اللــــــذة
إن لذة العاقل بتمييزه,
ولذة العالم بعلمه,
ولذة الحكيم بحكمته,
ولذة المجتهد لله عز وجل بإجتهاده ,
أعظم من لذة الآكل بأكله,
والشارب بشربه,
والواطىء بوطئه,
والكاسب بكسبه,
واللاعب بلعبه والآمر بأمره .
برهان ذلك أن الحكيم والعاقل والعالم والعامل واجدون لسائر اللذات التي سمينا كما يجدها
المنهمك فيها, ويحسونها كما يحسها المقبل عليها, وقد تركوها وأعرضوا عنها وآثروا طلب
الفضائل عليها,
وإنما يحكم في الشيئين من عرفهما , لامن عرف أحدهما ولم يعرف الآخر .
إذا تعقبت الأمور كلها فسدت عليك وانتهيت في آخر فكرتك- باضمحلال جميع أحوال الدنيا- إلى
أن الحقيقة إنما هي العمل للآخرة فقط, لأن كل عمل ظفرت به فعقباه حزن إما بذهابه عنك
وإما بذهابك عنه, ولابد من أحد هذين السبيلين إلا أن العمل لله عز وجل فعقباه على حال سرور
في عاجل وآجل. أما العاجل في الدنيا فقلة الهم بما يهتم به الناس, إنك مُعظم به من الصديق والعدو, وأما الآجل: فالجنة
تطلبت غرضاً يستوي الناس كلهم في استحسانه وفي طلبه و فلم أجده إلا واحداً وهو طرد الهم
فكلما تدبرته علمت أن الناس كلهم لم يستووا في استحسانه فقط ولافي طلبه فقط, ولكن
رايتهم على اختلاف أهوائهم ومطالبهم, وتباين هممهم وراداتهم لا يتحركون حركة أصلاً
إلا فيما يرجون به طرد الهم, ولا ينطقون بكلمة أصلاً إلا فيما يعانون به إزاحته عن أنفسهم,
فمن مخطيء وجه سبيله ومن مقارب للخطأ, ومن مقارب وهو الأقل من الناس في الأقل من أموره . فطرد الهم لا يعتمد خلق الله بسعيهم شيئاً سواه.
إن في الناس من لادين له فلا يعمل للآخرة, وفي الناس من أهل الشر من لا يريد الخير ولا
الأمن ولا الحق وفي الناس من يؤثر الخمول بهواه وإرادته على بعد الصيت.
وفي الناس من لا يريد المال ويؤثر عدمه على وجوده ككثير من الأنبياء عليهم السلام ومن
تلاهم من الزهاد والفلاسفة, ومن الناس من يبغض اللذات بطبعه ويستنقص طالبها, وفي
الناس من يؤثر الجهل على العلم كأكثر من نرى من العامة.
وهذه هي أغراض الناس التي لا غرض لهم سواها وليس في العالم – مذ كان إلى أن يتناهى
أحد يستحسن الهم, ولايريدطرده عن نفسه.
إن السبيل الموصل إلى إلى هذا المطلوب النفيس الذي اتفق جميع أنواع الإنسان: الجاهل منهم
والعالم, والصالح والطالح على السعي له, فلم أجد إلا التوجه إلى الله عزّ وجلّ بالعمل للآخرة
وإلا فإنما طلب المال طلابه ليطردوا به همّ الفقر عن أنفسهم, وإنما طلب الصوت ( الذكر عند
الناس) من طلبه ليطرد به عن نفسه همّ الاستعلاء عليها وإنما طلب اللذات من طلبها ليطرد بها
عن نفسه همّ فواتها, وإنما طلب العلم من طلبه ليطرد عن نفسه همّ الجهل, وإنما هش إلى
سماع الأخبار ومحادثة الناس من يطلب ذلك ليطرد بها عن نفسه همّ التوحد ومغيب أحوال
العالم عنه. وإنما أكل من أكل وشرب من شرب, ونكح من نكح, ولبس من لبس ولعب من
لعب, وإكتن من إكتن ( من الكنية ), وركب من ركب, ومشى من مشى, وتودع من تودع
( من الوداعة) ليطردوا عن أنفسهم أضداد هذه الأفعال وسائر الهموم.
وفي كل ما ذكر لمن تدبره هموم حادثة لابد لها من عوارض تعرض خلالها 00000
ووجدت العمل للآخرة سالم من كل عيب, خالصاً من كل كدر, موصلاً إلى طرد الهم على الحقيقة, 00000
لذا فأعلم أن المطلوب لطرد الهم ليس له إلا سبيل واحد وهو العمل لله ـ تعالى ـ فما عدى هذا فضلال وسخف.
فلا تبذل نفسك إلا بما هو أعلى منها , فإن باذل نفسه في عرض دنيا كبائع الياقوت بالحصى, ولا مروءة لمن لادين له, والعاقل لا يرى لنفسه ثمناً إلا الجنة.
وأعلم أن من أبواب العقل والراحة, هو طرح المبالاة بكلام الناس, واستعمال المبالاة بكلام الخالق عزّ وجل, بل هذا باب العقل كله والراحة كلها, ومن قدّر أنه يسلم من كلام الناس فهو مجنون.
