بسم الله الرحمن الرحيم :
المقدمة :
_____
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-
لقد أذن الله سبحانه وتعالى بظهور دعوة الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في منتصف القرن الثاني الهجري ، بعد أن أطبقت الجهالة على الأرض و خيمت الظلمات على البلاد ، وانتشر الشرك والضلال والابتداع في الدين ، وانطمس نور الإسلام ، و خفي منار الحق والهدى ، وذهب الصالحون من أهل العلم فلم يبق سوى قلة قليلة لا يملكون من الأمر شيئاً ، واختفت السنة وظهرت البدعة ، وترأس أهل الضلال والأهواء ، وأضحى الدين غريباً والباطل قريباً ، حتى لكأنّ الناظر إلى تلك الحقبة السوداء المدلهمّة ليقطع الأمل في الإصلاح و يصاب بيأس قاتل في أية محاولة تهدف إلى ذلك .
و يمكننا القول إن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعد البداية الحقيقية لما حدث في العالم الإسلامي من يقظة جاءت بعد سبات طويل ، و ما تمخض عنها من صحوة مباركة ورجعة صادقة إلى الدين .
إن الدعوة السلفية التي دعا إليها الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر الهجري لم تكن سوى الدعوة التي نادى بها المصلح العظيم والإمام المجدد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في القرن الثامن الهجري ، و هي نفس الدعوة التي أوذي من أجلها إما أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل رحمه الله في القرن الثالث الهجري ، و هي تعني باختصار الرجوع إلى الإسلام كما أنزل على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وفهم الصحابة والتابعون وتابعوهم من أهل القرون المفضلة ، عقيدة و شريعة و سلوكاً .
وهي الدعوة التي تكفل الله بحفظها ووعد من حملها بالظهور والنصر إلى قيام الساعة مهما خذلها المتخاذلون وخالفها الخصوم والمناوئون .
إننا اليوم لتمر علينا أيام حالكة الظلام ، ظلام يحجب عن معظم الناس الرؤية الواضحة ، فظلام في التصور : فليس هناك فرق لدى العامة بين ما يقوله الله تعالى وبين ما يقوله الجهلاء من بني البشر ، وظلام في التلقي : فهذا يتلقى عن داعية القومية ، وذاك ينادي بالوطنية ، وثالث يرفع عقيرته منادياً بالعدالة الاجتماعية ، ورابع يعبد الرأسمالية والديمقراطية .
وكثير ممن يزعمون أنهم من علماء الدين وقد أضلهم الله على علم نراهم يرقصون ويترنحون ما بين قبر البدوي ومقام الحسين .. وغيره مما عُرف بالعتبات المقدسة ، و إذا ما أراد أحدهم أن يؤلف كتاباً عن إمام من أئمة الابتداع ، ذهب إلى قبره يستشيره في تأليف هذا الكتاب ، وآخر نراه يتحدث في كل مناسبة بأن تلاميذه يصافحون رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة و ليس في المنام ، وإذا ما زار أحدهم المدينة النبوية ، دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حفل غذاء أو عشاء ، يحضره كبار الصحابة والتابعين وأولياء الله .
وإذا كان هذا شأن المنسوبين إلى العلم ، فماذا ننتظر من دهماء الناس ؟! إن عبادة الآلهة من دون الله مازالت قائمة وإن تغيرت الأسماء وتباينت الألفاظ ، فالقومية بدلاً من اللات ، والوطنية بدلاً من هبل ، و الرأسالية بدلاً من العزى ، وفي هذا الليل الذي أرخى سدوله وزادت ظلمته وتباعد فجره ، تفتقد الأمة إلى أمثال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب .
هذا وإني قسمت الموضوع إلى ثلاثة فصول :
فأما الفصل الأول : تحدثت فيه عن ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب : نسبه ، ومولده ونشأته العلمية ، وأثر البيئة في توجيه الشيخ علمياً ، ورحلة الشيخ وطلبه للعلم ، ومؤلفات الشيخ ، وعلم الشيخ وصفاته ، وأبناء الشيخ ، ثم وفاة الشيخ رحمه الله .
والفصل الثاني : كان الكلام فيه عن نهضة الشيخ في الإصلاح الديني : حالة نجد قبل الدعوة من حيث الديانة والسياسية ، وبداية الشيخ في الإصلاح الديني ، ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في حريملاء ، ورحيل الشيخ إلى العيينة ، وطرد الشيخ من العيينة ونزوله بالدّرعية ، واللقاء بين الشيخ والأمير محمد بن سعود ، وأعمال الشيخ بالدرعية .
والفصل الثالث : بيّنت فيه عقيدة الشيخ وفكره : فكان الكلام عن معتقد الشيخ في أركان الإيمان ، وبيان معتقد الشيخ في أركان الإسلام ، ثم بيان معتقد الشيخ في قضايا مختلفة .
هذا وإن الحديث عن المصلحين وأئمة الدين لا يبلى مهما تعدد , ولا يمل مهما تردد , لأن الحديث عنهم معين ثري , يستطيبه الكاتب والمتحدث , كما يولع به المتقى والسامع .
وإمامنا محمد بن عبد الوهاب أجزل الله له الثواب ، تعددت الكتابات عنه ولكنها سير في أثر , والتجدد فيها فكر ولفظا لم يتح , ولهذا بقيت الأجيال محتاجة , إلى تجديد وتقريب وتواقة ، ودعوة الشيخ التي هي دعوة الإسلام , يمكن أن يتحدث عنها المؤرخ فيسهب , والأديب فيطنب , والعالم فيؤسس , والمربي فيقرب .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ، وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كتـبه
حسن قاري الحسيني
في 1 جمادى الثاني 1425 هـ
المنامة ـ البحرين
الفصل الأول
ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
أولاً : نسب الشيخ .
ثانيا : مولده ونشأته العلمية .
ثالثًا : أثر البيئة في توجيه الشيخ علميًا .
رابعًا : رحلة الشيخ وطلبه للعلم .
خامسًا : مؤلفات الشيخ .
سادسًا : علم الشيخ وصفاته .
سابعًا : أبناء الشيخ .
ثامنًا : وفاة الشيخ رحمه الله .
الفصل الأول
ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
ترجم للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، كثير من المؤرخين والأدباء والكتاب وأصحاب التراجم والعلماء .. كثرة لم تقع إلا للأعلام المجددين ، بل لو استقرأنا عدد التراجم للعلماء والأعلام في جميع الميادين الإسلامية من بعد عصره ؛ لوجدنا أن ترجمة الشيخ تأخذ أعلى رقم من بين هذه التراجم ، وقل أن تجد كتاب تاريخ أو تراجم لأهل عصره أو ليقظة المسلمين الحديثة وحاضر العالم الإسلامي ، أو لآل سعود على الخصوص ؛ إلا وتجد للشيخ ترجمة أو شيئاً منها .
أولاً : نسب الشيخ :
هو محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن محمد بن بريد بن مشرف بن عمرو بن معضاد بن ريس بن زاخر بن محمد بن علوي بن وهيب .
ثانيا : مولده ونشأته العلمية :
ولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب سنة ألف ومائة و خمس عشرة ( 1115 هـ ) ، من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، في بلدة العيينة من بلدان نجد .
تعلم القرآن وحفظه عن ظهر قلب قبل بلوغه عشر سنين ، و كان حاد الفهم وقّاد الذهن ذكي القلب سريع الحفظ ، قرأ على أبيه في الفقه ، و كان رحمه الله في صغره كثير المطالعة في كتب التفسير والحديث وكلام العلماء في أصل الإسلام ، فشرح الله صدره في معرفة التوحيد وتحقيقه ومعرفة نواقضه المضلة عن طريقه ، و جد في طلب العلم وأدرك و هو في سن مبكرة حظاً وافراً من العلم ، حتى إن أباه كان يتعجب من فهمه ويقول : لقد استفدت من ولدي محمد فوائد من الأحكام .
وهكذا نشأ الشيخ محمد بن عبد الوهاب نشأة علمية ؛ فأبوه القاضي كان يحثه على طلب العلم و يرشده إلى طريق معرفته ، ومكتبة جده العلامة القاضي سليمان بن علي بأيديهم ، و كان يجالس بعض أقاربه من آل مشرف وغيرهم من طلاب العلم ، وبيتهم في الغالب ملتقى طلاب العلم وخواص الفقهاء سيما الوافدين باعتباره بيت القاضي ، ولا بد أن يتخلل اجتماعاتهم مناقشات ومباحث علمية يحضرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب .
ثالثًا : أثر البيئة في توجيه الشيخ علمياً :
لقد أبصر الشيخ البيئة من حوله بواقعها ، والناس في حياتهم على الغالب في تناقض وتصادم ، مع ما نشأ عليه من علم وما عرفه من الحق على يد أبيه ، ومن خلال مطالعته لكتب المحققين من علماء السلف الصالح ، فما تعلّمه في وادٍ ، والواقع الجاري من الناس على العموم والغالب في وادٍ آخر .
ذلك أن البيئة في نجد على الخصوص كما هو سائر البلاد الأخرى على العموم بيئة جاهلية بيئة خرافة وبدعة ، امتزجت بالنفوس فأصبحت جزءاً من عقيدتها إن لم تكن هي عقيدتها .
ولاشك أن بيئة هذه عقيدتها مناقضة لما نشأ عليه الشيخ ولما تربى وتعلمه ، فكان لابد أن يخرج إلى هذه البيئة يعاملها بمقتضى سنة الله في خلقه ، والشيخ بين أمرين :
إما أن يستسلم للبيئة ويصبح مثل الآخرين ، وإما أن يصمّم على محاربة الخرافة المنتشرة .. لكن قد اختار الشيخ رحمه الله على أن يقوم لله قومة انصدعت لها جبال الجاهلية وتقطعت بها غيوم الباطل وشبهاته ، فعزم على تنحية البدع من الحياة التي حوله ، و إيقاظ النائمين وتنبيه الغافلين ، والعمل على نشر الإسلام والنور من الكتاب والسنة وسيرة الصالحين .
