيس
ولم يذكر أبو الفرج الأصفهاني خبراً واحداً متعلقاً بحياة شاعرنا أثناء طفولته أو شبابه وجل ما رواه من أخبار عنه متعلقة بالفترة التي مر بها أثناء اقترانه بلبناه وبعيد طلاقه لها
وقد أغفل أبو الفرج تاريخ ولادة شاعرنا الكبير هذا الذي تقاسم ومجنون ليلى إمارة الشعر الغزلي العف الرقيق وذلك ليس في عصرهما فقط بل وفي سائر العصور حتى عصرنا الحاضر إذا إنهما يعتبران في أدبنا العربي من الشعراء العشاق الموحدين في الحب المقتصرين في أشعارهما عل التغزل غزلاً عفاً رقيقا بمحبوبة واحدة فقط.
وقد ظل قيس حسبما زعم أكثر الرواة يقضي نهاره باكياً ناشجاً منتحباً متمرغاً في التراب وليس له من مهنة يقوم بها في حياته سوى مهنة البكاء و النشيج والتمرغ في التراب وقد ظل مقيما على ذلك الحال عدة سنوات إلى أن مرضت لبنى مرض الموت فماتت فمات قيس بعدها بأيام قليلة من شدة موجدته بها وحزنه عليها . وحددت وفاته بسنة 69هـ .
عفا سرف من أهله فسرواع=فجنبا اريك فالتلاع الدوافع
فَغَيْقَةُ فالأَخيَافُ ظَبيةٍ= بِهَا مِنْ لُبَيْنَى مَخْرَفٌ وَمَرابعُ
لَعَلَ لُبَيْنَى اليومَ حُمَّ لِقاؤُهَا=بِبَعْضِ البِلاَدِ إِنَّ مَا حُمَّ وَاقِعُ
بِجِزعٍ مِن الوادي قليلٌ أَنيسهُ=خلاءٌ تخطَّته العيونُ الخوادعُ
وَلَمَّا بَدَا مِنْهَا الفِرَاقُ كَمَا بَدَا=بِظَهْرِ الصَّفَا الصَّلْدِ الشُقُوقُ الصَّوادعُ
تَمَنَّيْتَ أَنْ تَلْقَى لُبَيْنَاكَ والمُنَى=تُعاصيكَ أَحْيَاناً وَحيناً تطاوعُ
فَلَيْسَ مُحِبٌّ دائماً لحبيبه=ولا ثِقَةٌ إلاَّ لَهُ الدَّهْرُ فاجعُ
و طارَ غرابُ البَيْنِِ و انشقَّتِ العصا=بِبَيْنٍ كما شَقَّ الأَديمَ الصَّوالِعُ
أَلاَ يا غُرابَ البَيْنِِ قَد طِرْتَ بالذي=أُحاذِر مِنْ لُبْنى فما أَنْتَ صانِعُ
و إِنَّكَ لَو أبْلَغْتَها قِيْلِيَ : اسْلَمِي=طَوَتْ حَزَناً وارْفَضَّ مِنْها المدَامِعُ
تُبَكِّي على لُبْنى و أَنْتَ تَرَكْتَها=و كُنْتَ كَآتٍ حتفهُ وَهْوَ طَائِعُ
فَلاَ تَبْكِيَن فيْ إِثْرِ لُبْنى نَدامَةٌ=و قَدْ نَزَعْتُها مِن يَدَيْك النّواِزِعُ
فَلَيْسَ لاَْمْرٍ حَاوَلَ اللّهُ جَمْعَهُ=مُشِتُّ وَلاَ ما فَرَّقَ اللّه جَامِعُ
طمعتَ بليلَى أَنْ تَرِيعَ وإِنَّمَا=تُقَطِّعُ أعناقَ الرِّجالِ المطامعُ
كأنَّكَ لَمْ تَقْنَعْ إذا لَمْ تُلاقِهَا=وإن تلقهَا فالقلبُ راضٍ وقانعُ
فيا قلبُ خبِّرنِي إذا شطَّتِ النَّوَى=بِلُبْنَى وبَانَتْ عَنْكَ ما أنتَ صانعُ
