السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
--------------------------------------------------------------------------------
مقدمة :
--------------------------------------------------------------------------------
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أما بعد :
--------------------------------------------------------------------------------
فهذه نبذة في صفة صوم النبي - صلى الله عليه وسلم - وما فيها من واجبات وآداب وأدعية وفى حكم الصيام وأقسام الناس فيه ، والمفطرات ، وفوائد أخرى على وجه الإيجاز، ونسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين لتطبيق سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم في كل صغيرة وكبيرة، والله الموفق0
--------------------------------------------------------------------------------
تعريف الصيام :
--------------------------------------------------------------------------------
هو التعبد لله تعالى بترك المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
--------------------------------------------------------------------------------
صيام رمضان :
--------------------------------------------------------------------------------
أحد أركان الإسلام العظيمة ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " بني الإسلام على خمس :
--------------------------------------------------------------------------------
شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت الحرام" [متفق عليه] 0
--------------------------------------------------------------------------------
الناس في الصيام :
--------------------------------------------------------------------------------
1- الصوم واجب على كل مسلم بالغ عاقل قادر مقيم 0
2- الكافر لا يصوم ، ولا يجب عليه قضاء الصوم إذا أسلم 0
3- الصغير الذي لم يبلغ لا يجب عليه الصوم ، لكن يؤمر به ليعتاده 0
4- المريض مرضاً طارئاً ينتظر برؤه يفطر إن شق عليه الصوم ويقضى بعد برئه 0
5- المجنون لا يجب عليه الصوم ولا الإطعام عنه وإن كان كبيراً ، ومثله المعتوه الذي لا تمييز له ، والكبير المخرف الذي لا تمييز له 0
6- العاجز عن الصوم لسبب دائم كالكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه - يطعم عن كل يوم مسكيناً 0
7- الحامل والمرضع إذا شق عليهما الصوم من أجل الحمل أو الرضاع ، أو خافتا على ولديهما، تفطران وتقضيان الصوم إذا سهل عليهما وزال الخوف0
8- الحائض والنفساء لا تصومان حال الحيض والنفاس ، وتقضيان ما فاتهما0
9- المضطر للفطر لإنقاذ معصوم من غرق أو حريق يفطر لينقذه ويقضي0
10- المسافر إن شاء صام وإن شاء أفطر وقضى ما أفطره، سواءً كان سفره طارئاً كسفر العمرة أم دائما كأصحاب سيارات الأجرة فيفطرون إن شاءوا ما داموا في غير بلدهم0
--------------------------------------------------------------------------------
أحكام الصيام:
--------------------------------------------------------------------------------
1- النيـــة :
--------------------------------------------------------------------------------
وجوب تبييت النية في صوم الفريضة قبل طلوع الفجر، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم -: "من لم يُجمِع الصيام قبل الفجر فلا صيام له " [صحيح أبي داود] 0
وقال - صلى الله عليه وسلم-: "من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له" [ صحيح النسائي ] .
والنية محلها القلب ، والتلفظ بها لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم 0
--------------------------------------------------------------------------------
2- وقت الصوم:
--------------------------------------------------------------------------------
قال تعالى : { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} [البقرة: 187] 0
والفجر فجران :
--------------------------------------------------------------------------------
الفجر الكاذب : وهو لا يُحِلُ صلاة الصبح ، ولا يُحرِمُ الطعام على الصائم ، وهو البياض المستطيل الساطع المُصعَّد كذنب السرحان 0
--------------------------------------------------------------------------------
الفجر الصادق: وهو الذي يحرم الطعام على الصائم ، ويحل صلاة الفجر، وهو الأحمر المستطيل المعترض على رؤوس الشعاب والجبال 0
--------------------------------------------------------------------------------
فإذا أقبل الليل من جهة الشرق وأدبر من جهة الغرب وغربت الشمس فليفطر .
قال صلى الله عليه وسلم : " إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم " [متفق عليه]0
وهذا أمر يتحقق بعد غروب قرص الشمس مباشرة وإن كان ضوءها ظاهراً0
--------------------------------------------------------------------------------
3- السحور :
--------------------------------------------------------------------------------
قال - صلى الله عليه وسلم -:
"فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر" [ رواه مسلم ]
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "البركة في ثلاثة : الجماعة ، والثريد، والسحور" [صحيح رواه الطبراني في الكبير]
وكون السحور بركة ظاهرة لا ينبغي تركه ، لأنه اتباع للسنة ، ويقوي على الصيام .
وهو الغذاء المبارك كما سماه الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "هلمّ إلى الغذاء المبارك" [ صحيح أبي داود ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : "السحور أكلة بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين" [حسن رواه الإمام أحمد] .
وقال - صلى الله عليه وسلم -: " نعم سحور المؤمن التمور" [صحيح أبي داود]0
وكان من هديه تأخير السحور إلى قبيل الفجر0
--------------------------------------------------------------------------------
4- ما يجب على الصائم تركه :
--------------------------------------------------------------------------------
قول الزور: قال صلى الله عليه وسلم : " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله عز وجل حاجة أن يدع طعامه وشرابه " [ رواه البخاري ] 0
--------------------------------------------------------------------------------
اللغو والرفث: قال : صلى الله عليه وسلم: " ليس الصيام من الأكل والشراب ، وإنما الصيام من اللغو والرفث ، فإن سابَّـك أحد أو جَهِل عليك فقل : إني صائم " [ صحيح ابن خزيمة ] 0
--------------------------------------------------------------------------------
5- ما يباح للصائم:
--------------------------------------------------------------------------------
الصائم يصبح جنباً : عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم : " كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم" [ متفق عليه] 0
--------------------------------------------------------------------------------
السواك للصائم : قال صلى الله عليه وسلم : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء " [متفق عليه] 0 فلم يخص الرسول صلى الله عليه وسلم الصائم من غيره ، ففي هذا دلالة على أن السواك للصائم ولغيره عند كل وضوء وكل صلاة عام ، وفي كل الأوقات قبل الزوال أو بعده.
--------------------------------------------------------------------------------
المضمضة والاستنشاق : كان صلى الله عليه وسلم يتمضمض ويستنشق وهو صائم ، لكنه منع الصائم من المبالغة فيهما
قال صلى الله عليه وسلم : " وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائم اً" [ صحيح أبي داود] 0
--------------------------------------------------------------------------------
المباشرة والقبلة للصائم : عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبّل وهو صائم ، ويباشر وهو صائم ، ولكنه كان أملككم لإربه " [ متفق عليه ]0
ويكره ذلك للشباب دون الشيخ ، قال صلى الله عليه وسلم : "000 إن الشيخ يملك نفسه" [ صحيح رواه أحمد] 0
--------------------------------------------------------------------------------
تحليل الدم وضرب الإبر التي لا يقصد بها التغذية : فإنها ليست من المفطرات ، لأنها ليست مغذية ولا تصل إلى الجوف0
--------------------------------------------------------------------------------
قلع السن: لا يفطر الصائم0
--------------------------------------------------------------------------------
ذوق الطعام : وهذا مقيد بعدم دخوله الحلق، وكذلك الأمر بمعجون الأسنان .
