هل تخيَّلتَ نفسك خليفة أو ملكاً? هل حَلَمْتَ يوماً أن تكون رئيساً أو حاكماً؟ أتستطيع أن تفكر من دون أن تبتسم أو تضحك؟!. هذا ما حصل لأحد الناس في زمن الخليفة (هارون الرشيد)…
ففي ذلك اليوم البعيد، كان رجل من عامة الناس، يجلس على دكّة حجر في الطريق إلى السوق، تبدو عليه الخيبة والخسران، ويعصر الألم والغضب المكبوت ملامح وجهه، لا ينظر إلى الطريق، ولا يرى الناس الماشين.. كان يتأوه ويفرك كفّيه، ويدمدم بينه وبين نفسه بكلمات.. كان يقول: آه لو كنت الخليفة لعرفت كيف أصنع مع كبير التجار والتجار!. لو صرت أنا الخليفة ولو ليوم واحد!!
آه آه.. إذن لأرسلت بطلب (التاجر الأصفهاني) وأوقفته أمامي، وأنظر ماذا سيصنع حين يعرف أن الرجل الذي عمل معه كل تلك الأعمال الدنيئة هو نفسه الخليفة الذي يقف هو الآن صغيراً أمامه! أَصَعْبٌ يا إلهي أن أكون الخليفة ليوم أو بضعة أيام؟! يا ربّ.. ليوم أو نصف يوم!!)
وصادف أن الخليفة هارون الرشيد كان ماراً من المكان نفسه، يصحبه وزيره جعفر البرمكي، ومساعده مسرور، وسمعوا ما كان يهمس به الرجل لنفسه، فنظر بعضهم إلى بعضهم الآخر، وكادوا ينفجرون ضاحكين، لولا أن الخليفة رفع يده وقال مبتسماً:
- والله إنها لفكرة.. أن أحقق له حلمه فأنظر ماذا هو صانع بنفسه!! ما أيسر أن يفتح عينيه صباحاً فيجد نفسه وقد صار الخليفة، وأنظر أنا وأسمع من وراء ستار.. يا له من عمل طريف لم يكن ليأتي لأحد على بال!!.
استدعى الخليفة رجالاً حاوروا الرجل وداوروه، ووضعوا له مخدِّراً في شراب سَقَوْه منه، ثم حملوه وهو مخدَّر تماماً إلى قصر الخلافة، حتى إذا كان الصّباح، تنبّه الرجل وهو يشعر بشيء غريب حوله، تلفّت ينظر، فرأى وسادة وفراشاً غريباً، انتفض جالساً في سريره، فإذا هو نائم في سرير عجيب يشبه سرير ملك أو خليفة، وتدور عيناه رهبة واستغراباً وعجباً وحيرة، يفتح فمه ويغلقه من دون أن يتكلم أو يقول شيئاً، بل لا يجرؤ أن يفكر مجرَّد تفكير بهذا. لكنّه لما تذكَّر ما همس به أمس لنفسه، ضرب براحة يده على جبهته، وصاح:
- يا إلهي.. ليس هذا معقولاً، لا أصدق أن ما تخيَّلْتُه وحَلَمْتُ به صار حقيقة، لا بد أنني في فراشي الحقير وأحلم. ثم.. متى غسّلوني وألبسوني هذه الثياب؟!!.
وقرص نفسه وضرب خدَّه، وقفز إلى الأرض وشدّ شعره.. لكن.. عجيب!! إنه يقظ وفي كامل وعيه..
- نعم.. أنا أمير المؤمنين.. أنا الخليفة.. هذه هي الحال وعليّ أن أصدّق.. نعم سأصدّق.. أصدّق.. أنا الخليفة… أنا ريحان بن سليم البياع أصبحت خليفة، نظيفاً، معطراً، لابساً أزهى الثياب!.
نظر إلى مائدة بقربه، ورآها عامرة بألوان الطعام والشراب، فصرخ:
- كيف أكون الخليفة وأنا لا أعرف كيف آكل هذا الطعام، الذي لا أعرف اسمه!!.
كان الخليفة ممتلئاً سروراً ومتعة، فلقد صدَّق الرجلُ أنه الخليفة فعلاً، خصوصاً حين جاءه كبير الحُجّاب، ودعاه إلى مجلسه المعتاد كلَّ يوم، والذي ينظر فيه بأمور الناس، والخليفة يقول لوزيره:
- لننظر ما هو صانع مع الناس!.