أتَصبِرُ للبَينِ المُشِتِّ مَعَ الجَوَى=أمَ أنْتَ امْرُؤٌ ناسِي الحَيَاءِ فَجَازعُ
فَمَا أنَا إنْ بانتْ لُبَيْنَى بِهاجعٍ=إذا ما استقلَّت بِالنِّيَام المضاجعُ
وكيفَ ينامُ المرءُ مُستشعِرَ الجوى=ضجيعَ الأسَى فيهِ نكاسٌ روادعُ
فلا خيرَ في الدُّنيا إذا لم تُواتنا=لُبَيْنَى ولَمْ يجمعْ لنَا الشَّملَ جامعُ
أليستْ لُبَيْنَى تحتْ سقفٍ يُكنُّها=وإيَّاي ؟ هذا إنْ نأتْ لي نافعُ
ويلبسُنَا اللَّيْلُ البهيمُ إذا دجا=ونبصر ضوءَ الصُّبحِ والفجرُ ساطِعُ
تطا تحتَ رجليهَا بساطاً وبعضهُ=أطاهُ برجلي ليسَ يطويهِ مانعُ
وأفرحُ إن تُمسِي بخيرٍ وإنْ يكُنْ=بِهَا الحدثُ العادي ترُعنِي الرَّوائعُ
كأنَّكَ بدعُ لَمْ تَرَ النَّاسَ قبلهَا=ولَمْ يطلَعكَ الدَّهرُ فِيمَنْ يُطَالِعُ
فَقَدْ كُنْتُ أَبكِي والنَّوَى مُطمئِنَّةٌ=بِنَا وبِكُمْ مِنْ عِلْمِ مَا البَيْنُ صانِعُ
وأهجركُمْ هَجْرَ البغيضِ وحُبُّكُمْ=على كبدِي منهُ كُلُومٌ صوادعُ
وأُشفق مِنْ هجرانكم وترُوعني=مخافة وشكّ البينِ والشملُ جامعُ
وأعمِدُ للأرضِ التي من ورائِكُمُ=لِيُرجِعَنِي يَوْماً عليكِ الرواجعُ
فَيَا قلبُ صبراً واعتِرافاً لِمَا تَرَى=وَيَا حُبَّهَا قَعْ بالذي أنتَ واقعُ
لعمريَ مَنْ أمْسَى وأنتِ ضجيعُهُ=مِنَ الناسِ ما اختيرتْ عليهِ المضاجعُ
أَلاَ تِلكَ لُبْنَى قَدْ تراخَى مزارُهَا=ولِلْبَيْنِ غَمٌّ مَا يزالُ ينازعُ
إذا لَمْ يكُنْ إلاَّ الجَوَى فكَفَى بِهِ=جوى حُرَقٍ قَدْ ضُمِّنَتْهَا الأضَالِعُ
أبائنةٌ لُبْنَى وَلَمْ تقطعِ المَدَى=بوصلٍ ولا صُرمٍ فييأسَ طامعُ
يظلُّ نهارُ الوالهينَ نهارهُ=وتهدِنُهُ في النائمينَ المضاجعُ
وقد كنت قبل اليوم خلواً وإنّما=تَقَسَّمُ بين الهالكينَ المصارعُ
ولولاَ رجاءُ القلبِ أن تسعفَ النَّوى=لما حبستهَّ بينهنَّ الأضالعُ
لَهُ وَجَبَاتٌ إثر لُبْنَى كأنها=شَقائقُ بَرْقٍ في السَّحَابِ لَوامِعُ
نَهَارِي نَهارُ النَّاسِ حتى إذا بدا=لِيَ اللَّيلُ هَزَّتني إليكِ المضاجعُ
أُقَضِّي نهاري بالحديثِ وَبالمُنَى=وَيجمعُني باللَّيلِ و الهَمَّ جامِعُ
لقد ثبتت في القَلبِ مِنْكُمْ مَوَدَّةٌ=كما ثبتت في الرَّحَتينِ الأصابعُ
أبى الله أن يلقى الرشاد متيمٌ=ألا كل أمرٍ حُمَّ لا بد واقِعُ
هُما بَرَّحَا بي مُعْوِلَيْنِ كِلاهُما=فُؤَادٌ وَعَينٌ مأقُها الدَهر دامِعُ
إذا نحن أَنفَذنا البُكاءَ عَشِيَّةً=فَمَوْعِدُونا قَرنٌ مِنَ الشَّمسِ طالِع
وَ لِلحُبِّ آياتٌ تَبَيَّنُ بالفَتَى=شُحُوبٌ وَتَعرَى مِن يَدَيهِ الأشَاجعُ