رابعًا : رحلة الشيخ وطلبه للعلم :
هنا توجه الشيخ للرحلة في طلب العلم ؛ للتسلح بسلاح ماض قاطع ؛ فإن إنكار الشيخ لهذه الأمور الشائعة جعلته في مواجهة مع علماء السوء وتلبيساتهم وشبهاتهم ، وتأليب العامة عليه ، وتهتمهم إياه بالانحراف والجهل ، فكان كل ذلك يزيد من حرصه على تحصيل العلم وإدراك الحق ؛ فلابد أن يرحل في طلب العلم وتحقيق ما شرح الله له صدره من حقيقة هذا الدين القيم .
فرحل الشيخ إلى مكة والمدينة والبصرة غير مرة طلباً للعلم ، ولم يتمكن من الرحلة إلى الشام ، وتتلمذ على جمع كبير من العلماء منهم :
الشيخ عبد الله بن إبراهيم آل السيف ، والشيخ على أفندي ، والشيخ إسماعيل العجلوي ، والشيخ عبد اللطيف العفالقي ، والشيخ محمد العفالقي ، والشيخ محمد المجموعي .. وغيرهم .
غير أنّه قلّت نفقته فقفل راجعًا ، فأتى الإحساء ، فنزل بها عند الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف الشافعي ، وقرأ عنده ما شاء الله أن يقرأ ، ثم توجّه إلى ( حريملاء ) حيث أنّ أباه قد انتقل إليها ، فلازمه واشتغل عليه في علم التفسير والحديث وغيرهما .
وعكف على كتب الشيخين : شيخ الإسلام ابن تيمية ، والعلامة ابن القيم ـ رحمها الله ـ فزادته تلك الكتب علمًا ونورًا وبصيرة ، ونفخت فيه روح العزيمة ، وكان لكتب هذين الإمامين أكبر الأثر في تكوين شخصيته العلمية المتميّزة ، ورأى الشيخ بثاقب نظره ما بنجد وما بالأقطار التي رحل إليها من العقائد الضالة ، والعادات الفاسدة ، فصمّم على القيام بالدعوة الإصلاحية .
خامسًا : مؤلفات الشيخ :
قام الشيخ رحمه الله تعالى بتأليف عدد من الكتب والرسائل المهمة ، و قد امتازت مؤلفات الشيخ رحمه الله بالأسلوب القرآني المحض ، وأدلته كلها مأخوذة من القرآن والسنة ، و ذو أسلوب واضح لا يوجد فيه أي تعقيد :
1. كتاب التوحيد : و هذه الرسالة هي من أشهر مؤلفاته ، و ذكر فيه الشيخ حقيقة التوحيد و حدوده ، و الشرك و مفاسده .
2. كتاب كشف الشبهات : ونستطيع أن نسميه تكملة لكتاب التوحيد .
3. كتاب الأصول الثلاثة : و هي معرفة الرب ، و معرفة دين الإسلام ، و معرفة الرسول .
4. كتاب شروط الصلاة و أركانها .
5. كتاب القواعد الأربع : حيث ذكر في هذه الرسالة بعض نواحي التوحيد على طريقة مؤثرة و سهلة .
6. كتاب فضل الإسلام : و قد وضح فيه مفاسد البدع و الشرك ، كما وضح شروط الإسلام .
7. كتاب الكبائر .
8. كتاب نصيحة المسلمين : و هذا كتاب مستقل قد جمع فيه أحاديث تتعلق بجميع نواحي التعليمات الإسلامية .
9. الهدي النبوي : و هو ملخص لكتاب زاد المعاد للإمام ابن القيم رحمه الله .
10. كتاب السيرة : و هو ملخص من كتاب السيرة لابن هشام .
11. كتاب تفسير لبعض سور القرآن : و هي مجموعة لبعض تعليقات الشيخ على آيات وسور مختلفة من القرآن و قد استنبط عشرات من المسائل من آية واحدة ، و هذه هي أهم مزاياها .
و للشيخ عدة رسائل صغيرة أخرى غير ما ذكرنا .
سادسًا : علم الشيخ وصفاته :
كان الشيخ رحمه الله تعالى علماً من الأعلام ، ناصراً للسنة وقامعاً للبدعة ، خبيراً مطلعاً ، إماماً في لتفسير والحديث والفقه وأصوله ، وعلوم الآلة كالنحو والصرف والبيان ، عارفاً بأصول عقائد الإسلام وفروعها ، كشافاً للمشكلات ، حلالاً للمعضلات ، فصيح اللسان ، قوي الحجة ، مقتدراً على إبراز الأدلة وواضح البراهين بأبلغ عبارة وأبينها ، تلوح على محياه علامات الصلاح وحسن السير ، وصفاء السريرة ، يحب العباد ويغدق عليهم من كرمه ويصلهم ببره وإحسانه ، ويخلص لله في النصح والإرشاد ، كثير الاشتغال بالذكر والعبادة ، قلما يفتر لسانه من ذكر الله .
وكان يعطي عطاء الواثق بربه ، ويتحمل الدَّين الكثير لضيوفه ومن يسأله ، وكان عليه أبهة العظمة ، تنظره الناس بعين الإجلال والتعظيم مع كونه متصفاً بالتواضع واللين ، مع الغني والفقير ، والشريف والوضيع .
وكان يخصّ طلبة العلم بالمحبة الشديدة ، وينفق عليهم من ماله ، ويرشدهم على حسب استعدادهم ، وكان يجلس كل يوم ، عدة مجالس ليلقي دروسه في مختلف العلوم : من توحيد ، وتفسير،وحديث ،وفقه ،وأُصول وسائر العلوم العربية ، وكان عالماً بدقائق التفسير والحديث،وله الخبرة التامة في علله ورجاله، غير ملول ولا كسول من التقرير والتحرير،والتأليف والتدريس.
وكان صبوراً عاقلاً ،حليماً ، لا يستفزه الغضب إلا أن تنتهك حرمة الدين أو تهان شعائر المسلمين ، فحينئذ يناضل بسيفه ولسانه ، معظماً للعلماء ، منوهاً بما لهم من الفضائل ، آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر ، غير صبور على البدع ، ينكر على فاعليها بلين ورفق ، متجنباً الشدة والغضب والعنف ، إلا أن تدعو إليه الحاجة .
ولا غرو إذا اتصف الشيخ بتلك السجايا الحميدة ، والأخلاق الكريمة ، فقد ورث تلك عن آبائه وأسلافه الأبرار ،لأنهم كانوا معروفين بالعلم والفضل والزهد .
سابعًا : أبناء الشيخ :
ذكر في ( عنوان المجد ) أن الشيخ رحمه الله قد أخذ عنه العلم عدّة من العلماء الأجلاء ، منهم أبناؤه الأربعة العلماء ، والقضاة الفضلاء ، الذين درسوا العلوم الشرعية والفنون الأدبية كما درسوا الفروع والأصول ، وصارت لهم ملكة في المعقول والمنقول ، وهم : حسين ، عبد الله ، علي ، إبراهيم .
وقد كان لكل واحد منهم – قرب بيته – مدرسة ، وعنده من طلاب العلوم من أهل الدرعية والغرباء العدد الكثير ، بحيث قد يعده السامع أنه قد بولغ في العدد ، ولا زال العلم في ذرية الشيخ وسيكون – إن شاء الله – باقياً إلى أن تقوم الساعة .
وآل الشيخ في هذا اليوم ، هم القائمون في المملكة العربية السعودية بالوظائف الدينية ، من الإفتاء ، والتدريس ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ورئاسة المعاهد والكليات ، وحل المشاكل ، والدفاع عن حوزة الدين ، ونصر شريعة سيد المرسلين فجزاهم الله أحسن الجزاء ، ووفقنا وإياهم لما يحبه ويرضاه .
ثامنًا : وفاة الشيخ رحمه الله :
في عام ست ومائتين وألف من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم (1206 هـ ) توفي الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، وكان للشيخ من العمر نحو اثنتين وتسعين سنة ، وتوفي ولم يخلِّف ديناراً ولا درهماً ، فلم يوزع بين ورثته مال ولم يقسَّم .
الفصل الثاني
نهضة الشيخ في الإصلاح الديني
حالة نجد قبل الدعوة من حيث الديانة .
حالة نجد السياسية .
بداية الإصلاح الديني .
دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في حريملاء .
رحيل الشيخ إلى العيينة .
طرد الشيخ من العيينة ونزوله بالدّرعية .
اللقاء بين الشيخ والأمير محمد بن سعود .
أعمال الشيخ بالدرعية .
الفصل الثاني
نهضة الشيخ في الإصلاح الديني
حالة نجد قبل الدعوة من حيث الديانة :
سبق أن ذكرنا لك أيها القارئ الكريم ، أن الشيخ رحمه الله زار الحجاز والإحساء والبصرة والزبير، ليروي ظمأه من مناهل العلوم الدينية ويتفهم أصول الدين وشرائعه القويمة ، ويقف على أحوال أولئك الأقوام وعقائدهم وعلومهم ، بعدما شاهد في نجد– وطنه – ما شاهد من المنكرات الأثيمة والشركيات القبيحة الذميمة القاتلة لمعني الإنسانية.
وكان أيام تحصيله يقرر لسامعيه ومخالطيه ما فهمه من الدين والتوحيد ، ويبين قبائح ما تأتيه العامة وأشباه العامة من أدعياء العلم .
وعندما كان في المدينة المنورة يسمع الاستغاثات برسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاءه من دون الله ، فكان مرجل غيظه ينفجر ، فقال للشيخ محمد حياة السندي : ما تقول يا شيخ في هؤلاء ؟ فأجابه على الفور : ( إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُون ) .
درس أحوال نجد وأهل البلدان التي زارها ، ورأى ما هم فيه من بُعدٍ عن الدين ، ولاسيما نجد ، ماذا رأى ؟
رأى نجداً كما يحدثنا المؤرخون لنجد ، كابن بشر ، وابن غنام ، مرتعاً للخرافات والعقائد الفاسدة التي تتنافي مع أصول الدين الصحيحة ، فقد كان فيها كثير من القبور تنسب إلى بعض الصحابة ، يحج الناس إليها ويطلبون منها حاجاتهم ، ويستغيثون بها لدافع كروبهم .