--------------------------------------------------------------------------------
لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه : " لا باس أن يذوق الخل أو الشيء ما لم يدخل حلقه وهو صائم" [رواه البخاري]
--------------------------------------------------------------------------------
الكحل والقطرة ونحوهما مما يدخل العين : هذه الأمور لا تفطر سواء وجد طعمه في حلقه أم لم يجده ، وقال الإمام البخاري في صحيحه : "ولم ير أنس والحسن وإبراهيم بالكحل للصائم باساً " 0
--------------------------------------------------------------------------------
6- الإفطـار :
--------------------------------------------------------------------------------
تعجيل الفطر من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه مخالفة اليهود والنصارى ، فإنهم يؤخرون ، وتأخيرهم له أمد ، وهو ظهور النجم 00 قال -صلى الله عليه وسلم -:
" لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" [متفق عليه] .
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم" [ صحيح ابن حبان] 0
--------------------------------------------------------------------------------
الفطر قبل صلاة المغرب : عن أنس رضي الله عنه قال : "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفطر قبل أن يصلي" [حسن رواه أبو داود] 0
--------------------------------------------------------------------------------
على ماذا يفطر؟
--------------------------------------------------------------------------------
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفطر على رطبات قبل أن يصلي ، فإن لم يكن رطبات فتمرات ، فإن لم يكن تمرات حسا حسوات من ماء " [ صحيح أبي داود ] 0
--------------------------------------------------------------------------------
ماذا يقول عند الإفطار؟
--------------------------------------------------------------------------------
قال - صلى الله عليه وسلم - : "للصائم عند فطره دعوة لا ترد" [ صحيح ابن ماجه] 0
--------------------------------------------------------------------------------
وكان يدعو - صلى الله عليه وسلم- عند إفطاره : " ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله "
--------------------------------------------------------------------------------
[صحيح أبي داود]
--------------------------------------------------------------------------------
7- مفسدات الصوم :
--------------------------------------------------------------------------------
الأكل والشرب متعمداً : سواء كان نافعاً أم ضاراً كالدخان0
أما إذا فعل ذلك ناسياً أو مخطئاً أو مكرهاً فلا شيء عليه إن شاء الله 0
قال صلى الله عليه وسلم : " إذا نسي فأكل وشرب فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه" [ متفق عليه ] 0
--------------------------------------------------------------------------------
تعمد القيء : وهو إخراج ما في المعدة عن طريق الفم لقوله صلى الله عليه وسلم : "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء فليقض" [ صحيح أبي داود ]
فإن قاء من غير قصد لم يفطر 0
--------------------------------------------------------------------------------
الجماع : وإذا وقع في نهار رمضان من صائم يجب عليه الصوم فعليه مع القضاء كفارة مغلظة وهي عتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً 0
--------------------------------------------------------------------------------
الحقن الغذائية : وهي إيصال بعض المواد الغذائية إلى الأمعاء أو إلى الدم بقصد تغذية المريض ، فهذا النوع يفطر الصائم ، لأنه إدخال إلى الجوف.
--------------------------------------------------------------------------------
الحيض والنفاس : خروج دم من المرأة في جزء من النهار سواء وجد في أوله أو آخره أفطرت وقضت0
--------------------------------------------------------------------------------
إنزال المني : يقظة باستمناء أو مباشرة أو تقبيل أو ضم أو نحو ذلك ، وأما الإنزال بالاحتلام فلا يفطر لأنه بغير اختيار الصائم 0
--------------------------------------------------------------------------------
حقن الدم : مثل أن يحصل للصائم نزيف فيحقن به دمه تعويضاً عما نزف منه0
--------------------------------------------------------------------------------
8- القضــاء:
--------------------------------------------------------------------------------
يستحب المبادرة إلى القضاء وعدم التأخير ، ولا يجب التتابع في القضاء 0
--------------------------------------------------------------------------------
أجمع أهل العلم أن من مات وعليه صلوات فاتته فلا يقضي عنه ، وكذلك من عجز عن الصيام لا يصوم عنه أحد في حياته ، بل يطعم عن كل يوم مسكيناً 000 ولكن من مات وعليه صوم صام عنه وليه ، لقوله -صلى الله عليه وسلم-:
" من مات وعليه صوم صام عنه وليه " [ متفق عليه] 0
--------------------------------------------------------------------------------
9- الصوم مع تركه الصلاة:
--------------------------------------------------------------------------------
من صام وترك الصلاة فقد ترك الركن الأهم من أركان الإسلام بعد التوحيد ، ولا يفيده صومه شيئاً ما دام تاركاً للصلاة ، لأن الصلاة عماد الدين الذي يقوم عليه ، وتارك الصلاة محكوم بكفره ، والكافر لا يقبل منه عمل لقوله صلى الله عليه وسلم :
" العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر" [ صحيح رواه الإمام أحمد]0
--------------------------------------------------------------------------------
10- قيام الليل . . . التراويح :
--------------------------------------------------------------------------------
لقد سن الرسول -صلى الله عليه وسلم - قيام رمضان جماعة ، ثم تركه مخافة أن يفرض على الأمة فلا تستطيع القيام بهذه الفريضة0
وعدد ركعاتها ثمان ركعات دون الوتر لحديث عائشة رضي الله عنها: " ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة " [ متفق عليه ]0
--------------------------------------------------------------------------------
ولما أحيا عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه السنة جمع إحدى عشرة ركعة ، وصلّوا في زمانه ثلاثة وعشرين، وصلّوا بعده تسعاً وثلاثين ركعة ، والعمل على ثلاثة وعشرين كما في صلاة الحرمين الشريفين ، وهو قول الأئمة الثلاثة وغيرهم0
--------------------------------------------------------------------------------
ومما ابتلي به المسلمون اليوم في صلاة التراويح السرعة في القراءة وفي الركوع والسجود وغير ذلك0
وهذا مخل بالصلاة ، مذهب لخشوعها ، وقد يبطلها في بعض الحالات 000 والله المستعان
#####################################################################
إن المتأمل في رمضان ، وحكمته… يقف منبهرًا بهذا التوجيه الرباني المركز نحو الطاعة والقرب من الله تعالى ، والحث على فعل الخيرات ، وتضاعف الأجر .. وكل ذلك في مدة محددة محدودة مع كل ما في هذه المدة من أعمال ، ليكون المسلم مشغولاً طول ليله ونهاره بالقرب من ربه سبحانه وتعالى ، فهو بين الصيام، وقراءة القرآن ، والقيام، وبين صلة الرحم ، والبذل والجود ، ومعاونة أخيه المسلم .