فما كُلُّ ما مَنَّتك نفسُكَ خالياً=تُلاقي ولا كُلُّ الهوى أنتَ تابعُ
تَدَاعَت لهُ الأحزانُ مِن كُلَّ وُجهةٍ=فَحَنَّ كما حَنَّ الظُّؤَارُ السَّوَاجعُ
وَجَانب قُرب النَّاسِ يَخلُو بِهَمِّهِ=وّعَاوَدَهُ فيها هُيَامٌ مُراجعُ
أركَ اجتنبتَ الحيَّ مِن غَيرِ بِغضَةٍ=وَلَوْ شِئتَ لَمْ تَجنحْ إليكَ الأصابعُ
كأنَّ بِلادَ اللهِ ما لَم تَكُن بِها=وإن كانَ فيها الخَلقُ - قَفرٌ بلاقِع
ألا إنما أبكي لِما هُوَ واقِعٌ=وَهَل جَزَعٌ مِن وَشكِ بَينِكَ نافِعُ
قال أبو الفرج الأصفهاني صاحب كتاب (الأغاني) هو فيما ذكر الكلبي والقحذمي وغيرهما قيس بن ذريح بن سنة بن حذاقة بن طريف بن عتوارة بن عامر ابن ليث بن بكر بن عبد مناة ، وهو علي بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار
أما أمه فقد ذكر القحذمي أنها بنت سُنَّة بن الذاهل بن عامر الخزعي وكان له خال شاعر يقال له عمرو بن سُنَّة وفيه يقول قيس معاتباً إياه لكونه قد كان ممسكاً يده عنه وذلك بعد حصوله على الثروة و المال اللذين حصل عليهما بعد أن مر في حياته بفترة طويلة متسمة بالبؤس و الإملاق :
أنبئت أن لخالي هجمة حبساً --- كأنهنَّ بجنبِ المشعر النصلُ
قد كنت فيما مضى قدماً تجاورنا --- لا ناقةٌ لك ترعاها ولا جملُ
ما ضر خالي عمراً لو تقسمها --- بعض الحياض وجم البئرُ محتفلُ
وقد كان قيس بن ذريح رضيع الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما أرضعته أم قيس
ولم يذكر أبو الفرج الأصفهاني خبراً واحداً متعلقاً بحياة شاعرنا أثناء طفولته أو شبابه وجل ما رواه من أخبار عنه متعلقة بالفترة التي مر بها أثناء اقترانه بلبناه وبعيد طلاقه لها
وقد أغفل أبو الفرج تاريخ ولادة شاعرنا الكبير هذا الذي تقاسم ومجنون ليلى إمارة الشعر الغزلي العف الرقيق وذلك ليس في عصرهما فقط بل وفي سائر العصور حتى عصرنا الحاضر إذا إنهما يعتبران في أدبنا العربي من الشعراء العشاق الموحدين في الحب المقتصرين في أشعارهما عل التغزل غزلاً عفاً رقيقا بمحبوبة واحدة فقط.
وقد ظل قيس حسبما زعم أكثر الرواة يقضي نهاره باكياً ناشجاً منتحباً متمرغاً في التراب وليس له من مهنة يقوم بها في حياته سوى مهنة البكاء و النشيج والتمرغ في التراب وقد ظل مقيما على ذلك الحال عدة سنوات إلى أن مرضت لبنى مرض الموت فماتت فمات قيس بعدها بأيام قليلة من شدة موجدته بها وحزنه عليها . وحددت وفاته بسنة 69هـ .