فقد كانوا في الجُبيلة ، يؤمون قبر زيد بن الخطاب ، ويتضرعون لديه ، ويسألونه حاجاتهم ، وكذلك في الدرعية ، كان قبر لبعض الصحابة كما يزعمون ، وأغرب من ذلك ، توسلهم في بلد المنفوحة بفحل النخل ، اعتقادهم أن من تؤمّه من العوانس تتزوج !! فكانت من تقصد تقول : " يا فحل الفحول ، أُريد زوجاً قبل الحول " ، وفي الدرعية ، كان غار يقصدونه ، بزعم أنه كان ملجأً لإحدى بنات الأمير التي فرت هاربة من تعذيب بعض الطغاة .
وفي شعب غبيرا ، قبر ضرار بن الأزور ، كانوا يأتون لديه من الشرك والمنكر ما لعل مثله ، لا يتصور ، ورأى في الحجاز ، من تقديس قبور الصحابة وأهل البيت والرسول صلى الله عليه وسلم ، مالا يسوغ إلا مع رب الأرباب .
كما رأى في البصرة والزبير ، وسمع عن العراق والشام ومصر واليمن من الوثنية الجاهلية ما لا يستسيغه العقل ، ولا يقره الشرع ، كما سمع عن العيدروس في عدن والزيلعي في اليمن الشيء الكثير .
رأى ما رأى ، وسمع ما سمع ، وتحقّق ، ووازن تلك الأفعال المنكرة بميزان الوحيين كتاب الله المبين وسيرة الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم وأصحابه المتقين ، فرآهم في بُعدٍ عن منهج الدين وروحه .
رآهم لم يعرفوا لماذا بعث الله الرسل ؟ ولماذا بعث الله محمداً للناس كافة ؟ ورأى أنهم لم يعرفوا حالة الجاهلية ،وما كان فيها من الوثنية الممقوتة ، رآهم غيروا وبدلوا أصول الدين وفروعه ، إلا القليل ، هذه حالتهم في دينهم وعبادتهم .
حالة نجد السياسية :
أما حالتهم السياسية فليس هناك قانون ولا شريعة إلا ما قضت به أهواء الأمراء وعمالهم ، وكانت نجد منقسمة إلى ولايات عديدة ، يحكم كل واحدة منها أمير ، لا تربطه وجاره أية رابطة ، علمًا بأنّ الجزيرة العربية لم تشمل بالحكم العثماني المركزي المباشر ، بل اكتفت الدولة العثمانية بالسلطة الاسمية عليها .
ومن أهم هؤلاء الأمراء بنو خالد في الإحساء ، وآل معمر في العيينة ، والأشراف في الحجاز ، وعدا هؤلاء ، أمراء لا يعبأ بذكرهم ، وقد كان أولئك الأقوام في حروب دائمة ، لاسيما مع البادية ، وكان الأمير على قدم الاستعداد ، عندما تسنح الفرص ، ليعتدي على جيرانه إذا بدا من هؤلاء الجيران ضعف أو عدم استعداد ، حتى يقول المؤرخ حسين خزعل واصفًا تلك الحالة : " .. ولا سيما نجد ، فقد كانت العصبيات فيها قائمة على قدمٍ وساق ، لكلّ عشيرة دولة ، ولكل قريةٍ مشيخة تعتزّ بسلطانها .. ولكل حاكم من أولئك الحكام حوزته الخاصة .. وكان أولئك الحكام في حالة حربٍ دائمة .. وكانت سياسة الدولة العثمانية يومئذ تحبّذ هذه الحالة !! وتسعى لانتشارها وتشجّع بدورها بعض حكام السوء .. ليسود الجهل وتنتشر البدع " .
هكذا كانت حالة بلاد العرب عند إياب الشيخ من رحلته العلمية.
بداية الإصلاح الديني :
وبعد أن ثبت لديه وتحقق حالتهم السيئة في دينهم ودنياهم ورأى إقرار العلماء في الحجاز وفي نجد وسائر الأقطار ، على تلك المنكرات والمبتدعات إلا القليل منهم ممن كان لا يتجاسر أن يبوح بمقت ما فعلوا ، وأيقن أنهم قد أدخلوا في أصول الإسلام العليا ما يأباه القرآن ، وما تأباه السنة المحكمة ،حينئذ صمّم الشيخ أن يعالن قومه بأنهم قد ضلوا الطريق السويّ ، وزاغوا عن منهج الصواب .
حقاً إن المواقف دقيق حرج ، يحتاج إلى شجاعة ماضية ، وإلى إيمان لا يبالي بالأذى في سبيل إرضاء الله وإرضاء الحق الذي اقتنع به ، وسبيل إنقاذ البشرية المعذّبة ، كما يحتاج إلى عدة كافية من قوة اللسان ، وإصابة البرهان ، ليواجه ما يجابهه من شبهات واعتراضات ، لابد منها ، ثم إلى مؤازر قوي يحمي ظهره ، ويدافع عن دعوته .
دعوة الشيخ في حريملاء :
ابتدأ الشيخ رحمه الله ، دعوته لقومه في بلدة ( حريملاء ) وبين لهم أن لا يدعى إلا الله ، ولا يذبح ولا ينذر إلا له ، وأن عقيدتهم في تلك القبور والأحجار والأشجار ، من الاستغاثة بها ، وصرف النذور إليها ، واعتقاد النفع والضر منها ، ضلال وزور ، وبأنهم في حالة لا ترضي ، فلابد من نبذ ذلك ، وعزز كلامه بآي من كتاب الله المجيد وأقوال الرسول وأفعاله ، وسيرة أصحابه .
فوقع بينه وبين الناس نزاعٌ وجدال ، حتى مع والده العالم الجليل ، لأنه كان مغتراً بأقاويل المقلدين السالكين تلك الأفعال المنكرة في قوالب حبّ الصالحين .
فاستمر الشيخ يجاهد بلسانه وقلمه وإرشاده ، وتبعه أُناس من أهل تلك البلدة ، حتى انتقل أبوه عبد الوهاب إلى جوار رب الأرباب سنة 1153هـ ، والظاهر أن والده اقتنع بأقوال ابنه ومبادئه ، كما اقتنع أخوه سليمان بعدما وقع بينه وبينه نزاع وردود ، وبعد وفاة والده ، جاهر قومه بالدعوة والإنكار على عقائدهم الضالة ، ودعا إلى متابعة الرسول في الأقوال والأفعال .
وكان في تلك البلدة قبيلتان ، وكل يدعي الزعامة ، وليس هناك من يحكم الجميع ، ويأخذ حق الضعيف ، ويردع السفيه ، وكان لإحدى القبيلتين ، عبيد يأتون بكل منكر وفساد ، ولا يحجمون عن التعدِّي على العباد ، فصمّم الشيخ على منعهم وردعهم ، ولما أحسَّ أولئك الأرقاء بما صمم عليه الشيخ ، عزموا أن يفتكوا به خفية فتسوروا عليه من وراء الجدار ، فشعر بهم بعض الناس ، فصاحوا بهم وهربوا .
رحيل الشيخ إلى العيينة :
عندها غادر الشيخ ( حريملاء ) إلى ( العيينة ) مسقط رأسه ، وموطن آبائه ، وحاكمها إذ ذاك عثمان بن حمد بن معمر ، فتلقاه بكل إجلال وإكرام ، وبيّن الشيخ له دعوته الإصلاحية المباركة ، القائمة على دعائم الكتاب والسنة المطهرة ، وشرَح له معني التوحيد ، وأن أعمال الناس اليوم وعقائدهم منافية للتوحيد ، وتلا عليه الآيات والأحاديث النبوية ، ورجا له من الله– إن قام بنصر ( لا إله إلا الله ) – أن ينصره الله ويعلي كلمته ، وتكون له السيادة والزعامة على نجد وغيرها ، وله السعادة الأبدية إن شاء الله .
فقبل عثمان ، ورجّب بما قال الشيخ ، فعالن الشيخ بالدعوة إلى الله ، وإفراد العبادة لله ، والتمسك بسنة رسول الله ، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وقطع الشيخ الأشجار المعظمة هناك ، وهدم قبة زيد بن الخطاب ، بمساعدة عثمان الأمير ، وأقام الحد على امرأة اعترفت بالزنا مراراً ، بعد ما تأكّد من صحّة عقلها وكمال حواسها .
فاشتهر أمر الشيخ ، وذاع صيته في البلدان ، فبلغ خبره سليمان بن محمد بن عريعر ـ حاكم الإحساء وبني خالد ـ ، فبعث إلى عثمان بن معمر كتاباً جاء فيه :
" .. إن المطوّع الذي عندك ، قد فعل ما فعل ، وقال ما قال ، فإذا وصلك كتابي فاقتله ، فإن لم تقتله ، قطعنا خراجك الذي عندنا في الإحساء " .
فعظم على عثمان الأمر ، وكبر عليه مخالفة ابن عريعر ، وغاب عن ذهنه عظمة رب العالمين ، وكانت النتيجة من جراء ذلك الكتاب وضعف إيمان ابن معمر أن أمر بإخراج الشيخ من بلده ، ولم يفد فيه وعظ الشيخ ونصحه ، وأنه لابد للداعي والمصلح من أن يناله الأذى ، ولابد أن تكون العاقبة للمتقين .
طرد الشيخ من العيينة ونزوله بالدّرعية :
فخرج الشيخ رحمه الله ، يمشي على رجليه موكلاً به فارس يمشي من خلفه، وليس مع الشيخ إلا المروحة في أشد وقت الحر من الصيف ، فهم الفارس بقتل الشيخ ، فارتعدت يده وكفى الله شره ، وكان الشيخ في مشيه لا يفتر عن ذكر الله ، ويردّد قوله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) .
ونزل الشيخ بالدرعية وقت العصر سنة1158 هـ ضيفاً على عبد الرحمن بن سويلم ، وابن عمه أحمد بن سويلم ، وخاف ابن سويلم على نفسه من الأمير محمد بن سعود ، لأنه كان يعلم حالة الناس ، وأنهم لا يقبلون ما أتى به هذا العالم الجليل ، ويقابلون ذلك بالأذى ، ولاسيما من بيده الأمر .
ولكن الشيخ الممتليء إيماناً وثقة بالله ، سكن جأشه ، وأفرغ عليه من العظات وملأه رجاءًا وعدةً بأنه لابد من أن يفرج الله وينصره نصراً مؤزراً ، فعلم به الخواص من أهل الدرعية ، فزاروه خفية ، فشرح لهم معاني التوحيد وما يدعو إليه .