ولعل من أجمل وأروع ما يربينا عليه رمضان ، قضية كسر العادة ، ليحررنا من أسر أي عادة مهما كانت، فيفك إسار عبوديتنا للمألوف ، فكما تعودنا أن نأكل ونشرب كل يوم ، أصبحنا مأمورين بالصوم حتى غروب الشمس ، وكما ألفنا الحرص على المال ، غدونا مطالبين بالبذل والتصدق ودفع زكاة الفطر ، وكما كان ليلنا للخلود والنوم، لزمنا القيام فيها لله تعالى بالصلاة .
وكل هذا التركيز في الطاعات هدفه تحقيق العبودية لله أولاً كما أمر، ثم الارتقاء والسمو الإيماني بالمسلم ليكون لديه من زاد التقوى والعبادة والورع ، ما يعينه في حياته وسط ضغوط الحياة ، وأمواجها المتلاطمة المحيطة به .
--------------------------------------------------------------------------------
رمضان … هذا الشهر العظيم الذي اختصه الله سبحانه وتعالى بالصيام ، وأكرمنا فيه سبحانه بفضله وكرمه ، فجعلنا بين ثلاث مراحل ؛ الرحمة والمغفرة والعتق من النار ، وضاعف لنا فيه الأجر والثواب في كل الأعمال ، فحثـنا ذلك كله على العبادة والطاعة ، فأقبل المسلمون على الطاعات ، وامتلأت المساجد بصفوف المصلين ، وحفلت المقارئ بقارئي القرآن ، وأصبح البذل والجود والتواصل والتراحم سمة ظاهرة في المجتمع ، وغدا رمضان وسيلة لتهذيب النفس وتربيتها على الجوع والعطش في سبيل الله ، وعلى اتخاذ الزهد منهج حياة ، وحتى على مستوى وسائل الإعلام أخذت مساحة الأعمال الدينية تزداد في هذا الشهر عن غيره من الشهور .
--------------------------------------------------------------------------------
وفي ظل هذه المظاهر الإيجابية ، غزت المسلمين مظاهر سلبية اختصت برمضان أيضآ ، ولا تسل عن هذا التناقض وكيف حدث ، فإن الواقع يشهد به ويؤكده وكم في حال المسلمين اليوم من تناقض!! فإلى جانب امتلاء المساجد بالعُمَّار جلس كثير من المسلمين في المقاهي والخيام الرمضانية والمجالس والإستراحات ، وأصبح هذا هو مكانهم الدائم ومأواهم الوحيد كل ليلة ، وكما كان رمضان وسيلة للزهد والتقشف، صار علامة للتبذير والإسراف ، وأخذت الموائد تزدان بمأكولات خاصة برمضان ، وكأنه أصبح احتفالية " طعامية " مادية لا احتفالية روحية .
وبمحاذاة المساحة الزائدة للبرامج الدينية في قنوات التلفاز ، غدا التلفاز طريقة من طرق الإفساد والإلهاء عن العبادة سواء بزيادة عدد ساعات الإرسال حتى طلوع الفجر ، أو بنوعية البرامج المقدمة ، وحتى المسلسلات الدينية - أو التي يفترض أن تكون دينية - غدا مدار الحديث فيها عن الحب والعشق ، وأما العادات الطيبة التي أرساها لنا رمضان من صلة الرحم والتعاون وحب الخير، قلبناها إلى مجال للحديث فيما هو غير نافع ، أو ضار كالغيبة والنميمة ، وتفشَّت بين المسلمين ظاهرة في غاية السوء وهي الكسل وكثرة النوم وقلة العمل،وكأنه شهر الكسالى والخاملين لا شهر الجدّ والنشاط !!
--------------------------------------------------------------------------------
علمنة شهر رمضان :
--------------------------------------------------------------------------------
في الدين هناك عبادات ومعاملات وأخلاق ، والعلمنة لما هو ديني ليست هي فصل الدين عن الدولة أو فصله عن الحياة اليومية وحسب ، بل قد تأخذ العلمنة شكل إدخال البعد المادي الدنيوي في الأخلاق والعبادات، وتحويل العبادات نفسها عن مقاصدها وغاياتها التي تخدم الرؤية الإسلامية لتنقلب في النهاية لخدمة نظم الحياة غير الإسلامية ، فتكون ممارسة الفرائض الدينية في ظاهرها مستمرة وتامة ، لكن في الحقيقة تخضع لعلمنة متدرجة ما تلبث أن تصبح قوية وفاصلة.
وينطبق هذا على رمضان ؛ إذ أنه الشهر الذي فرض علينا الله فيه الصيام ، وسن لنا الرسول صلى الله عليه وسلم فيه القيام ، وغايته الكبرى هي ربط المسلم في علاقة إيمانية بربه بالعبادة والذكر وبإخوانه في المجتمع بالتكافل والبر، لكن قد تحول إلى مناسبة إعلامية إعلانية يصرف فيها التلفاز والقنوات الفضائية الناس عن العبادة، ويزيد فيها استهلاكنا من الطعام نوعاً وكمًّ ا، ويتحول فيها السوق الإسلامي لسوق مروجة للبضائع الأجنبية التي تحاول تسويق إنتاجها بتوفير سلع " رمضانية "، بدءاً من فوانيس رمضان الصينية المزودة بالموسيقى ، مروراً بالعروض الخاصة للسحور في فروع المطاعم الأمريكية للوجبات السريعة ، وانتهاءً بملابس العيد المخفضة في بيوت الأزياء العالمية المختلفة .. حتى العادات الرمضانية الشعبية كالسهر والسمر في الأماكن الشعبية قد تحولت في بلدان كثيرة إلى سهرات فندقية تدخن فيها النرجيلة الشيشة ، والمعسل ويختلط فيها الرجال بالنساء ، وتنتهي مع السحور على أنغام الموسيقى الغربية .
وللتأمل في علمنة رمضان وكيف تحول تدريجيًا إلى هذه " العلمنة " بكل أبعادها .