عفا سرف من أهله فسرواع=فجنبا اريك فالتلاع الدوافع
فَغَيْقَةُ فالأَخيَافُ ظَبيةٍ= بِهَا مِنْ لُبَيْنَى مَخْرَفٌ وَمَرابعُ
لَعَلَ لُبَيْنَى اليومَ حُمَّ لِقاؤُهَا=بِبَعْضِ البِلاَدِ إِنَّ مَا حُمَّ وَاقِعُ
بِجِزعٍ مِن الوادي قليلٌ أَنيسهُ=خلاءٌ تخطَّته العيونُ الخوادعُ
وَلَمَّا بَدَا مِنْهَا الفِرَاقُ كَمَا بَدَا=بِظَهْرِ الصَّفَا الصَّلْدِ الشُقُوقُ الصَّوادعُ
تَمَنَّيْتَ أَنْ تَلْقَى لُبَيْنَاكَ والمُنَى=تُعاصيكَ أَحْيَاناً وَحيناً تطاوعُ
فَلَيْسَ مُحِبٌّ دائماً لحبيبه=ولا ثِقَةٌ إلاَّ لَهُ الدَّهْرُ فاجعُ
و طارَ غرابُ البَيْنِِ و انشقَّتِ العصا=بِبَيْنٍ كما شَقَّ الأَديمَ الصَّوالِعُ
أَلاَ يا غُرابَ البَيْنِِ قَد طِرْتَ بالذي=أُحاذِر مِنْ لُبْنى فما أَنْتَ صانِعُ
و إِنَّكَ لَو أبْلَغْتَها قِيْلِيَ : اسْلَمِي=طَوَتْ حَزَناً وارْفَضَّ مِنْها المدَامِعُ
تُبَكِّي على لُبْنى و أَنْتَ تَرَكْتَها=و كُنْتَ كَآتٍ حتفهُ وَهْوَ طَائِعُ
فَلاَ تَبْكِيَن فيْ إِثْرِ لُبْنى نَدامَةٌ=و قَدْ نَزَعْتُها مِن يَدَيْك النّواِزِعُ
فَلَيْسَ لاَْمْرٍ حَاوَلَ اللّهُ جَمْعَهُ=مُشِتُّ وَلاَ ما فَرَّقَ اللّه جَامِعُ
طمعتَ بليلَى أَنْ تَرِيعَ وإِنَّمَا=تُقَطِّعُ أعناقَ الرِّجالِ المطامعُ
كأنَّكَ لَمْ تَقْنَعْ إذا لَمْ تُلاقِهَا=وإن تلقهَا فالقلبُ راضٍ وقانعُ
فيا قلبُ خبِّرنِي إذا شطَّتِ النَّوَى=بِلُبْنَى وبَانَتْ عَنْكَ ما أنتَ صانعُ
أتَصبِرُ للبَينِ المُشِتِّ مَعَ الجَوَى=أمَ أنْتَ امْرُؤٌ ناسِي الحَيَاءِ فَجَازعُ
فَمَا أنَا إنْ بانتْ لُبَيْنَى بِهاجعٍ=إذا ما استقلَّت بِالنِّيَام المضاجعُ
وكيفَ ينامُ المرءُ مُستشعِرَ الجوى=ضجيعَ الأسَى فيهِ نكاسٌ روادعُ
فلا خيرَ في الدُّنيا إذا لم تُواتنا=لُبَيْنَى ولَمْ يجمعْ لنَا الشَّملَ جامعُ
أليستْ لُبَيْنَى تحتْ سقفٍ يُكنُّها=وإيَّاي ؟ هذا إنْ نأتْ لي نافعُ
ويلبسُنَا اللَّيْلُ البهيمُ إذا دجا=ونبصر ضوءَ الصُّبحِ والفجرُ ساطِعُ
تطا تحتَ رجليهَا بساطاً وبعضهُ=أطاهُ برجلي ليسَ يطويهِ مانعُ
وأفرحُ إن تُمسِي بخيرٍ وإنْ يكُنْ=بِهَا الحدثُ العادي ترُعنِي الرَّوائعُ
كأنَّكَ بدعُ لَمْ تَرَ النَّاسَ قبلهَا=ولَمْ يطلَعكَ الدَّهرُ فِيمَنْ يُطَالِعُ