اللقاء بين الشيخ والأمير محمد بن سعود :
كان للأمير محمد بن سعود أخوان : مشاري وثنيان ، وزوجة كانت لبيبة عاقلة ، فبين الأخوان – بعدما نهلا من مناهل الشيخ – لأخيهما الأمير ، أن الشيخ محمداً نازل ضيفاً على ابن سويلم ، وأن هذا الرجل غنيمة ساقه الله إليك ، فاغتنم ما خصك الله به ، ورغبوه في زيارة الشيخ ، فامتثل وزار الشيخ.
فدعاه الشيخ إلى التوحيد ، وأنّ التوحيد هو ما بعثت من أجله الرسل ، وتلا عليه آيات من الذكر الحكيم ، فيها البيان ببطلان عبادة غير الله ولفت نظره إلى ما عليه أهل نجد من الشرك والجهل والفرقة ، والاختلاف وسفك الدماء ، ونهب العباد ، وبالجملة بين له ضعف دينهم ودنياهم ، وجهلهم بشرائع الإسلام ، ورجاه أن يكون إماماً يجتمع عليه المسلمون ، ويكون له الملك والسيادة ، ومن بعده في ذريته .
عند ذلك شرح الله صدر محمد بن سعود وأحبّه ، واقتنع بما دعاه إليه الشيخ ، وبشّر الأمير الشيخ بالنصرة وبالوقوف معه على من خالفه ، وشرط الأمير على الشيخ شرطين :
الأول: أن لا يرجع الشيخ عنه إن نصرهم الله ومكنهم .
والثاني: أن لا يمنع الأمير من الخراج الذي ضربه على أهل الدرعية وقت الثمار .
فقال الشيخ: " أما الأول : الدم بالدم ، والهدم بالهدم ، وأما الثاني: فلعل الله يفتح عليك الفتوحات ، وتنال من الغنائم ما يغنيك عن الخراج " ، فبايع الأمير الشيخ على الدعوة إلى الله ، والجهاد في سبيل الله ، والتمسك بسنة رسول الله ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وإقامة الشعائر الدينية .
وبعد استقراره في الدرعية ، أتى إليه من كان ينتسب إليه ، ومعتنقاً مبادئ دعوته ، من رؤساء المعامرة وغيرهم ، وأخذت الوفود تأتي من كل حدب لما علموا أن الشيخ في دار منعة ، عند ذلك سمع عثمان بن معمر الذي أخرج الشيخ من بلده أن محمد بن سعود رحمه الله قد بايع الشيخ ، وأنه ناصره وأهل الدرعية له مؤيدون ، ومعه قائمون ومجاهدون ، فندم عثمان على ما سلف منه في حقّ الشيخ ، فأتى إليه ومعه ثلة من الرجال من رؤساء البلاد وأعيانها ، واعتذر ، وطلب منه الرجوع ، فعلّق الشيخ الأمر على رضاء الأمير محمد بن سعود ، فرفض الأمير السماح ورجع عثمان خائباً .
أعمال الشيخ بالدرعية :
شدّت إلى الشيخ الرحال ، وكثر الوافدون ، ليرتووا من مناهله العذبة الصافية النقية من الخرافات والوثنية ، ورتب الدروس في الدرعية في العقائد ، وفي القرآن الكريم ، وفي التفسير ، وفي الفقه ، وأصوله ، والحديث ، ومصطلحه ، والعلوم العربية ، والتاريخية ، وغير ذلك من العلوم النافعة ، وتوافد الناس عليه من كل مكان .
وكانت الحالة الاقتصادية للأمير والبلاد ، لا تقوي على القيام بمؤن أولئك الوافدين الطالبين ، فكان بعضهم – من شغفه وحبه للعلم – يحترف بالليل بالأجرة ، وفي النهار يحضر الدروس إلى أن وسع الله عليهم وأتي بالفرج واليسر ، بعد الشدة والعسر .
وثابر الشيخ باذلاً جهده ووسعه في إرشاد الناس وتعليمهم ، وبيان معنى ( لا إله إلا الله ) وأنها نفي وإثبات ، فـ ( لا إله ) : تنفي جميع المعبودات ، و ( إلا الله ) : تثبت العبادة لله ، وشرح لهم معني الألوهية بأن الإله: هو الذي تأله القلوب محبة وخوفاً وإجلالاً ورجاءاً ، وعلمهم الأصول الثلاثة ، وبفضل تعاليمه الرشيدة ، تنورت أذهانهم ، وصفت قلوبهم ، وصحت عقائدهم ، وزادت محبة الشيخ في قلوب الوافدين إليه .
ثم أخذ يراسل رؤساء البلدان النجدية وقضاتهم ، ويطلب منهم الطاعة والانقياد ، ونبذ الشرك والعناد ، فمنهم من أطاعه ، ومنهم من عصاه ، واتخذه سخرياً ، واستهزأ به ، ونسبه إلى الجهل وعدم المعرفة ، ومنهم من نسبه إلى السحر ، ومنهم من رماه بأمور منكرة ، هو منها بريء .
ولو كان لأولئك عقل ، لعقلوا أن الجاهل لا يستطيع إقامة الأدلة الصحيحة على مطالبه ، الجاهل لا يستطيع أن يبارز العلماء الأجلاء ببراهين عقلية وحجج سمعية ، الساحر لا يأمر بخير ، لا يأمر بمعروف ، ولا ينهي عن منكر ، ولكن لا عجب ، فقد قيل سابقاً للمرسلين ولجميع المصلحين ، مثل هذا الكلام .
واصل الشيخ ليله ونهاره ، في نشر الدعوة والوعظ، وكتابة الرسائل العلمية مكتفياً بهذه الوسيلة السلمية ، والأمير محمد بن سعود يؤازره حسب مقدرته ، ولكن خصوم الدعوة كانوا يعملون على تأليف القلوب لمحاربة الدعوة بكل الوسائل ، والاعتداء على الداخلين في الدعوة .
فلم ير الشيخ محمد والأمير بداُ من الاستعانة بالسيف بجانب الدعوة الدينية واستمرت الحروب الدينية سنين عديدة ، وكان النصر حليف ابن سعود في أغلب المواقف ، وكانت القرى تسقط واحدة تلو الأخرى بيده ، ودخل البعض في الطاعة بالاختيار والرغبة ، لما عرف حقيقة الأمر .
وبعد فتح الرياض واتساع ملكهم وانقياد كل صعب لهم ، فوّض الشيخ أموال الناس وأموال الغنائم إلى عبد العزيز بن محمد بن سعود الأمير ، وتفرغ الشيخ للعلم وللعبادة وإلقاء الدروس ، وكان محمد وابنه عبد العزيز لا يتصرّفان في شيء إلا بعد أن يعلماه ، ليعلمهما الحكم الشرعي ، ولا ينفذان حكماً إلا عن أمره ورأيه .
وما زال الشيخ على هذه الحالة الحسنة والسيرة الطيبة الطاهرة حتى انتقل إلى جوار ربه في ذي القعدة سنة 1206 رحمه الله وأسكنه فسيح الجنان .
الفصل الثالث
بيان عقيدة الشيخ وفكره
أولا : بيان معتقد الشيخ في أركان الإيمان
1- قول الشيخ في الإيمان بالله .
2- قول الشيخ في الإيمان بالملائكة المكرمين .
3- قول الشيخ في القرآن الكريم .
4- قول الشيخ في أنبياء الله ورسله .
5- قول الشيخ في البعث والنشور .
6- قول الشيخ في القضاء والقدر .
ثانيًا : بيان معتقد الشيخ في أركان الإسلام
1- قول الشيخ في تعريف الإسلام وأركانه .
2- قول الشيخ في تارك أركان الإسلام .
ثالثًا : بيان معتقد الشيخ في قضايا مختلفة
1- قول الشيخ في صحابة رسول الله .
2- قول الشيخ في أهل بيت النبوة .
3- قول الشيخ في أولياء الله وكراماتهم .
4- قول الشيخ في القبور وأحكامها .
6- قول الشيخ في بيان مذهبه .
الفصل الثالث
بيان عقيدة الشيخ وفكره
عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كعقيدة السلف الصالح ، على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، والتابعون ، والأئمة المهتدون : كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وسفيان الثوري وابن عيينة وابن مالك والبخاري ومسلم وأبي داود ، وسائر أهل السنن وأمثالهم ممن تبعهم من أهل الفقه والأثر كابن خزيمة ، وتقي الدين بن تيمية ، وابن القيم ، والذهبي رحمهم الله ، فليس له في ذلك مذهبٌ خاص ، ولا طريقة خاصة ، بل هو على طريق السلف الصالح من الصّحابة وأتباعهم بإحسان .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) ، فللأسف رأينا وسمعنا كثيرًا من يتجنى على الشيخ محمد بن عبد الوهاب وعقيدته ومنهجه .. فزعموا أنّ دعوته قائمة على أساس تكفير المذاهب والفرق الإسلامية، وزرع التفرقة بين المسلمين ، وتشويه سمعة الإسلام وتعاليمه السمحة، وسحق آثار الوحي والرسالة !! فهل دارت هذه الأسس في خلد الشيخ لحظة ؟ أم أنها من نسج الخيال وصنائع الأفاكين ؟
زعموا أيضاً أنه يدعو إلى توحيد خاطئ من صنع نفسه ! لا التوحيد الذين نادى به القرآن الكريم، فمن خضع له ولتوحيده ، سلمت نفسه وأمواله، ومن أبى فهو كافر حربي، ودمه وماله هدر!! إلى غير ذلك مما يقوله الحاقدون على الشيخ ودعوته .
وهذا كله عين الكذب، ومحض الافتراء، وكتاباته كلها، ومؤلفاته جميعها تشهد بأن هذا الشيخ - رحمه الله - إمام من أئمة الدعوة إلى الكتاب والسنة؛ وأنه كان يدعو إلى الإسلام ولا شيء سوى الإسلام ، ولما كان الوقوف على أقواله وآرائه العقدية أمراً ذا بال عند كل طالب علم مخلص، ليدرأ بها الشبه، ويميز الحق من الباطل، وينفي الزغل عن عقيدة مصلح مظلوم ومفترى عليه ، عقدت هذا الفصل لذكر أقواله وآراءه في مختلف المسائل المتعلقة بالعقيدة والفكر .