--------------------------------------------------------------------------------
حكمة مشروعية الصيــام :
--------------------------------------------------------------------------------
على ضوء الحكمة العامة للتشريع ، وهي ربط المخلوق بالخالق ، وإعداد الإنسان لتحقيق خلافته في الأرض بالأخلاق الشخصية والاجتماعية يمكن توضيح الحكمة من الصيام فيما يأتي :
--------------------------------------------------------------------------------
1 - الصيام فيه تقديم رضا الله على النفس ، وتضحية بالوجود الشخصي بالامتناع عن الطعام والشراب ، وبالوجود النوعي بالإمساك عن الشهوة الجنسية ، وذلك ابتغاء وجه الله وحده ، الذي لا يتقرب لغيره من الناس بمثل هذا الأسلوب من القربات ، ومن هنا كان ثوابه عظيمًا، يوضحه ويبين علته قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
--------------------------------------------------------------------------------
" كل عمل ابن آدم يضاعف ، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله تعالى : إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي" رواه البخاري ومسلم .
وفي الصوم إحساس بمقدار نعمة الطعام والشراب والمتعة الجنسية عندما يحرم منها ونفسه تائقة إليها ، فيكون شكره عليها بالإطعام المتمثل في كثرة الصدقات في فترة الصيام ..
وفي توقيت الصيام بشهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن تذكير للإنسان بنعمة الرسالة المحمدية ، ونعمة الهداية القرآنية التي يكون الشكر عليها بالاستمساك بها " لعلكم تشكرون "، وفي فترة إشراق الروح بالصيام وتلاوة القرآن تتوجه القلوب إلى الله بالدعاء الذي لا يُردّ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
--------------------------------------------------------------------------------
" ثلاثة لا تُرد دعوتهم ، الصائم حتى يفطر - أو حين يفطر- والإمام العادل، ودعوة المظلوم " رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان، وحسنه الترمذي .
ولعل مما يشير إلى الإغراء في الصيام توسط قوله تعالى { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } بين آيات الصيام سورة البقرة .
--------------------------------------------------------------------------------
2 - في الصيام تخليص للإنسان من رِق الشهوة والعبودية للمادة ، وتربية عملية على ضبط الغرائز والسيطرة عليها ، وإشعار للإنسان بأن الحريات مقيدة لخير الإنسان وخير الناس الذين يعيش معهم ، هذا جهاد شاق يعوِّد الصبر والتحمل ، ويعلم قوة الإرادة ومضاء العزيمة ، ويعد الإنسان لمواجهة جميع احتمالات الحياة بحلوها ومرها وسائر متقابلاتها ليجعل منه رجلاً كاملاً في عقله ونفسه وجسمه ، يستطيع أن يتحمل تبعات النهوض بمجتمعه عن جدارة .
وقد شرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - علاجًا لقوة الشهوة لمن لا يستطيع الزواج ، ففي الحديث :
--------------------------------------------------------------------------------
" يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصيام فإنه له وجاء" أي قاطع . رواه البخاري ومسلم .
والإنسان إذا تحرر من سلطان المادة اتخذ لنفسه جُنَّةً قوية تحصنه ضد الأخطار التي ينجم أكثرها عن الانطلاق والاستسلام للغرائز والأهواء .
يقول النبي -صلى الله عليه وسل م - :
--------------------------------------------------------------------------------
"الصوم جُنَّة ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم إني صائم" رواه البخاري ومسلم
.
والصائم الذي يمتنع عن المحرمات وعن الحلال الذي تدعو له الشهوة إنسان عزيز كريم ، يشعر بآدميته وبامتيازه عن الحيوانات التي تسيِّرها الغرائز.
والصيام أيضًا يعوِّد التواضع وخفض الجناح ولين الجانب، وبالتالي يعرف الإنسان قدره ويحس بضعفه ، ومن عرف قدر نفسه تفتحت له أبواب الخير واستقام به الطريق .
إن الصيام إلى جانب ما فيه من صحة النفس فيه صحة بدنية أسهب المختصون في بيانها وتأكيد آثارها الطيبة، ففي الحديث: "صوموا تصحوا" رواه الطبراني عن رواة ثقات ، والصوم يعوِّد النظام والتحري والدقة ، وذلك بالتزام الإمساك عند وقت معين وحرمة الإفطار قبل حلول موعده ، قال تعالى { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ } ، كما أن في الصيام الصادق اقتصادًا وتوفيرًا يفيد منه الصائم، وتفيد أسرته وتفيد الأمة .
3 - الجوع والعطش حين يحس بهما الصائم تتحرك يده فتمتد بالخير والبر للفقراء الذين عانوا مثل ما عانى من ألم الجوع وحر العطش ، ومن هنا كانت السمة البارزة للصيام هي المواساة والصدقات وعمل البر، وكانت شعيرة يوم العيد هي زكاة الفطر للتوسعة على الفقراء ، وهي بمثابة امتحان للصائم بعد الدروس الطويلة التي تلقاها في شهر رمضان، وبهذا كانت زكاة الفطر جواز المرور لقبول الصوم كما يقول الحديث: "صوم رمضان معلق بين السماء والأرض لا يرتفع إلا بزكاة الفطر" رواه أبو حفص بن شاهين ، وهو يقبل في فضائل الأعمال .
الصيام بهذا المظهر يُعد للحياة الاجتماعية القائمة على التعاون على البر، وعلى الرحمة الدافعة لعمل الخير عن طيب نفس وإيمان واحتساب ، ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما-:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أجود بالخير من الريح المرسلة " رواه البخاري ومسلم.
والصيام الكامل عن كل المشتهيات يكف الإنسان عن الكذب والزور والفحش والنظر المحرم والغش وسائر المحرمات ، وفي الحديث الشريف :
"من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " رواه البخاري، والزور هنا معناه الباطل بكل مظاهره وألوانه، وقد رأى بعض العلماء أن الغيبة والنميمة يفسدان الصوم كما يفسده تناول الطعام ، لقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم - في شأن الصائمتين المغتابتين:
" صامتا عما أحل الله -الطعام- وأفطرتا على ما حرم الله " رواه أحمد وأبو داود .
وفي بيان أثر الصيام في العلاقات الاجتماعية قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في شأن المرأة التي تؤذي جيرانها بلسانها: " إنها في النا ر" بالرغم من كثرة صلاتها وصيامها رواه أحمد والحاكم وصححه .
هذا.. والصيام يعوِّد الإخلاص في العمل ومراقبة الله في السر والعلن ، وإذا كان هذا طابع الإنسان في كل أحواله أتقن عمله ، وأنجز ما يوكل إليه من المهمات على الوجه الأكمل ، وعف عن الحرام أيًا كان نوعه ، وعاش موفقًا راضيًا مرضيًا عنه ، وأفادت منه أمته إفادة كبيرة .