فَقَدْ كُنْتُ أَبكِي والنَّوَى مُطمئِنَّةٌ=بِنَا وبِكُمْ مِنْ عِلْمِ مَا البَيْنُ صانِعُ
وأهجركُمْ هَجْرَ البغيضِ وحُبُّكُمْ=على كبدِي منهُ كُلُومٌ صوادعُ
وأُشفق مِنْ هجرانكم وترُوعني=مخافة وشكّ البينِ والشملُ جامعُ
وأعمِدُ للأرضِ التي من ورائِكُمُ=لِيُرجِعَنِي يَوْماً عليكِ الرواجعُ
فَيَا قلبُ صبراً واعتِرافاً لِمَا تَرَى=وَيَا حُبَّهَا قَعْ بالذي أنتَ واقعُ
لعمريَ مَنْ أمْسَى وأنتِ ضجيعُهُ=مِنَ الناسِ ما اختيرتْ عليهِ المضاجعُ
أَلاَ تِلكَ لُبْنَى قَدْ تراخَى مزارُهَا=ولِلْبَيْنِ غَمٌّ مَا يزالُ ينازعُ
إذا لَمْ يكُنْ إلاَّ الجَوَى فكَفَى بِهِ=جوى حُرَقٍ قَدْ ضُمِّنَتْهَا الأضَالِعُ
أبائنةٌ لُبْنَى وَلَمْ تقطعِ المَدَى=بوصلٍ ولا صُرمٍ فييأسَ طامعُ
يظلُّ نهارُ الوالهينَ نهارهُ=وتهدِنُهُ في النائمينَ المضاجعُ
وقد كنت قبل اليوم خلواً وإنّما=تَقَسَّمُ بين الهالكينَ المصارعُ
ولولاَ رجاءُ القلبِ أن تسعفَ النَّوى=لما حبستهَّ بينهنَّ الأضالعُ
لَهُ وَجَبَاتٌ إثر لُبْنَى كأنها=شَقائقُ بَرْقٍ في السَّحَابِ لَوامِعُ
نَهَارِي نَهارُ النَّاسِ حتى إذا بدا=لِيَ اللَّيلُ هَزَّتني إليكِ المضاجعُ
أُقَضِّي نهاري بالحديثِ وَبالمُنَى=وَيجمعُني باللَّيلِ و الهَمَّ جامِعُ
لقد ثبتت في القَلبِ مِنْكُمْ مَوَدَّةٌ=كما ثبتت في الرَّحَتينِ الأصابعُ
أبى الله أن يلقى الرشاد متيمٌ=ألا كل أمرٍ حُمَّ لا بد واقِعُ
هُما بَرَّحَا بي مُعْوِلَيْنِ كِلاهُما=فُؤَادٌ وَعَينٌ مأقُها الدَهر دامِعُ
إذا نحن أَنفَذنا البُكاءَ عَشِيَّةً=فَمَوْعِدُونا قَرنٌ مِنَ الشَّمسِ طالِع
وَ لِلحُبِّ آياتٌ تَبَيَّنُ بالفَتَى=شُحُوبٌ وَتَعرَى مِن يَدَيهِ الأشَاجعُ
فما كُلُّ ما مَنَّتك نفسُكَ خالياً=تُلاقي ولا كُلُّ الهوى أنتَ تابعُ
تَدَاعَت لهُ الأحزانُ مِن كُلَّ وُجهةٍ=فَحَنَّ كما حَنَّ الظُّؤَارُ السَّوَاجعُ
وَجَانب قُرب النَّاسِ يَخلُو بِهَمِّهِ=وّعَاوَدَهُ فيها هُيَامٌ مُراجعُ
أركَ اجتنبتَ الحيَّ مِن غَيرِ بِغضَةٍ=وَلَوْ شِئتَ لَمْ تَجنحْ إليكَ الأصابعُ
كأنَّ بِلادَ اللهِ ما لَم تَكُن بِها=وإن كانَ فيها الخَلقُ - قَفرٌ بلاقِع
ألا إنما أبكي لِما هُوَ واقِعٌ=وَهَل جَزَعٌ مِن وَشكِ بَينِكَ نافِعُ
تعليق