عندما استقرّ في مكانه في صدر المجلس، أصدر أمره إلى كبير الحُجّاب:
-احبسوا كبير التجار، وخذوا منه ما كان لـ(ريحان بن سليم البيّاع) واحملوه إلى بيته، واجلبوا التجار جميعاً إلى مجلسنا، وليعلن على الناس أنه من له مظلمة أو حقٌّ لدى أيّ منهم، فليأتِ وليبّين ما عنده، وخذ من كبير التجار ومن كل التجار زكاة وصدقات للفقراء، وأعلنوا أن أمير المؤمنين سيحكم للناس على التجار جزاء ظلمهم وبغيهم كلَّ الوقت الذي مضى...
واستمرّ (الخليفة) ينظر في أمور الناس ويقضي لهذا ويحكم لذاك، وقد كان يوماً مشهوداً للمظلومين والفقراء حقاً!.
كل هذا والخليفة هارون الرشيد بين عجب مما يحدث، وقد أفاده وأوقفه على ما كان لا يصل إليه من مظالم الناس وأوضاعهم، وكان في حيرة وعجب مما كان يصنعه التجار، وعجب لهذا الرجل الذي انخرط في حاله الجديدة، وصدَّق ما هو فيه، وراح يأمر وينهى فيحكم وكأنه خليفة حقاً!.
في اليوم الثاني، انتبه(ريحان البيّاع) بانتفاضة خوف وخيبة، ألقته من سرير الجريد إلى أرض الطين، ووقف مذهولاً يفغر فمه، ولا يجد فيه صوته.. ثم انطلق يضحك مقهقهاً من نفسه، لقد كان يحلم.. نعم.. بالتأكيد كان قد حلم حلماً لذيذاً جميلاً، غير أنه اختنق بكلماته، وظلَّ جامداً في وقفته، مدهوشاً وحائراً، فها هو ذا ما أمر به حين كان خليفة موجود في بيته، كلّ ما بعث به لأسرته من طعام وشراب ومال وكسوة موجود.. إنه لم يحلم إذن.
وأقبل على الخروج، وإذا بجاره يحكي له ما حصل البارحة لكبير التجّار والتجّار، وما صنع الخليفة من لطف وإحسان، فلم يجرؤ على البوح بما حصل له لأحد، أمّا الخليفة هارون الرشيد، فليس هناك من هو أسعد منه! فقد كان يوماً عجيباً بالنسبة له، لا يشبه أيّاً من الأيام.
ففي ذلك اليوم البعيد، كان رجل من عامة الناس، يجلس على دكّة حجر في الطريق إلى السوق، تبدو عليه الخيبة والخسران، ويعصر الألم والغضب المكبوت ملامح وجهه، لا ينظر إلى الطريق، ولا يرى الناس الماشين.. كان يتأوه ويفرك كفّيه، ويدمدم بينه وبين نفسه بكلمات.. كان يقول: آه لو كنت الخليفة لعرفت كيف أصنع مع كبير التجار والتجار!. لو صرت أنا الخليفة ولو ليوم واحد!!
آه آه.. إذن لأرسلت بطلب (التاجر الأصفهاني) وأوقفته أمامي، وأنظر ماذا سيصنع حين يعرف أن الرجل الذي عمل معه كل تلك الأعمال الدنيئة هو نفسه الخليفة الذي يقف هو الآن صغيراً أمامه! أَصَعْبٌ يا إلهي أن أكون الخليفة ليوم أو بضعة أيام؟! يا ربّ.. ليوم أو نصف يوم!!)
وصادف أن الخليفة هارون الرشيد كان ماراً من المكان نفسه، يصحبه وزيره جعفر البرمكي، ومساعده مسرور، وسمعوا ما كان يهمس به الرجل لنفسه، فنظر بعضهم إلى بعضهم الآخر، وكادوا ينفجرون ضاحكين، لولا أن الخليفة رفع يده وقال مبتسماً:
- والله إنها لفكرة.. أن أحقق له حلمه فأنظر ماذا هو صانع بنفسه!! ما أيسر أن يفتح عينيه صباحاً فيجد نفسه وقد صار الخليفة، وأنظر أنا وأسمع من وراء ستار.. يا له من عمل طريف لم يكن ليأتي لأحد على بال!!.