--------------------------------------------------------------------------------
مقدمة :
--------------------------------------------------------------------------------
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أما بعد :
--------------------------------------------------------------------------------
فهذه نبذة في صفة صوم النبي - صلى الله عليه وسلم - وما فيها من واجبات وآداب وأدعية وفى حكم الصيام وأقسام الناس فيه ، والمفطرات ، وفوائد أخرى على وجه الإيجاز، ونسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين لتطبيق سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم في كل صغيرة وكبيرة، والله الموفق0
--------------------------------------------------------------------------------
تعريف الصيام :
--------------------------------------------------------------------------------
هو التعبد لله تعالى بترك المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
--------------------------------------------------------------------------------
صيام رمضان :
--------------------------------------------------------------------------------
أحد أركان الإسلام العظيمة ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " بني الإسلام على خمس :
--------------------------------------------------------------------------------
شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت الحرام" [متفق عليه] 0
--------------------------------------------------------------------------------
الناس في الصيام :
--------------------------------------------------------------------------------
1- الصوم واجب على كل مسلم بالغ عاقل قادر مقيم 0
2- الكافر لا يصوم ، ولا يجب عليه قضاء الصوم إذا أسلم 0
3- الصغير الذي لم يبلغ لا يجب عليه الصوم ، لكن يؤمر به ليعتاده 0
4- المريض مرضاً طارئاً ينتظر برؤه يفطر إن شق عليه الصوم ويقضى بعد برئه 0
5- المجنون لا يجب عليه الصوم ولا الإطعام عنه وإن كان كبيراً ، ومثله المعتوه الذي لا تمييز له ، والكبير المخرف الذي لا تمييز له 0
6- العاجز عن الصوم لسبب دائم كالكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه - يطعم عن كل يوم مسكيناً 0
7- الحامل والمرضع إذا شق عليهما الصوم من أجل الحمل أو الرضاع ، أو خافتا على ولديهما، تفطران وتقضيان الصوم إذا سهل عليهما وزال الخوف0
8- الحائض والنفساء لا تصومان حال الحيض والنفاس ، وتقضيان ما فاتهما0
9- المضطر للفطر لإنقاذ معصوم من غرق أو حريق يفطر لينقذه ويقضي0
10- المسافر إن شاء صام وإن شاء أفطر وقضى ما أفطره، سواءً كان سفره طارئاً كسفر العمرة أم دائما كأصحاب سيارات الأجرة فيفطرون إن شاءوا ما داموا في غير بلدهم0
--------------------------------------------------------------------------------
أحكام الصيام:
--------------------------------------------------------------------------------
1- النيـــة :
--------------------------------------------------------------------------------
وجوب تبييت النية في صوم الفريضة قبل طلوع الفجر، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم -: "من لم يُجمِع الصيام قبل الفجر فلا صيام له " [صحيح أبي داود] 0
وقال - صلى الله عليه وسلم-: "من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له" [ صحيح النسائي ] .
والنية محلها القلب ، والتلفظ بها لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم 0
--------------------------------------------------------------------------------
2- وقت الصوم:
--------------------------------------------------------------------------------
قال تعالى : { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} [البقرة: 187] 0
والفجر فجران :
--------------------------------------------------------------------------------
الفجر الكاذب : وهو لا يُحِلُ صلاة الصبح ، ولا يُحرِمُ الطعام على الصائم ، وهو البياض المستطيل الساطع المُصعَّد كذنب السرحان 0
--------------------------------------------------------------------------------
الفجر الصادق: وهو الذي يحرم الطعام على الصائم ، ويحل صلاة الفجر، وهو الأحمر المستطيل المعترض على رؤوس الشعاب والجبال 0
--------------------------------------------------------------------------------
فإذا أقبل الليل من جهة الشرق وأدبر من جهة الغرب وغربت الشمس فليفطر .
قال صلى الله عليه وسلم : " إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم " [متفق عليه]0
وهذا أمر يتحقق بعد غروب قرص الشمس مباشرة وإن كان ضوءها ظاهراً0
--------------------------------------------------------------------------------
3- السحور :
--------------------------------------------------------------------------------
قال - صلى الله عليه وسلم -:
"فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر" [ رواه مسلم ]
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "البركة في ثلاثة : الجماعة ، والثريد، والسحور" [صحيح رواه الطبراني في الكبير]
وكون السحور بركة ظاهرة لا ينبغي تركه ، لأنه اتباع للسنة ، ويقوي على الصيام .
وهو الغذاء المبارك كما سماه الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "هلمّ إلى الغذاء المبارك" [ صحيح أبي داود ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : "السحور أكلة بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين" [حسن رواه الإمام أحمد] .
وقال - صلى الله عليه وسلم -: " نعم سحور المؤمن التمور" [صحيح أبي داود]0
وكان من هديه تأخير السحور إلى قبيل الفجر0
--------------------------------------------------------------------------------
4- ما يجب على الصائم تركه :
--------------------------------------------------------------------------------
قول الزور: قال صلى الله عليه وسلم : " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله عز وجل حاجة أن يدع طعامه وشرابه " [ رواه البخاري ] 0
--------------------------------------------------------------------------------
اللغو والرفث: قال : صلى الله عليه وسلم: " ليس الصيام من الأكل والشراب ، وإنما الصيام من اللغو والرفث ، فإن سابَّـك أحد أو جَهِل عليك فقل : إني صائم " [ صحيح ابن خزيمة ] 0
--------------------------------------------------------------------------------
5- ما يباح للصائم:
--------------------------------------------------------------------------------
الصائم يصبح جنباً : عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم : " كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم" [ متفق عليه] 0
--------------------------------------------------------------------------------
السواك للصائم : قال صلى الله عليه وسلم : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء " [متفق عليه] 0 فلم يخص الرسول صلى الله عليه وسلم الصائم من غيره ، ففي هذا دلالة على أن السواك للصائم ولغيره عند كل وضوء وكل صلاة عام ، وفي كل الأوقات قبل الزوال أو بعده.
--------------------------------------------------------------------------------
المضمضة والاستنشاق : كان صلى الله عليه وسلم يتمضمض ويستنشق وهو صائم ، لكنه منع الصائم من المبالغة فيهما
قال صلى الله عليه وسلم : " وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائم اً" [ صحيح أبي داود] 0
--------------------------------------------------------------------------------
المباشرة والقبلة للصائم : عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبّل وهو صائم ، ويباشر وهو صائم ، ولكنه كان أملككم لإربه " [ متفق عليه ]0
ويكره ذلك للشباب دون الشيخ ، قال صلى الله عليه وسلم : "000 إن الشيخ يملك نفسه" [ صحيح رواه أحمد] 0
--------------------------------------------------------------------------------
تحليل الدم وضرب الإبر التي لا يقصد بها التغذية : فإنها ليست من المفطرات ، لأنها ليست مغذية ولا تصل إلى الجوف0
--------------------------------------------------------------------------------
قلع السن: لا يفطر الصائم0
--------------------------------------------------------------------------------
ذوق الطعام : وهذا مقيد بعدم دخوله الحلق، وكذلك الأمر بمعجون الأسنان .