أولا : بيان معتقد الشيخ في أركان الإيمان
1- قول الشيخ في الإيمان بالله :
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب تقريرًا للركن الأول من أركان الإيمان وما يتعلق به من مسائل :
" وأعتقد أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان ، ومحله بإجماع السلف القلب والجوارح جميعاً كما ذكر الله تعالى في سورة الأنفال وغيرها ، والإيمان الذي في القلب والذي في الجوارح يزيد وينقص ، يزيد بالأعمال الصالحة وينقص بضدها ، وهو بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناه إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان ، وأركانه ستة: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره .
والإيمان بالله هو أن تعتقد أن الله هو الإله المعبود (بحق) وحده دون من سواه، وتخلص جميع أنواع العبادة كلها لله، وتنفيها عن كل معبود سواه، وتحب أهل الإخلاص وتواليهم، وتبغض أهل الشرك وتعاديهم .. وللإيمان حلاوة قد يجدها الإنسان وقد لا يجدها، وهو يتجزأ ، ولا يلزم إذا ذهب بعضه أن يذهب كله، ونفيه لا يدل على الخروج من الإسلام .
والبحث عن مسائل التوحيد وتعلمها فرض لازم على العالم والجاهل والمحرم والمحل والذكر والأنثى ، وهو ثلاثة أنواع : توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات " ( ).
2- قول الشيخ في الإيمان بالملائكة المكرمين :
يذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب عقيدته في الركن الثاني من أركان الإيمان فيقول : " من سادات الملائكة جبريل عليه السلام، وهو شديد القوى، وذو مرة (أي خلق حسن وبهاء وسناء)، وله قوة وبأس شديد، وله مكانة ومنزلة عالية رفيعة عند ذي العرش المجيد، وهو مطاع في الملأ الأعلى، ذو أمانة عظيمة، ولهذا كان السفير بين الله وبين رسله وقد كان يأتي إلى رسول الله في صفات متعددة، وقد رآه على صفته التي خلقه الله عليها مرتين، وله ستمائة جناح ، وهو الذي ينتهي بالوحي إلى حيث أمره الله .
ومن ساداتهم ميكائيل عليه السلام ، وهو موكل بالقطر والنبات ، ومن ساداتهم إسرافيل، وهو أحد حملة العرش، وهو الذي ينفخ في الصور .
ومنهم حملة العرش، ومنهم الكروبيون الذين هم حول العرش، وهم مع حملة العرش أشرف الملائكة وهم المقربون ، ومنهم سكان السماوات السبع يعمرونها عبادة دائمة ليلاً ونهاراً، والظاهر أنهم الذين يتعاقبون إلى البيت المعمور " ( ).
3- قول الشيخ في القرآن الكريم :
يذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب ما يعتقده في كلام الله تعالى ، والمعجزة الخالدة : ( القرآن الكريم ) فيقول :
" وأعتقد أن القرآن كلام الله ، منزل غير مخلوق ، منه بدأ وإليه يعود، وأنه تكلم به حقيقة، وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه ، وسفيره بينه وبين عباده محمد " ( ) .
4- قول الشيخ في أنبياء الله ورسله :
وما يتعلّق بالركن الرابع من أركان الإيمان ، فيقول الشيخ :
" أرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين ، فأولهم نوح عليه السلام ، وآخرهم محمد ، وهو خاتم النبيّين ، وكل أمة بعث الله إليها رسولاً من نوح إلى محمد يأمرهم بعبادة الله وحده وينهاهم عن عبادة الطاغوت " ( ) .
5- قول الشيخ في البعث والنشور :
يذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب ما يعتقده في البعث والنشور ، وحكم من ينكره ، فيقول : " والناس إذا ماتوا يبعثون ، وبعد البعث محاسبون ومجزيّون بأعمالهم ، ومن كذّب بالبعث كفر " ( ).
6- قول الشيخ في القضاء والقدر :
يذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب عقيدته في الركن السادس من أركان الإيمان فيقول :
" وأومن بأن الله فعال لما يريد، ولا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره ولا يصدر إلا عن تدبيره ، ولا محيد لأحد عن القدر المحدود ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور " ( ) .
ثانيًا : بيان معتقد الشيخ في أركان الإسلام
1- قول الشيخ في تعريف الإسلام وأركانه :
يعرّف الشيخ محمد بن عبد الوهاب مفهوم ( الإسلام ) فيقول في رسالته ( ثلاثة الأصول ) : " الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله " ( ).
ويعتقد الشيخ بأن الإسلام قائم على أصلين وقاعدتين ، فيقول : " وأصله وقاعدته أمران : الأول: الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، والتحريض على ذلك والموالاة فيه، وتكفير من تركه ، والثاني: الإنذار عن الشرك في عبادة الله، والتغليظ في ذلك، والمعاداة فيه وتكفير من فعله " ( ).
ويعدّد الشيخ أركان الإسلام فيقول : " الإسلام خمسة أركان : شهادة ألا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج بيت الله الحرام " ( ).
2- قول الشيخ في تارك أركان الإسلام :
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في حكم تارك أركان الإسلام تهاونًا : " أركان الإسلام الخمسة أولها الشهادتان ثم الأركان الأربعة، فالأربعة إذا أقرّ بها وتركها تهاوناً فنحن وإن قاتلناه على فعلها - فلا تكفّره بتركها ، ولا أكفّر أحداً بذنب ولا أخرجه من دائرة الإسلام " ( ) .
سبحان الله .. فأين الذين يزعمون أنّ دعوته قائمة على أساس تكفير المذاهب والفرق الإسلامية ، وزرع التفرقة بين المسلمين !! سبحانك هذا بهتانٌ عظيم .
ثالثًا : بيان معتقد الشيخ في قضايا مختلفة
1- قول الشيخ في صحابة رسول الله :
يسطّر الشيخ عقيدته واضحة في أصحاب رسول الله فيقول :
" وأومن بأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته ؛ وأن أفضل أمته أبو بكر الصديق ؛ ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين ، ثم علي المرتضي ، ثم بقية العشرة ، ثم أهل بدر ، ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان، ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم ، وأتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكر محاسنهم وأترضى عنهم وأستغفر لهم وأكفّ عن مساويهم وأسكت عما شجر بينهم ، وأعتقد فضلهم " ( ) .
2- قول الشيخ في أهل بيت النبوة :
كما يذكر الشيخ عقيدته في آل بيت الرسول فيقول :
" وقد أوجب الله لأهل بيت رسول الله على الناس حقوقاً فلا يجوز لمسلم أن يسقط حقهم ويظن أنه من التوحيد، بل هو من الغلو، ونحن ما أنكرنا إلا إكرامهم لأجل إدعاء الألوهية فيهم، أو إكرام المدعي لذلك " ( ).
3- قول الشيخ في أولياء الله وكراماتهم :
" وأقرّ بكرامات الأولياء ، وما لهم من المكاشفات ، إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئاً ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله ، ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال " ( ) .
4- قول الشيخ في القبور وأحكامها :
يذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب فيما يتعلق بأحكام القبور ، فيقول :
" ونحن نعلم بالضرورة أن النبي لم يشرع لأمته أن يدعو أحداً من الأموات، لا الأنبياء ولا الصالحين، ولا غيرهم ، بل نهى عن هذه الأمور كلها وذلك من الشرك الأكبر الذي حرمه الله ورسوله .
أما بناء القباب على القبر فيجب هدمها، ولا علمت أنه يصل إلى الشرك الأكبر ، وكذلك الصلاة عنده، وقصده لأجل الدعاء فكذلك لا أعلمه يصل إلى ذلك، ولكن هذه الأمور من أسباب حدوث الشرك، فيشتد نكير العلماء لذلك .
وأما النذر له -أي للميت أو القبر- ودعاؤه والخضوع له فهو من الشرك الأكبر " ( ) .
5- قول الشيخ في بيان مذهبه :
يوضّح الشيخ محمد عبد الوهاب مذهبه ، وقدواته من سلف هذه الأمة ، ردًّا على من زعم أنّ الشيخ أتى بدينٍ جديد :
" نحن مقدلون الكتاب والسنة وصالح سلف الأمة، وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة أبي حنيفة النعمان بن ثابت، ومالك بن أنس، ومحمد بن إدريس، وأحمد بن حنبل رحمهم الله .. أما مذهبنا فمذهب الإمام أحمد إمام أهل السنة ولا ننكر على أهل المذاهب الأربعة إذا لم يخالف نص الكتاب والسنة، وإجماع الأمة وقول جمهورها " ( ) .
الخاتمة
الحمد لله الذي وفقنا وهدانا لهذا وما كنا مهتدين لولا هدانا الله ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وبعد :
فقد تطرقنا في موضوع بحثنا هذا إلى شخصيةٍ من أبرز الشخصيات في العالم الإسلامي المعاصر ، والتي كان لها الدور البارز في الساحة الإسلامية ، فبينما العالم الإسلامي مستغرق في هجعته , ومترنح في ظلمته , إذ بصوت يدوي في قلب الصحراء ، وبالتحديد في شبه الجزيرة العربية , مهد الإسلام , إنه صوتٌ يوقظ المؤمنين ويدعوهم إلى الإصلاح والرجوع إلى سواء السبيل والصراط المستقيم , صوتٌ يحضّ المسلمين على إصلاح النفوس واستعادة المجد الإسلامي القديم ، إنّه صوت المصلح الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله .
وفي ما سبق من الفصول تحدّثنا بشكل موجز عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب التميمي ونسبه وتعلمه ، والخطوات التي سلكها من أجل دعوته الإصلاحية وتحالفه مع آل سعود ، وكانت لنا وقفات يسيرة مع عقيدته وفكره .
والظاهر بوضوح أن الشيخ محمد رحمه الله لم يأت بجديد ، بل حاول نزع الشوائب والخرافات والشركيات عن الدين الإسلامي ، وإعادته لسابق عهده على منهج كتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وأقوال السلف الصالح .
أما تسمية هذه الدعوة بـ ( الحركة الوهابية ، حركة الموحدون .. ) فهي على الأغلب جاءت من خصومهم ، ومازال يلقب بها كل من سار على خطى الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب .
وفي الختام .. أرجو ألا يحرمنا الله الأجر والثواب ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ، وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
المراجع
بعد كتاب الله تعالى
1. آلأبوطامي ، أحمد بن حجر آلأبو طامي ، الشيخ محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية ، الرياض ، الأمانة العامة ، 1419 هـ .
