اللغز والرمز في شعر الجنوب
الرمز هو اسلوب اتبعه شعراء قبائل الجنوب وبالأخص قبائل غامد وزهران وبني مالك ، ويزداد هذا الرمز غموضا عند قبائل بني مالك بالذات ، وأكون في اشد الحرص والأنتباه عندما يكون جليسي هو صديق مالكي.
ويعرف هذا الأسلوب بالدفن عند اهل المنطقة وهو ابلغ وأقوى ، فالدفن غير التعليب او التغليف الذي نسمعه الآن ، فاذا كان الشيء مدفونا في الأرض فانه من الصعوبة رؤيته على عكس ما اذا كان معلبا او مغلفا ، حيث يدرك الناس ان هناك شيئا داخل الغلاف او العلبة ، اما اذا دفن تحت الأرض فاننا لا نكتشفه الا ان بعد ان نطأ عليه وقد لانسلم من اذاه .
ففي شعر الغزل لم نرَ او نسمع يوما من الأيام شاعرا يبدأ قصيدته ببثينة او عبلة او عزة او خولة . بل نراهم يستعيضون عن ذلك بالصيد على مختلف انواعه مثل الغزال والظبي والريم ، والنباتات ذات الرائحة الزكية مثل النفل والريحان والبرك والكادي وغيرها ، وكذلك النجوم مثل الثريا وسهيل اليماني وما الى ذلك .وقد ساعدتهم تلك الرمزية على الأحتفاظ بخصوصية محبوبهم وحفظ ماء وجوههم . وبقي حياء المجتمع مصاناً وغير مخدوش .
هذا بالنسبة لشعر الغزل اما في بقية الألوان الأخرى مثل المدح والقدح والفخر فقد يختلف الأمر قليلاً . فالنسبة للمدح يكون التصريح والتشبيه المبالغ فيه هو الأكثر والغالب على هذا النوع ويبلغ الأمر ذروته عنما يكون الشاعر مفتخرا بنفسه وقبيلته ، اما في القدح والذم فان الرمز يعود الى اشده وتستعمل الأستعارة بكثرة وتكون الكناية فيها غالبة على التصريح. وقد يغلب اسلوب تأكيد الذم بما يشبه المدح في مثل هذه المسائل ،فقد تسمع من يشبه غريمه بالأسد ، ليس لشجاعته ولا لقوته ولكن لسمعته الفائحة رائحتها والتي لاتبتعد كثيرا عن رائحة فم الأسد من حيث كره الناس لها ،وهلمجرا.. .
وقد حضرني قصيدة لشاعر لايكاد يكون معروفا الا في محيط ضيق على مافي كلامه من الحكمة والرقي ، فقد كان الناس يجرّون على بعضهم في الزواجات وما شابهها ، وفي هذه المناسبة جرّتْ قبيلة اخرى على قبيلة الشاعر (جرّت : هذه كلمة صحيحية فصيحة ،حيث يعبر بها عن كثرة الناس مثل الجيوش الجرارة ، وذلك لأن الذي يرى هذه الجموع وهي متحركه يرى كأنها تجر بعضها بعضا من كثرة رجالها وعتادها ) ، اقول جرّت قبيلة اخرى على قبيلة الشاعر بمناسبة زواج وقد كان ذلك قبل حوالي 40 عاما ، وفي الليل أقيمت الملعبة ،اي اللعب ، في بيت من البيوت حيث لم يكن آنذاك خيام تستأجر ولا قصور افراح تحجز ، ولم يكن للناس الا بعضهم البعض ، فيفزعون ويعيرون ، ولا يعتذرون ولا يتغيبون ، حتى يتجملون .
كان شاعر من شعراء قبيلة الضيوف يبدي من التصرفات مالا يناسب ، فاراد شاعر القبيلة المضيّفة ايقافه عند حده ، فبادره بقصيدة هجا فيها نفسه بأسلوب يعتقد الأنسان البسيط انه فعلا يقصد نفسه ، الا انها كانت موجهة الى الشاعر الضيف ، وقد نالت استحسان الجميع بما فيهم الضيوف الذين لم يكن اكثرهم مقرّاً لمايصدر عن شاعرهم الذي لم يكن في نظرهم كما ينبغي !.واليكم هذه القصيدة :
بيت ايلْ مرضي يشابه فَرَعةْ خبتْ نعمان
فالاّ فبيتي بعهدْ الجد كما عشَّةْ الطير
والله لو ياجي ابن سعود مايروح الدم
لوكان يقطع يميني ماتخطرى عتابه .
هل اتضح اللغز الذي رمز له الشاعر بنفسه ، فبعد ان امتدح البيت الذي اقيمت فيه الملعبة، قام بعمل المقارنة مع بيته ووصف نفسه بانه بخيل ولا يمكن ان تفوح رائحة الدم في بيته لأحد حتى ولو كان ذلك الضيف هو بن سعود ؟؟.