--------------------------------------------------------------------------------
لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه : " لا باس أن يذوق الخل أو الشيء ما لم يدخل حلقه وهو صائم" [رواه البخاري]
--------------------------------------------------------------------------------
الكحل والقطرة ونحوهما مما يدخل العين : هذه الأمور لا تفطر سواء وجد طعمه في حلقه أم لم يجده ، وقال الإمام البخاري في صحيحه : "ولم ير أنس والحسن وإبراهيم بالكحل للصائم باساً " 0
--------------------------------------------------------------------------------
6- الإفطـار :
--------------------------------------------------------------------------------
تعجيل الفطر من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه مخالفة اليهود والنصارى ، فإنهم يؤخرون ، وتأخيرهم له أمد ، وهو ظهور النجم 00 قال -صلى الله عليه وسلم -:
" لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" [متفق عليه] .
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم" [ صحيح ابن حبان] 0
--------------------------------------------------------------------------------
الفطر قبل صلاة المغرب : عن أنس رضي الله عنه قال : "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفطر قبل أن يصلي" [حسن رواه أبو داود] 0
--------------------------------------------------------------------------------
على ماذا يفطر؟
--------------------------------------------------------------------------------
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفطر على رطبات قبل أن يصلي ، فإن لم يكن رطبات فتمرات ، فإن لم يكن تمرات حسا حسوات من ماء " [ صحيح أبي داود ] 0
--------------------------------------------------------------------------------
ماذا يقول عند الإفطار؟
--------------------------------------------------------------------------------
قال - صلى الله عليه وسلم - : "للصائم عند فطره دعوة لا ترد" [ صحيح ابن ماجه] 0
--------------------------------------------------------------------------------
وكان يدعو - صلى الله عليه وسلم- عند إفطاره : " ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله "
--------------------------------------------------------------------------------
[صحيح أبي داود]
--------------------------------------------------------------------------------
7- مفسدات الصوم :
--------------------------------------------------------------------------------
الأكل والشرب متعمداً : سواء كان نافعاً أم ضاراً كالدخان0
أما إذا فعل ذلك ناسياً أو مخطئاً أو مكرهاً فلا شيء عليه إن شاء الله 0
قال صلى الله عليه وسلم : " إذا نسي فأكل وشرب فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه" [ متفق عليه ] 0
--------------------------------------------------------------------------------
تعمد القيء : وهو إخراج ما في المعدة عن طريق الفم لقوله صلى الله عليه وسلم : "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء فليقض" [ صحيح أبي داود ]
فإن قاء من غير قصد لم يفطر 0
--------------------------------------------------------------------------------
الجماع : وإذا وقع في نهار رمضان من صائم يجب عليه الصوم فعليه مع القضاء كفارة مغلظة وهي عتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً 0
--------------------------------------------------------------------------------
الحقن الغذائية : وهي إيصال بعض المواد الغذائية إلى الأمعاء أو إلى الدم بقصد تغذية المريض ، فهذا النوع يفطر الصائم ، لأنه إدخال إلى الجوف.
--------------------------------------------------------------------------------
الحيض والنفاس : خروج دم من المرأة في جزء من النهار سواء وجد في أوله أو آخره أفطرت وقضت0
--------------------------------------------------------------------------------
إنزال المني : يقظة باستمناء أو مباشرة أو تقبيل أو ضم أو نحو ذلك ، وأما الإنزال بالاحتلام فلا يفطر لأنه بغير اختيار الصائم 0
--------------------------------------------------------------------------------
حقن الدم : مثل أن يحصل للصائم نزيف فيحقن به دمه تعويضاً عما نزف منه0
--------------------------------------------------------------------------------
8- القضــاء:
--------------------------------------------------------------------------------
يستحب المبادرة إلى القضاء وعدم التأخير ، ولا يجب التتابع في القضاء 0
--------------------------------------------------------------------------------
أجمع أهل العلم أن من مات وعليه صلوات فاتته فلا يقضي عنه ، وكذلك من عجز عن الصيام لا يصوم عنه أحد في حياته ، بل يطعم عن كل يوم مسكيناً 000 ولكن من مات وعليه صوم صام عنه وليه ، لقوله -صلى الله عليه وسلم-:
" من مات وعليه صوم صام عنه وليه " [ متفق عليه] 0
--------------------------------------------------------------------------------
9- الصوم مع تركه الصلاة:
--------------------------------------------------------------------------------
من صام وترك الصلاة فقد ترك الركن الأهم من أركان الإسلام بعد التوحيد ، ولا يفيده صومه شيئاً ما دام تاركاً للصلاة ، لأن الصلاة عماد الدين الذي يقوم عليه ، وتارك الصلاة محكوم بكفره ، والكافر لا يقبل منه عمل لقوله صلى الله عليه وسلم :
" العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر" [ صحيح رواه الإمام أحمد]0
--------------------------------------------------------------------------------
10- قيام الليل . . . التراويح :
--------------------------------------------------------------------------------
لقد سن الرسول -صلى الله عليه وسلم - قيام رمضان جماعة ، ثم تركه مخافة أن يفرض على الأمة فلا تستطيع القيام بهذه الفريضة0
وعدد ركعاتها ثمان ركعات دون الوتر لحديث عائشة رضي الله عنها: " ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة " [ متفق عليه ]0
--------------------------------------------------------------------------------
ولما أحيا عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه السنة جمع إحدى عشرة ركعة ، وصلّوا في زمانه ثلاثة وعشرين، وصلّوا بعده تسعاً وثلاثين ركعة ، والعمل على ثلاثة وعشرين كما في صلاة الحرمين الشريفين ، وهو قول الأئمة الثلاثة وغيرهم0
--------------------------------------------------------------------------------
ومما ابتلي به المسلمون اليوم في صلاة التراويح السرعة في القراءة وفي الركوع والسجود وغير ذلك0
وهذا مخل بالصلاة ، مذهب لخشوعها ، وقد يبطلها في بعض الحالات 000 والله المستعان
#####################################################################
إن المتأمل في رمضان ، وحكمته… يقف منبهرًا بهذا التوجيه الرباني المركز نحو الطاعة والقرب من الله تعالى ، والحث على فعل الخيرات ، وتضاعف الأجر .. وكل ذلك في مدة محددة محدودة مع كل ما في هذه المدة من أعمال ، ليكون المسلم مشغولاً طول ليله ونهاره بالقرب من ربه سبحانه وتعالى ، فهو بين الصيام، وقراءة القرآن ، والقيام، وبين صلة الرحم ، والبذل والجود ، ومعاونة أخيه المسلم .