استدعى الخليفة رجالاً حاوروا الرجل وداوروه، ووضعوا له مخدِّراً في شراب سَقَوْه منه، ثم حملوه وهو مخدَّر تماماً إلى قصر الخلافة، حتى إذا كان الصّباح، تنبّه الرجل وهو يشعر بشيء غريب حوله، تلفّت ينظر، فرأى وسادة وفراشاً غريباً، انتفض جالساً في سريره، فإذا هو نائم في سرير عجيب يشبه سرير ملك أو خليفة، وتدور عيناه رهبة واستغراباً وعجباً وحيرة، يفتح فمه ويغلقه من دون أن يتكلم أو يقول شيئاً، بل لا يجرؤ أن يفكر مجرَّد تفكير بهذا. لكنّه لما تذكَّر ما همس به أمس لنفسه، ضرب براحة يده على جبهته، وصاح:
- يا إلهي.. ليس هذا معقولاً، لا أصدق أن ما تخيَّلْتُه وحَلَمْتُ به صار حقيقة، لا بد أنني في فراشي الحقير وأحلم. ثم.. متى غسّلوني وألبسوني هذه الثياب؟!!.
وقرص نفسه وضرب خدَّه، وقفز إلى الأرض وشدّ شعره.. لكن.. عجيب!! إنه يقظ وفي كامل وعيه..
- نعم.. أنا أمير المؤمنين.. أنا الخليفة.. هذه هي الحال وعليّ أن أصدّق.. نعم سأصدّق.. أصدّق.. أنا الخليفة… أنا ريحان بن سليم البياع أصبحت خليفة، نظيفاً، معطراً، لابساً أزهى الثياب!.
نظر إلى مائدة بقربه، ورآها عامرة بألوان الطعام والشراب، فصرخ:
- كيف أكون الخليفة وأنا لا أعرف كيف آكل هذا الطعام، الذي لا أعرف اسمه!!.
كان الخليفة ممتلئاً سروراً ومتعة، فلقد صدَّق الرجلُ أنه الخليفة فعلاً، خصوصاً حين جاءه كبير الحُجّاب، ودعاه إلى مجلسه المعتاد كلَّ يوم، والذي ينظر فيه بأمور الناس، والخليفة يقول لوزيره:
- لننظر ما هو صانع مع الناس!.
عندما استقرّ في مكانه في صدر المجلس، أصدر أمره إلى كبير الحُجّاب:
-احبسوا كبير التجار، وخذوا منه ما كان لـ(ريحان بن سليم البيّاع) واحملوه إلى بيته، واجلبوا التجار جميعاً إلى مجلسنا، وليعلن على الناس أنه من له مظلمة أو حقٌّ لدى أيّ منهم، فليأتِ وليبّين ما عنده، وخذ من كبير التجار ومن كل التجار زكاة وصدقات للفقراء، وأعلنوا أن أمير المؤمنين سيحكم للناس على التجار جزاء ظلمهم وبغيهم كلَّ الوقت الذي مضى...
واستمرّ (الخليفة) ينظر في أمور الناس ويقضي لهذا ويحكم لذاك، وقد كان يوماً مشهوداً للمظلومين والفقراء حقاً!.
كل هذا والخليفة هارون الرشيد بين عجب مما يحدث، وقد أفاده وأوقفه على ما كان لا يصل إليه من مظالم الناس وأوضاعهم، وكان في حيرة وعجب مما كان يصنعه التجار، وعجب لهذا الرجل الذي انخرط في حاله الجديدة، وصدَّق ما هو فيه، وراح يأمر وينهى فيحكم وكأنه خليفة حقاً!.
في اليوم الثاني، انتبه(ريحان البيّاع) بانتفاضة خوف وخيبة، ألقته من سرير الجريد إلى أرض الطين، ووقف مذهولاً يفغر فمه، ولا يجد فيه صوته.. ثم انطلق يضحك مقهقهاً من نفسه، لقد كان يحلم.. نعم.. بالتأكيد كان قد حلم حلماً لذيذاً جميلاً، غير أنه اختنق بكلماته، وظلَّ جامداً في وقفته، مدهوشاً وحائراً، فها هو ذا ما أمر به حين كان خليفة موجود في بيته، كلّ ما بعث به لأسرته من طعام وشراب ومال وكسوة موجود.. إنه لم يحلم إذن.
وأقبل على الخروج، وإذا بجاره يحكي له ما حصل البارحة لكبير التجّار والتجّار، وما صنع الخليفة من لطف وإحسان، فلم يجرؤ على البوح بما حصل له لأحد، أمّا الخليفة هارون الرشيد، فليس هناك من هو أسعد منه! فقد كان يوماً عجيباً بالنسبة له، لا يشبه أيّاً من الأيام.
تعليق