__________________
الرمز هو اسلوب اتبعه شعراء قبائل الجنوب وبالأخص قبائل غامد وزهران وبني مالك ، ويزداد هذا الرمز غموضا عند قبائل بني مالك بالذات ، وأكون في اشد الحرص والأنتباه عندما يكون جليسي هو صديق مالكي.
ويعرف هذا الأسلوب بالدفن عند اهل المنطقة وهو ابلغ وأقوى ، فالدفن غير التعليب او التغليف الذي نسمعه الآن ، فاذا كان الشيء مدفونا في الأرض فانه من الصعوبة رؤيته على عكس ما اذا كان معلبا او مغلفا ، حيث يدرك الناس ان هناك شيئا داخل الغلاف او العلبة ، اما اذا دفن تحت الأرض فاننا لا نكتشفه الا ان بعد ان نطأ عليه وقد لانسلم من اذاه .
ففي شعر الغزل لم نرَ او نسمع يوما من الأيام شاعرا يبدأ قصيدته ببثينة او عبلة او عزة او خولة . بل نراهم يستعيضون عن ذلك بالصيد على مختلف انواعه مثل الغزال والظبي والريم ، والنباتات ذات الرائحة الزكية مثل النفل والريحان والبرك والكادي وغيرها ، وكذلك النجوم مثل الثريا وسهيل اليماني وما الى ذلك .وقد ساعدتهم تلك الرمزية على الأحتفاظ بخصوصية محبوبهم وحفظ ماء وجوههم . وبقي حياء المجتمع مصاناً وغير مخدوش .
هذا بالنسبة لشعر الغزل اما في بقية الألوان الأخرى مثل المدح والقدح والفخر فقد يختلف الأمر قليلاً . فالنسبة للمدح يكون التصريح والتشبيه المبالغ فيه هو الأكثر والغالب على هذا النوع ويبلغ الأمر ذروته عنما يكون الشاعر مفتخرا بنفسه وقبيلته ، اما في القدح والذم فان الرمز يعود الى اشده وتستعمل الأستعارة بكثرة وتكون الكناية فيها غالبة على التصريح. وقد يغلب اسلوب تأكيد الذم بما يشبه المدح في مثل هذه المسائل ،فقد تسمع من يشبه غريمه بالأسد ، ليس لشجاعته ولا لقوته ولكن لسمعته الفائحة رائحتها والتي لاتبتعد كثيرا عن رائحة فم الأسد من حيث كره الناس لها ،وهلمجرا.. .
وقد حضرني قصيدة لشاعر لايكاد يكون معروفا الا في محيط ضيق على مافي كلامه من الحكمة والرقي ، فقد كان الناس يجرّون على بعضهم في الزواجات وما شابهها ، وفي هذه المناسبة جرّتْ قبيلة اخرى على قبيلة الشاعر (جرّت : هذه كلمة صحيحية فصيحة ،حيث يعبر بها عن كثرة الناس مثل الجيوش الجرارة ، وذلك لأن الذي يرى هذه الجموع وهي متحركه يرى كأنها تجر بعضها بعضا من كثرة رجالها وعتادها ) ، اقول جرّت قبيلة اخرى على قبيلة الشاعر بمناسبة زواج وقد كان ذلك قبل حوالي 40 عاما ، وفي الليل أقيمت الملعبة ،اي اللعب ، في بيت من البيوت حيث لم يكن آنذاك خيام تستأجر ولا قصور افراح تحجز ، ولم يكن للناس الا بعضهم البعض ، فيفزعون ويعيرون ، ولا يعتذرون ولا يتغيبون ، حتى يتجملون .
كان شاعر من شعراء قبيلة الضيوف يبدي من التصرفات مالا يناسب ، فاراد شاعر القبيلة المضيّفة ايقافه عند حده ، فبادره بقصيدة هجا فيها نفسه بأسلوب يعتقد الأنسان البسيط انه فعلا يقصد نفسه ، الا انها كانت موجهة الى الشاعر الضيف ، وقد نالت استحسان الجميع بما فيهم الضيوف الذين لم يكن اكثرهم مقرّاً لمايصدر عن شاعرهم الذي لم يكن في نظرهم كما ينبغي !.واليكم هذه القصيدة :
بيت ايلْ مرضي يشابه فَرَعةْ خبتْ نعمان
فالاّ فبيتي بعهدْ الجد كما عشَّةْ الطير
والله لو ياجي ابن سعود مايروح الدم
لوكان يقطع يميني ماتخطرى عتابه .
هل اتضح اللغز الذي رمز له الشاعر بنفسه ، فبعد ان امتدح البيت الذي اقيمت فيه الملعبة، قام بعمل المقارنة مع بيته ووصف نفسه بانه بخيل ولا يمكن ان تفوح رائحة الدم في بيته لأحد حتى ولو كان ذلك الضيف هو بن سعود ؟؟.
__________________
تعليق