ولعل من أجمل وأروع ما يربينا عليه رمضان ، قضية كسر العادة ، ليحررنا من أسر أي عادة مهما كانت، فيفك إسار عبوديتنا للمألوف ، فكما تعودنا أن نأكل ونشرب كل يوم ، أصبحنا مأمورين بالصوم حتى غروب الشمس ، وكما ألفنا الحرص على المال ، غدونا مطالبين بالبذل والتصدق ودفع زكاة الفطر ، وكما كان ليلنا للخلود والنوم، لزمنا القيام فيها لله تعالى بالصلاة .
وكل هذا التركيز في الطاعات هدفه تحقيق العبودية لله أولاً كما أمر، ثم الارتقاء والسمو الإيماني بالمسلم ليكون لديه من زاد التقوى والعبادة والورع ، ما يعينه في حياته وسط ضغوط الحياة ، وأمواجها المتلاطمة المحيطة به .
--------------------------------------------------------------------------------
رمضان … هذا الشهر العظيم الذي اختصه الله سبحانه وتعالى بالصيام ، وأكرمنا فيه سبحانه بفضله وكرمه ، فجعلنا بين ثلاث مراحل ؛ الرحمة والمغفرة والعتق من النار ، وضاعف لنا فيه الأجر والثواب في كل الأعمال ، فحثـنا ذلك كله على العبادة والطاعة ، فأقبل المسلمون على الطاعات ، وامتلأت المساجد بصفوف المصلين ، وحفلت المقارئ بقارئي القرآن ، وأصبح البذل والجود والتواصل والتراحم سمة ظاهرة في المجتمع ، وغدا رمضان وسيلة لتهذيب النفس وتربيتها على الجوع والعطش في سبيل الله ، وعلى اتخاذ الزهد منهج حياة ، وحتى على مستوى وسائل الإعلام أخذت مساحة الأعمال الدينية تزداد في هذا الشهر عن غيره من الشهور .
--------------------------------------------------------------------------------
وفي ظل هذه المظاهر الإيجابية ، غزت المسلمين مظاهر سلبية اختصت برمضان أيضآ ، ولا تسل عن هذا التناقض وكيف حدث ، فإن الواقع يشهد به ويؤكده وكم في حال المسلمين اليوم من تناقض!! فإلى جانب امتلاء المساجد بالعُمَّار جلس كثير من المسلمين في المقاهي والخيام الرمضانية والمجالس والإستراحات ، وأصبح هذا هو مكانهم الدائم ومأواهم الوحيد كل ليلة ، وكما كان رمضان وسيلة للزهد والتقشف، صار علامة للتبذير والإسراف ، وأخذت الموائد تزدان بمأكولات خاصة برمضان ، وكأنه أصبح احتفالية " طعامية " مادية لا احتفالية روحية .
وبمحاذاة المساحة الزائدة للبرامج الدينية في قنوات التلفاز ، غدا التلفاز طريقة من طرق الإفساد والإلهاء عن العبادة سواء بزيادة عدد ساعات الإرسال حتى طلوع الفجر ، أو بنوعية البرامج المقدمة ، وحتى المسلسلات الدينية - أو التي يفترض أن تكون دينية - غدا مدار الحديث فيها عن الحب والعشق ، وأما العادات الطيبة التي أرساها لنا رمضان من صلة الرحم والتعاون وحب الخير، قلبناها إلى مجال للحديث فيما هو غير نافع ، أو ضار كالغيبة والنميمة ، وتفشَّت بين المسلمين ظاهرة في غاية السوء وهي الكسل وكثرة النوم وقلة العمل،وكأنه شهر الكسالى والخاملين لا شهر الجدّ والنشاط !!
--------------------------------------------------------------------------------
علمنة شهر رمضان :
--------------------------------------------------------------------------------
في الدين هناك عبادات ومعاملات وأخلاق ، والعلمنة لما هو ديني ليست هي فصل الدين عن الدولة أو فصله عن الحياة اليومية وحسب ، بل قد تأخذ العلمنة شكل إدخال البعد المادي الدنيوي في الأخلاق والعبادات، وتحويل العبادات نفسها عن مقاصدها وغاياتها التي تخدم الرؤية الإسلامية لتنقلب في النهاية لخدمة نظم الحياة غير الإسلامية ، فتكون ممارسة الفرائض الدينية في ظاهرها مستمرة وتامة ، لكن في الحقيقة تخضع لعلمنة متدرجة ما تلبث أن تصبح قوية وفاصلة.
وينطبق هذا على رمضان ؛ إذ أنه الشهر الذي فرض علينا الله فيه الصيام ، وسن لنا الرسول صلى الله عليه وسلم فيه القيام ، وغايته الكبرى هي ربط المسلم في علاقة إيمانية بربه بالعبادة والذكر وبإخوانه في المجتمع بالتكافل والبر، لكن قد تحول إلى مناسبة إعلامية إعلانية يصرف فيها التلفاز والقنوات الفضائية الناس عن العبادة، ويزيد فيها استهلاكنا من الطعام نوعاً وكمًّ ا، ويتحول فيها السوق الإسلامي لسوق مروجة للبضائع الأجنبية التي تحاول تسويق إنتاجها بتوفير سلع " رمضانية "، بدءاً من فوانيس رمضان الصينية المزودة بالموسيقى ، مروراً بالعروض الخاصة للسحور في فروع المطاعم الأمريكية للوجبات السريعة ، وانتهاءً بملابس العيد المخفضة في بيوت الأزياء العالمية المختلفة .. حتى العادات الرمضانية الشعبية كالسهر والسمر في الأماكن الشعبية قد تحولت في بلدان كثيرة إلى سهرات فندقية تدخن فيها النرجيلة الشيشة ، والمعسل ويختلط فيها الرجال بالنساء ، وتنتهي مع السحور على أنغام الموسيقى الغربية .
وللتأمل في علمنة رمضان وكيف تحول تدريجيًا إلى هذه " العلمنة " بكل أبعادها .