2. ابن بشر ، عثمان بن بشر النجدي ( 1290 هـ ) ، عنوان المجد في تاريخ نجد ، تحقيق محمد ناصر الشثري ، الرياض ، دار الحبيب ، 1999 ، 3 .
3. خزعل ، حسين خلف الشيخ خزعل ، تاريخ الجزيرة العربية في عصر الشيخ محمد عبد الوهاب ، بيروت ، دار ومكتبة الهلال ، د.ت .
4. العبد اللطيف ، عبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف ، دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، الرياض ، دار الوطن ، 1412 هـ .
5. العبدلي ، عبد الله بن سعد العبدلي ، عقيدة الموحدين ، الطائف ، مكتبة الطرفين ، 1991 .
6. ابن غنّام ، حسين بن غنّام ، تاريخ نجد ، تحقيق ناصر الأسد ، بيروت ، دار الشروق ، ط 2 ، 1985 هـ .
7. الفوزان ، صالح بن فوزان الفوزان ، من مشاهير المجدّدين في الإسلام ، الرياض ، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية ، 1408 هـ .
8. نجيب ، أحمد بن عبد صفحة مشرقة من حياة الشيخ / محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله تعالى)الكريم نجيب ، فصل الخطاب في بيان عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، مراجعة وتعليق الشيخ الدكتور صالح العبود ، جدة ، مكتبة الصحابة ، ط 2 ، 1994 .:
_______________________________________________________________
( بلدة العيينة، الوقت ليلاً، يظهر الشيخ محمد داخل حجرته المتواضعة، يقرأ بنهم ويدون في بعض الكتب أمامه، يدخل عليه ابن غنّام – أحد طلابه - )
ابن غنّام : السلام عليك أيها الشيخ الجليل.
الإمام : وعليكم السلام أبها الطالب النبيل . هل أوصلت جميع رسائلي ؟!
ابن غنّام : لقد تحركت قافلة اليمن قبل قليل .
الإمام : وبلاد الحجاز والشام ؟!
ابن غنّام : ستصلها رسائلك إن شاء الله .
الإمام : أرجو ذلك .
ابن غنّام : ولكن ما كل هذه الرسائل يا سيدي ؟
الإمام : إنها مكاتبات للعلماء هناك .
ابن غنّام : ولم ؟!
الإمام : رجاء أن يقوموا معنا بنصرة دين الله ومجاهدة هذه الخرافات .
ابن غنّام : وهل يستجيبون يا ترى ؟
الإمام : إننا نأخذ بالأسباب .. يا ابن غنّام !
ابن غنّام : أنت ترهق نفسك كثيراً يا إمام .
الإمام : ( في امتعاض ) يبدو أننا وجدنا ضالتنا في هذه البلدة المباركة .
ابن غنّام: نعم.. فقد أحسن إلينا أميرها بعد أن كاد السفهاء في حريملاء يفتكوا بنا .
الإمام : الحمد لله الذي نجّانا من شرهم .
ابن غنّام : لقد تسوروا علينا الجدار لولا ستر الله .
الإمام : إن طريقنا طويلة وشاقة يا بني .
ابن غنّام : هل سنجد مصاعب أخرى .. يا إمام ؟
الإمام : ربما .. كن مستعداً .
ابن غنّام : أما في العيينة فلا .. فالأمير عثمان بن محمد رجل صالح .
الإمام : نحسبه كذلك .
ابن غنّام : لقد خرج برجاله معنا فهدم قبة زيد بن الخطاب وأقام معالم التوحيد.
الإمام : جزاه الله خيراً .. وثبّته على ذلك .
الأمير عثمان : ( من الخارج ) يا شيخ محمد .. يا شيخ محمد .. أأنت هنا ؟
ابن غنّام : هذا صوت الأمير عثمان .
الإمام : قم إليه نستقبله .
ابن غنّام : ترى ما الذي جاء به الساعة ؟
( يدخل الأمير عثمان فيسرع ابن غنّام بالخروج )
الأمير عثمان : السلام عليك .. أيها الشيخ ..
الإمام : وعليكم السلام .. أهلاً ومرحباً بالأمير عثمان ..
الأمير عثمان : اعتذر إليك فقد جئت في ساعة متأخرة .
الإمام : لا تثريب عليك فأنت صاحب الفضل والدار .
الأمير : وكم كنت – والله – أتمنى أن تطول إقامتك بيننا !!
الإمام : تتمنى !! ماذا هناك أيها الأمير ؟!
الأمير عثمان : قاتل الله الشيطان وأعوان الشيطان .
الإمام : هل جاءكم مني ما تكرهون؟
الأمير عثمان : معاذ الله .. بل رأينا الخير كل الخير على يديك .
الإمام : قل بربك ما الذي حدث ؟
الأمير عثمان : أمير الأحساء أرسل بطردك من البلدة .
الإمام : طردي أنا !!
الأمير عثمان : أو قتلك .
الإمام : هذا الرجل تعظم عليه إقامة الحدود .
الأمير عثمان : ونحن لا يحسن أن نقتلك ونخاف من هذا الأمير .. فانظر ماذا ترى ؟
الإمام : إن الذي أدعو إليه هو دين الله؛ فإن صبرت واستقمت فسوف ينصرك الله عليه .
الأمير عثمان : ولكن لا طاقة لنا به .
الإمام : ثق بالله يا رجل .
الأمير عثمان : ( محتداً ) أيها الشيخ .. ارحل من أرضنا قبل طلوع الشمس .
الإمام : نعم .. ولكن ..
الأمير عثمان : ( مقاطعاً ) لقد قضي الأمر ( يخرج ) .
الإمام : حسبنا الله ونعم الوكيل .. حسبنا الله ونعم الوكيل ( يخرج ) .
( 2 )
( داخل منزل محمد بن سويلم العريني في بلدة الدرعية ، يظهر ابن سويلم قلقاً جالساً بين يدي الشيخ )
ابن سويلم : أهلاً .. ومرحباً بك أيها الشيخ .
الإمام : أحسن الله إليك يا ابن سويلم .
ابن سويلم : أهلاً .. أهلاً بك في دارنا يا إمام .
الإمام : أكرمك الله الذي أكرمتنا من أجله .. ولكنك تبدو قلقاً يا ابن سويلم .
ابن سويلم : أبداً .. أبداً إنما خوفاً من عدم القيام بواجبك علينا .
الإمام : أم تخشى من نقمة ابن سعود .. إذ استقبلتني دون علمه ؟!
ابن سويلم : بل والله أخشى عليك أنت أيها الإمام .
الإمام : لا تخشَ شيئاً إن الله معنا .
ابن سويلم : يقال إن زوجته امرأة صالحة وسوف تحرضه على قبول دعوتك.
الإمام : يقضي الله أمراً كان مفعولاً .
( يدخل ابن غنّام عليهما مسرعاً فزعاً )
ابن غنّام : ابن سعود .. ابن سعود قادم إليكم في وفد من رجاله .
ابن سويلم : لعله جاء مبايعاً .
ابن غنّام : أو لعله جاء منتقماً .
ابن سويلم : منتقماً !! أرى أن تختبئ أيها الإمام .
الإمام : إنما ندعو إليه هو الحق فلماذا الاختباء ؟!
( يدخل ابن سعود وسط كوكبة من رجاله وهم شاكوا السلاح )
ابن سعود : ( مشيراً للإمام ) هذا هو ضيفك يا ابن سويلم ؟
ابن سويلم : هو ضيف الدرعية كلها أيها الأمير .
ابن سعود : ( للإمام ) أأنت الشيخ محمد بن عبد الوهاب ؟!
الإمام : أنا الفقير إلى الله تعالى محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي .
ابن سعود : وما الذي تدعو إليه يا ابن عبد الوهاب ؟
الإمام : إن الذي أدعو إليه هو دين الله وتحقيق كلمة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
ابن سعود : سأبايعك على دين الله ورسوله ولكن أخشى ..
الإمام : ومم يخشى الأمير ؟!
ابن سعود : أخشى إذا أيدناك وأظهرك الله على أعدائه أن تبتغي أرضاً غير أرضنا .
الإمام : أبايعك على أن الدم بالدم والهدم الهدم ولا أخرج من بلادك .
ابن سعود : إذاً أبشر .. أبشر يا إمام بالنصرة والمساعدة .
الإمام : وأنت أبشر بالعزة والتمكين والعاقبة الحميدة .
( يبسط الإمام يده ويبايعه الأمير ورجاله وترتفع الأصوات بالتهليل والتكبير )
إظلام تدريجي – ستارة ........
هل تلد الغر الميامين أمثال هذه المرأة؟
_____________________
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،وبعد:
وأنا أقلب صفحات سير أهل العلم الصادقين ، والدعاة المخلصين ، لمحت عيني موقفاً بطولياً من مواقف النساء اللواتي ربين أنفسهن على نصرة الحق والتوحيد .
في قلب سيرة الإمام المجدد،والعلامة المجاهد محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – كان ذلك الموقف العصامي،والمعلم الفريد .
إنه موقف الداعية الموفقة ، موضى بنت وطبان – رحمها الله – وقبل أن أستبق الخطأ ، وأتعجل السير،أحب أن أسوق لك – أيتها المؤمنة – هذه القصة بتمامها مع اختصار يسير لكي يكون هذا الموقف ناصعاً واضحاً ،نستلهم منه العبرة،ونستفيد منه الموقف والفكرة، وندونه في مخيلات الذهن،ونطبقه في واقع العمل .
تعلمي- أختاه – أن الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – قام بنشر دعوة التوحيد في الجزيرة العربية خصوصاً ، وفي سائر البلاد عموماً ، ولو قرأت سيرته العطرة لرأيت ما لاقى في سبيل ذلك من المصاعب والإحن،والبلايا والمحن،وهو مع ذلك ثابت على مبدأه ،منيب وراجع إلى ربه،ويذكرني ثباته بالجبل الشامخ صاحب القمة السامقة الذي تصطك في وجهه الرياح والأعاصير ثم تهوى في قاعه أو في مطنب أرضه وهو مع ذلك شامخ الرأس ولم تغير من هيئته شيئاً تلك الرياح العاتية.