بتصرف من كتاب مداواة النفوس للإمام بن حزم
إن لذة العاقل بتمييزه,
ولذة العالم بعلمه,
ولذة الحكيم بحكمته,
ولذة المجتهد لله عز وجل بإجتهاده ,
أعظم من لذة الآكل بأكله,
والشارب بشربه,
والواطىء بوطئه,
والكاسب بكسبه,
واللاعب بلعبه والآمر بأمره .
برهان ذلك أن الحكيم والعاقل والعالم والعامل واجدون لسائر اللذات التي سمينا كما يجدها
المنهمك فيها, ويحسونها كما يحسها المقبل عليها, وقد تركوها وأعرضوا عنها وآثروا طلب
الفضائل عليها,
وإنما يحكم في الشيئين من عرفهما , لامن عرف أحدهما ولم يعرف الآخر .
إذا تعقبت الأمور كلها فسدت عليك وانتهيت في آخر فكرتك- باضمحلال جميع أحوال الدنيا- إلى
أن الحقيقة إنما هي العمل للآخرة فقط, لأن كل عمل ظفرت به فعقباه حزن إما بذهابه عنك
وإما بذهابك عنه, ولابد من أحد هذين السبيلين إلا أن العمل لله عز وجل فعقباه على حال سرور
في عاجل وآجل. أما العاجل في الدنيا فقلة الهم بما يهتم به الناس, إنك مُعظم به من الصديق والعدو, وأما الآجل: فالجنة
تطلبت غرضاً يستوي الناس كلهم في استحسانه وفي طلبه و فلم أجده إلا واحداً وهو طرد الهم
فكلما تدبرته علمت أن الناس كلهم لم يستووا في استحسانه فقط ولافي طلبه فقط, ولكن
رايتهم على اختلاف أهوائهم ومطالبهم, وتباين هممهم وراداتهم لا يتحركون حركة أصلاً
إلا فيما يرجون به طرد الهم, ولا ينطقون بكلمة أصلاً إلا فيما يعانون به إزاحته عن أنفسهم,
فمن مخطيء وجه سبيله ومن مقارب للخطأ, ومن مقارب وهو الأقل من الناس في الأقل من أموره . فطرد الهم لا يعتمد خلق الله بسعيهم شيئاً سواه.
إن في الناس من لادين له فلا يعمل للآخرة, وفي الناس من أهل الشر من لا يريد الخير ولا
الأمن ولا الحق وفي الناس من يؤثر الخمول بهواه وإرادته على بعد الصيت.
وفي الناس من لا يريد المال ويؤثر عدمه على وجوده ككثير من الأنبياء عليهم السلام ومن
تلاهم من الزهاد والفلاسفة, ومن الناس من يبغض اللذات بطبعه ويستنقص طالبها, وفي
الناس من يؤثر الجهل على العلم كأكثر من نرى من العامة.
وهذه هي أغراض الناس التي لا غرض لهم سواها وليس في العالم – مذ كان إلى أن يتناهى
أحد يستحسن الهم, ولايريدطرده عن نفسه.
إن السبيل الموصل إلى إلى هذا المطلوب النفيس الذي اتفق جميع أنواع الإنسان: الجاهل منهم
والعالم, والصالح والطالح على السعي له, فلم أجد إلا التوجه إلى الله عزّ وجلّ بالعمل للآخرة
وإلا فإنما طلب المال طلابه ليطردوا به همّ الفقر عن أنفسهم, وإنما طلب الصوت ( الذكر عند
الناس) من طلبه ليطرد به عن نفسه همّ الاستعلاء عليها وإنما طلب اللذات من طلبها ليطرد بها
عن نفسه همّ فواتها, وإنما طلب العلم من طلبه ليطرد عن نفسه همّ الجهل, وإنما هش إلى
سماع الأخبار ومحادثة الناس من يطلب ذلك ليطرد بها عن نفسه همّ التوحد ومغيب أحوال
العالم عنه. وإنما أكل من أكل وشرب من شرب, ونكح من نكح, ولبس من لبس ولعب من
لعب, وإكتن من إكتن ( من الكنية ), وركب من ركب, ومشى من مشى, وتودع من تودع
( من الوداعة) ليطردوا عن أنفسهم أضداد هذه الأفعال وسائر الهموم.
وفي كل ما ذكر لمن تدبره هموم حادثة لابد لها من عوارض تعرض خلالها 00000
ووجدت العمل للآخرة سالم من كل عيب, خالصاً من كل كدر, موصلاً إلى طرد الهم على الحقيقة, 00000
لذا فأعلم أن المطلوب لطرد الهم ليس له إلا سبيل واحد وهو العمل لله ـ تعالى ـ فما عدى هذا فضلال وسخف.
فلا تبذل نفسك إلا بما هو أعلى منها , فإن باذل نفسه في عرض دنيا كبائع الياقوت بالحصى, ولا مروءة لمن لادين له, والعاقل لا يرى لنفسه ثمناً إلا الجنة.
وأعلم أن من أبواب العقل والراحة, هو طرح المبالاة بكلام الناس, واستعمال المبالاة بكلام الخالق عزّ وجل, بل هذا باب العقل كله والراحة كلها, ومن قدّر أنه يسلم من كلام الناس فهو مجنون.
بتصرف من كتاب مداواة النفوس للإمام بن حزم
تعليق