--------------------------------------------------------------------------------
حكمة مشروعية الصيــام :
--------------------------------------------------------------------------------
على ضوء الحكمة العامة للتشريع ، وهي ربط المخلوق بالخالق ، وإعداد الإنسان لتحقيق خلافته في الأرض بالأخلاق الشخصية والاجتماعية يمكن توضيح الحكمة من الصيام فيما يأتي :
--------------------------------------------------------------------------------
1 - الصيام فيه تقديم رضا الله على النفس ، وتضحية بالوجود الشخصي بالامتناع عن الطعام والشراب ، وبالوجود النوعي بالإمساك عن الشهوة الجنسية ، وذلك ابتغاء وجه الله وحده ، الذي لا يتقرب لغيره من الناس بمثل هذا الأسلوب من القربات ، ومن هنا كان ثوابه عظيمًا، يوضحه ويبين علته قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
--------------------------------------------------------------------------------
" كل عمل ابن آدم يضاعف ، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله تعالى : إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي" رواه البخاري ومسلم .
وفي الصوم إحساس بمقدار نعمة الطعام والشراب والمتعة الجنسية عندما يحرم منها ونفسه تائقة إليها ، فيكون شكره عليها بالإطعام المتمثل في كثرة الصدقات في فترة الصيام ..
وفي توقيت الصيام بشهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن تذكير للإنسان بنعمة الرسالة المحمدية ، ونعمة الهداية القرآنية التي يكون الشكر عليها بالاستمساك بها " لعلكم تشكرون "، وفي فترة إشراق الروح بالصيام وتلاوة القرآن تتوجه القلوب إلى الله بالدعاء الذي لا يُردّ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
--------------------------------------------------------------------------------
" ثلاثة لا تُرد دعوتهم ، الصائم حتى يفطر - أو حين يفطر- والإمام العادل، ودعوة المظلوم " رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان، وحسنه الترمذي .
ولعل مما يشير إلى الإغراء في الصيام توسط قوله تعالى { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } بين آيات الصيام سورة البقرة .
--------------------------------------------------------------------------------
2 - في الصيام تخليص للإنسان من رِق الشهوة والعبودية للمادة ، وتربية عملية على ضبط الغرائز والسيطرة عليها ، وإشعار للإنسان بأن الحريات مقيدة لخير الإنسان وخير الناس الذين يعيش معهم ، هذا جهاد شاق يعوِّد الصبر والتحمل ، ويعلم قوة الإرادة ومضاء العزيمة ، ويعد الإنسان لمواجهة جميع احتمالات الحياة بحلوها ومرها وسائر متقابلاتها ليجعل منه رجلاً كاملاً في عقله ونفسه وجسمه ، يستطيع أن يتحمل تبعات النهوض بمجتمعه عن جدارة .
وقد شرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - علاجًا لقوة الشهوة لمن لا يستطيع الزواج ، ففي الحديث :
--------------------------------------------------------------------------------
" يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصيام فإنه له وجاء" أي قاطع . رواه البخاري ومسلم .
والإنسان إذا تحرر من سلطان المادة اتخذ لنفسه جُنَّةً قوية تحصنه ضد الأخطار التي ينجم أكثرها عن الانطلاق والاستسلام للغرائز والأهواء .
يقول النبي -صلى الله عليه وسل م - :
--------------------------------------------------------------------------------
"الصوم جُنَّة ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم إني صائم" رواه البخاري ومسلم
.
والصائم الذي يمتنع عن المحرمات وعن الحلال الذي تدعو له الشهوة إنسان عزيز كريم ، يشعر بآدميته وبامتيازه عن الحيوانات التي تسيِّرها الغرائز.
والصيام أيضًا يعوِّد التواضع وخفض الجناح ولين الجانب، وبالتالي يعرف الإنسان قدره ويحس بضعفه ، ومن عرف قدر نفسه تفتحت له أبواب الخير واستقام به الطريق .
إن الصيام إلى جانب ما فيه من صحة النفس فيه صحة بدنية أسهب المختصون في بيانها وتأكيد آثارها الطيبة، ففي الحديث: "صوموا تصحوا" رواه الطبراني عن رواة ثقات ، والصوم يعوِّد النظام والتحري والدقة ، وذلك بالتزام الإمساك عند وقت معين وحرمة الإفطار قبل حلول موعده ، قال تعالى { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ } ، كما أن في الصيام الصادق اقتصادًا وتوفيرًا يفيد منه الصائم، وتفيد أسرته وتفيد الأمة .
3 - الجوع والعطش حين يحس بهما الصائم تتحرك يده فتمتد بالخير والبر للفقراء الذين عانوا مثل ما عانى من ألم الجوع وحر العطش ، ومن هنا كانت السمة البارزة للصيام هي المواساة والصدقات وعمل البر، وكانت شعيرة يوم العيد هي زكاة الفطر للتوسعة على الفقراء ، وهي بمثابة امتحان للصائم بعد الدروس الطويلة التي تلقاها في شهر رمضان، وبهذا كانت زكاة الفطر جواز المرور لقبول الصوم كما يقول الحديث: "صوم رمضان معلق بين السماء والأرض لا يرتفع إلا بزكاة الفطر" رواه أبو حفص بن شاهين ، وهو يقبل في فضائل الأعمال .
الصيام بهذا المظهر يُعد للحياة الاجتماعية القائمة على التعاون على البر، وعلى الرحمة الدافعة لعمل الخير عن طيب نفس وإيمان واحتساب ، ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما-:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أجود بالخير من الريح المرسلة " رواه البخاري ومسلم.
والصيام الكامل عن كل المشتهيات يكف الإنسان عن الكذب والزور والفحش والنظر المحرم والغش وسائر المحرمات ، وفي الحديث الشريف :
"من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " رواه البخاري، والزور هنا معناه الباطل بكل مظاهره وألوانه، وقد رأى بعض العلماء أن الغيبة والنميمة يفسدان الصوم كما يفسده تناول الطعام ، لقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم - في شأن الصائمتين المغتابتين:
" صامتا عما أحل الله -الطعام- وأفطرتا على ما حرم الله " رواه أحمد وأبو داود .
وفي بيان أثر الصيام في العلاقات الاجتماعية قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في شأن المرأة التي تؤذي جيرانها بلسانها: " إنها في النا ر" بالرغم من كثرة صلاتها وصيامها رواه أحمد والحاكم وصححه .
هذا.. والصيام يعوِّد الإخلاص في العمل ومراقبة الله في السر والعلن ، وإذا كان هذا طابع الإنسان في كل أحواله أتقن عمله ، وأنجز ما يوكل إليه من المهمات على الوجه الأكمل ، وعف عن الحرام أيًا كان نوعه ، وعاش موفقًا راضيًا مرضيًا عنه ، وأفادت منه أمته إفادة كبيرة .