وكان الشيخ محمد رحمه الله مستلهماً كل خطاه من كتاب ربه وسنة رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ـ نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً ـ، وفي فترة من فترات دعوته استقر به المقام لينشر دعوة التوحيد النقية في بلاد العيينة بعد أن ناصره أميرها عثمان بن معمر ، وخلى سبيله بالصدح بالحق ، ونشر دعوة التوحيد بين الأمم والخلق .
فبدأ يلقي الدروس في المساجد،ويعرض للناس حقيقة التوحيد ونقاءه،وحقيقة الشرك وشوبه وكدره.
وذهب رحمه الله – وقطع شجرة كانت في العيينة ويقصدها الناس بطلب المدد والغوث وعبادتها من دون الله ، وذهب عند الجبيلة وهدم القبة التي كانت على قبر زيد بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن البناء على القبور،خشية أن تعبد من دون الله ،وتقصد بالدعاء والتعظيم ـ
لكن الحسدة الذين لا يريدون إقامة الحق بين العباد والبلاء ، ذهبوا لأمير الإحساء ووشوا إليه ما يفعله الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – في العيينة تحت بصر ونصرة أميرها عثمان بن معمر،فثارت ثائرة أمير الأحساء (سليمان بن عريعر) خوفاً أن يصل مدد التوحيد إلى بلاده،فأرسل رسالة لأمير العيينة عثمان بن معمر،وأمره إذا وصلت الرسالة أن يقتل الإمام محمد بن عبد الوهاب،وإن لم يقتله فسيقطع عنه الخراج السنوي فجاء عثمان بن معمر للشيخ محمد بن عبد الوهاب وقال له:إنه قد أتانا خطاب من سليمان قائد الأحساء ،وليس لنا طاقة بحربه ولا إغضابه فقال الشيخ : إن هذا الذي قمت به ودعوت إليه كلمة لا إله إلا الله وأركان الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،فإن أنت تمسكت به ونصرته فإن الله سبحانه يظهرك على أعدائك فلا يزعجك سليمان ولا يفزعك فإني أرجو أن ترى من الظهور والتمكين والغلبة ما ستملك بلاده وما ورائها وما دونها.
ولكن عثمان تعاظم في صدره أمر حاكم الأحساء فأمر الشيخ بالخروج من العيينة فذهب الشيخ إلى الدرعية حيث أنه لاحظ إخلاص كثير من أهل تلك البلدة للدعوة السلفية ولما وصل إليها علم بعض أهل الدرعية بمجيئه .
(وهنا يا شعلة الخير شاهد المقال) فلقد فكر بعض وجهاء تلك البلدة أن يكلموا أميرها محمد بن سعود – رحمه الله – عن هذا الشيخ ودعوته،ولكنهم هابوه وخشوا أن يكلموه،فما كان منهم إلا أن أتوا إلى زوجته الأميرة موضى بنت وطبان – رحمها الله – وكانت ذا عقل ومعرفة،فأخبروها بمكان الشيخ وصفة ما يأمر به وينهى عنه ، فوقر في قلبها معرفة التوحيد وقذف الله في قلبها محبة الشيخ،فلما دخل عليها زوجها محمد أخبرته بمكانه،وقالت إن هذا الرجل أتى إليك وهو غنيمة ساقها الله لك فأكرمه وعظمه واغتنم نصرته،فقبل قولها وألقى الله سبحانه في قلبه للشيخ المحبة .
فتردد الإمام محمد بن سعود هل يذهب للشيخ محمد أو يدعوه إليه ؟ فأشير إليه ـ وقيل إن الأميرة موضى بنت وطبان ـ رحمها الله ـ هي التي أشارت عليه مع جماعة من الصالحين ـ وقالوا له:لا ينبغي أن تدعوه إليك،بل ينبغي أن تقصده في منزله،وأن تقصده أنت وأن تعظم العلم والداعي إلي الخير فذهب إليه وتعاهدا على نصرة الحق والدعوة والجهاد في سبيل الله.
أرأيت يا أمل الأمة إلى موقف هذه المرأة الصالحة وكيف أنها كانت مشعل الخير في تحبيب هذه الدعوة السلفية إلى زوجها الإمام محمد بن سعود – رحمه الله – نعم أيتها – الطاهرة العفيفة – كم هن النساء اللاتي يحفظن تلك الكلمات النيرات(من آثر الراحة فاتته الراحة،واتركي الوسادة لتلحقي بالسادة،وبقدر ما تتعنى تنال ما تتمنى)
وكثير منهن من يحفظ قوله تعالى(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)) (النحل: 125) وقوله سبحانه(( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)) (فصلت:33) .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: كم هن النساء اللواتي غيرن مجرى حياة غيرهن من التعيسات وفتحن لهن مشاريع الخير والهدى والبر؟
كم هم النساء اللواتي حملن هم هذا الدين فوق أكتافهن وعلى رؤوسهن ؟
كم هم النساء اللواتي آزرن أزواجهن إذا كانوا دعاة في سبيل الله فحفظن بيوتهن وأطعن أزواجهن،واشتغلن معه بالدعوة إلى الله .
وكم فتاة زهت بالطهر صادقة *** إذ لقنت بيتها القرآن والسننا
وكم فتاة هوت من أوج مطلعها *** بالانحراف وراحت تدفع الثمنا
لقد صدق الذي قال:ما من رجل عظيم إلا وراءه امرأة عظيمة،فهل تأملت أختاه ما فعلته(موضى) رحمها الله مع زوجها حتى صدق بالدعوة وأتاح لها السير،في بلاده ونشرها بالدعوة والبيان والسيف والسنان،كل هذا بعد أن أثار عزائمه تلك المرأة الصادقة التي لم ينس ولن ينس التاريخ موقفها الخالد الأبي .
أي أخية بمثل هذا الهمم ترتفع راية التوحيد ، وتنتشر في أنحاء المعمورة،ولو أردنا أن نستعرض سير سلفنا الصالح من النساء ،الصالحات لوجدنا من أولهن ركضاً لسوق الدعوة وتثبيت القلوب عليها أم المؤمنين خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها – وما قصتها بخافية على كل صاحبة لب ،ولكننا نريد أن نستفيد من موقفها مع الرسول صلى الله عليه وسلم – بأبي هو وأمي – وكان خائفاً مذعوراً وهو يقول زملوني!زملوني! فقامت خديجة رضي الله عنها وفعلت ما يلي :
1- ثبتت قلب محمد صلى الله عليه وسلم على الدعوة .
2- أزالت الرهبة والهلع من قلبه .
3- ذكرت له ماضيه وسوابقه العظيمة من مكارم الأخلاق وسموها .
4- ذهبت هي وإياه – عليه الصلاة والسلام ـ إلى ابن عمها ورقة بن نوفل لتسأله عما حصل له صلى الله وسلم.
5- آمنت برسالته صلى الله عليه وسلم وشدت من أزر دعوته وناصرته كل المناصرة ولهذا فقد بشرها جبريل عليه السلام ببيت في الجنة من قصب،لا صخب فيه ولا نصب .
روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أتى جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب،فإذا أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها عز وجل ومني،وبشرها ببيت في الجنة من قصب،لا صخب فيه ولا نصب ) .
ولما ماتت حزن عليها الرسول صلى الله عليه وسلم وكان يقول آمنت بي إذ كفر الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس) .
قال ابن حجرـ رحمه الله ـ في الإصابة ( 8/60 )(وكانت خديجة رضي الله عنها أول من آمن بالله ورسوله وصدق بما جاء به فخفف الله بذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم فكان لا يسمع شيئاً يكرهه من الرد عليه فيرجع إليها إلَّا تثبته وتهون عليه أمر الناس)ا.هـ
فلو كان النساء كمن ذكرت *** لفضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب *** وما التذكير فخر للهلال
فامضي أخيتي على ما سار عليه سلفك الصالح واقتحمي بوابة الدعوة، وأصلحي وابذلي ما تستطيعي من وقت لنشر العقيدة الإسلامية.
يقول الإمام ابن تيمية – رحمه الله – ( الدعوة إلى الله هي الدعوة إلى الإيمان به ، وبما جاءت به رسله ، بتصديقهم فيما أخبروا،وطاعتهم فيما أمروا) مجموع الفتاوى ( 15/157 )
ويقول تلميذه العلامة ابن القيم في كتابه مفتاح دار السعادة ( 1/153)( فمقام الدعوة إلى الله أفضل مقامات العبد )
وكان ابن الجوزي يقول:أول قدم في الطريق، بذل الروح،هذه الجادة فأين السالك ) (المدهش صـ299)
فيا فتاة الإسلام وبهجة الأنام لا تكن تلك المرأة الغربية حريصة على نشر دعوتها في أدغال أفريقيا على دبّاب كهربائي لأنها تريد أن تموت وقد اهتدى أناس على أيديها إلى النصرانية !!!
ولا تكن ( كورنيلا دلنبرج ) وهي الفتاة التي لم يتجاوزعمرها الثامنة عشر وقدمت للبحرين في دول الخليج وكانت تتفانى في نشر النصرانية هناك وأطلق عليها اسم(شريفة الأمريكية)لا تكن هذه الفتاة أغير منك على دينها ، والله المستعان.
واعتزي أختاه بدينك الإسلامي وتذكري قول أحد السلف حين قال عنه(يا له من دين لو أن له رجال)قلت(ونساء ينشرونه بين كل الآفاق)
وأختم بكلام للأستاذ الفاضل (محمد أحمد الراشد ) وقد ذكره في كتابه المنطلق ص 141 حيث قال ( ووالله لا نجاح للدعوة،ولا وصول،إن أعطيناها فضول الأوقات،ولاجتمعي أنت وأخواتك في الله وتعاهدوا على الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،وكل ذلك برفق وحكمة،والله معكم ولن يتركم أعمالكم…
وصلى الله وسلم على عبده محمد وعلى آله وصحبه وسلم.........
ولدي الكثير من مواضيع شيخ الاسلام الامام محمد بن عبد الوهاب..................
المقدمة :
_____
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-
لقد أذن الله سبحانه وتعالى بظهور دعوة الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في منتصف القرن الثاني الهجري ، بعد أن أطبقت الجهالة على الأرض و خيمت الظلمات على البلاد ، وانتشر الشرك والضلال والابتداع في الدين ، وانطمس نور الإسلام ، و خفي منار الحق والهدى ، وذهب الصالحون من أهل العلم فلم يبق سوى قلة قليلة لا يملكون من الأمر شيئاً ، واختفت السنة وظهرت البدعة ، وترأس أهل الضلال والأهواء ، وأضحى الدين غريباً والباطل قريباً ، حتى لكأنّ الناظر إلى تلك الحقبة السوداء المدلهمّة ليقطع الأمل في الإصلاح و يصاب بيأس قاتل في أية محاولة تهدف إلى ذلك .
و يمكننا القول إن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعد البداية الحقيقية لما حدث في العالم الإسلامي من يقظة جاءت بعد سبات طويل ، و ما تمخض عنها من صحوة مباركة ورجعة صادقة إلى الدين .
إن الدعوة السلفية التي دعا إليها الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر الهجري لم تكن سوى الدعوة التي نادى بها المصلح العظيم والإمام المجدد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في القرن الثامن الهجري ، و هي نفس الدعوة التي أوذي من أجلها إما أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل رحمه الله في القرن الثالث الهجري ، و هي تعني باختصار الرجوع إلى الإسلام كما أنزل على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وفهم الصحابة والتابعون وتابعوهم من أهل القرون المفضلة ، عقيدة و شريعة و سلوكاً .
وهي الدعوة التي تكفل الله بحفظها ووعد من حملها بالظهور والنصر إلى قيام الساعة مهما خذلها المتخاذلون وخالفها الخصوم والمناوئون .
إننا اليوم لتمر علينا أيام حالكة الظلام ، ظلام يحجب عن معظم الناس الرؤية الواضحة ، فظلام في التصور : فليس هناك فرق لدى العامة بين ما يقوله الله تعالى وبين ما يقوله الجهلاء من بني البشر ، وظلام في التلقي : فهذا يتلقى عن داعية القومية ، وذاك ينادي بالوطنية ، وثالث يرفع عقيرته منادياً بالعدالة الاجتماعية ، ورابع يعبد الرأسمالية والديمقراطية .
وكثير ممن يزعمون أنهم من علماء الدين وقد أضلهم الله على علم نراهم يرقصون ويترنحون ما بين قبر البدوي ومقام الحسين .. وغيره مما عُرف بالعتبات المقدسة ، و إذا ما أراد أحدهم أن يؤلف كتاباً عن إمام من أئمة الابتداع ، ذهب إلى قبره يستشيره في تأليف هذا الكتاب ، وآخر نراه يتحدث في كل مناسبة بأن تلاميذه يصافحون رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة و ليس في المنام ، وإذا ما زار أحدهم المدينة النبوية ، دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حفل غذاء أو عشاء ، يحضره كبار الصحابة والتابعين وأولياء الله .
وإذا كان هذا شأن المنسوبين إلى العلم ، فماذا ننتظر من دهماء الناس ؟! إن عبادة الآلهة من دون الله مازالت قائمة وإن تغيرت الأسماء وتباينت الألفاظ ، فالقومية بدلاً من اللات ، والوطنية بدلاً من هبل ، و الرأسالية بدلاً من العزى ، وفي هذا الليل الذي أرخى سدوله وزادت ظلمته وتباعد فجره ، تفتقد الأمة إلى أمثال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب .
هذا وإني قسمت الموضوع إلى ثلاثة فصول :
فأما الفصل الأول : تحدثت فيه عن ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب : نسبه ، ومولده ونشأته العلمية ، وأثر البيئة في توجيه الشيخ علمياً ، ورحلة الشيخ وطلبه للعلم ، ومؤلفات الشيخ ، وعلم الشيخ وصفاته ، وأبناء الشيخ ، ثم وفاة الشيخ رحمه الله .
والفصل الثاني : كان الكلام فيه عن نهضة الشيخ في الإصلاح الديني : حالة نجد قبل الدعوة من حيث الديانة والسياسية ، وبداية الشيخ في الإصلاح الديني ، ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في حريملاء ، ورحيل الشيخ إلى العيينة ، وطرد الشيخ من العيينة ونزوله بالدّرعية ، واللقاء بين الشيخ والأمير محمد بن سعود ، وأعمال الشيخ بالدرعية .
والفصل الثالث : بيّنت فيه عقيدة الشيخ وفكره : فكان الكلام عن معتقد الشيخ في أركان الإيمان ، وبيان معتقد الشيخ في أركان الإسلام ، ثم بيان معتقد الشيخ في قضايا مختلفة .
هذا وإن الحديث عن المصلحين وأئمة الدين لا يبلى مهما تعدد , ولا يمل مهما تردد , لأن الحديث عنهم معين ثري , يستطيبه الكاتب والمتحدث , كما يولع به المتقى والسامع .
وإمامنا محمد بن عبد الوهاب أجزل الله له الثواب ، تعددت الكتابات عنه ولكنها سير في أثر , والتجدد فيها فكر ولفظا لم يتح , ولهذا بقيت الأجيال محتاجة , إلى تجديد وتقريب وتواقة ، ودعوة الشيخ التي هي دعوة الإسلام , يمكن أن يتحدث عنها المؤرخ فيسهب , والأديب فيطنب , والعالم فيؤسس , والمربي فيقرب .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ، وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كتـبه
حسن قاري الحسيني
في 1 جمادى الثاني 1425 هـ
المنامة ـ البحرين
الفصل الأول
ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
أولاً : نسب الشيخ .
ثانيا : مولده ونشأته العلمية .
ثالثًا : أثر البيئة في توجيه الشيخ علميًا .
رابعًا : رحلة الشيخ وطلبه للعلم .
خامسًا : مؤلفات الشيخ .
سادسًا : علم الشيخ وصفاته .
سابعًا : أبناء الشيخ .
ثامنًا : وفاة الشيخ رحمه الله .
الفصل الأول
ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
ترجم للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، كثير من المؤرخين والأدباء والكتاب وأصحاب التراجم والعلماء .. كثرة لم تقع إلا للأعلام المجددين ، بل لو استقرأنا عدد التراجم للعلماء والأعلام في جميع الميادين الإسلامية من بعد عصره ؛ لوجدنا أن ترجمة الشيخ تأخذ أعلى رقم من بين هذه التراجم ، وقل أن تجد كتاب تاريخ أو تراجم لأهل عصره أو ليقظة المسلمين الحديثة وحاضر العالم الإسلامي ، أو لآل سعود على الخصوص ؛ إلا وتجد للشيخ ترجمة أو شيئاً منها .
أولاً : نسب الشيخ :
هو محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن محمد بن بريد بن مشرف بن عمرو بن معضاد بن ريس بن زاخر بن محمد بن علوي بن وهيب .
ثانيا : مولده ونشأته العلمية :
ولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب سنة ألف ومائة و خمس عشرة ( 1115 هـ ) ، من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، في بلدة العيينة من بلدان نجد .
تعلم القرآن وحفظه عن ظهر قلب قبل بلوغه عشر سنين ، و كان حاد الفهم وقّاد الذهن ذكي القلب سريع الحفظ ، قرأ على أبيه في الفقه ، و كان رحمه الله في صغره كثير المطالعة في كتب التفسير والحديث وكلام العلماء في أصل الإسلام ، فشرح الله صدره في معرفة التوحيد وتحقيقه ومعرفة نواقضه المضلة عن طريقه ، و جد في طلب العلم وأدرك و هو في سن مبكرة حظاً وافراً من العلم ، حتى إن أباه كان يتعجب من فهمه ويقول : لقد استفدت من ولدي محمد فوائد من الأحكام .
وهكذا نشأ الشيخ محمد بن عبد الوهاب نشأة علمية ؛ فأبوه القاضي كان يحثه على طلب العلم و يرشده إلى طريق معرفته ، ومكتبة جده العلامة القاضي سليمان بن علي بأيديهم ، و كان يجالس بعض أقاربه من آل مشرف وغيرهم من طلاب العلم ، وبيتهم في الغالب ملتقى طلاب العلم وخواص الفقهاء سيما الوافدين باعتباره بيت القاضي ، ولا بد أن يتخلل اجتماعاتهم مناقشات ومباحث علمية يحضرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب .
ثالثًا : أثر البيئة في توجيه الشيخ علمياً :
لقد أبصر الشيخ البيئة من حوله بواقعها ، والناس في حياتهم على الغالب في تناقض وتصادم ، مع ما نشأ عليه من علم وما عرفه من الحق على يد أبيه ، ومن خلال مطالعته لكتب المحققين من علماء السلف الصالح ، فما تعلّمه في وادٍ ، والواقع الجاري من الناس على العموم والغالب في وادٍ آخر .
ذلك أن البيئة في نجد على الخصوص كما هو سائر البلاد الأخرى على العموم بيئة جاهلية بيئة خرافة وبدعة ، امتزجت بالنفوس فأصبحت جزءاً من عقيدتها إن لم تكن هي عقيدتها .
ولاشك أن بيئة هذه عقيدتها مناقضة لما نشأ عليه الشيخ ولما تربى وتعلمه ، فكان لابد أن يخرج إلى هذه البيئة يعاملها بمقتضى سنة الله في خلقه ، والشيخ بين أمرين :
إما أن يستسلم للبيئة ويصبح مثل الآخرين ، وإما أن يصمّم على محاربة الخرافة المنتشرة .. لكن قد اختار الشيخ رحمه الله على أن يقوم لله قومة انصدعت لها جبال الجاهلية وتقطعت بها غيوم الباطل وشبهاته ، فعزم على تنحية البدع من الحياة التي حوله ، و إيقاظ النائمين وتنبيه الغافلين ، والعمل على نشر الإسلام والنور من الكتاب والسنة وسيرة الصالحين .
رابعًا : رحلة الشيخ وطلبه للعلم :
هنا توجه الشيخ للرحلة في طلب العلم ؛ للتسلح بسلاح ماض قاطع ؛ فإن إنكار الشيخ لهذه الأمور الشائعة جعلته في مواجهة مع علماء السوء وتلبيساتهم وشبهاتهم ، وتأليب العامة عليه ، وتهتمهم إياه بالانحراف والجهل ، فكان كل ذلك يزيد من حرصه على تحصيل العلم وإدراك الحق ؛ فلابد أن يرحل في طلب العلم وتحقيق ما شرح الله له صدره من حقيقة هذا الدين القيم .
فرحل الشيخ إلى مكة والمدينة والبصرة غير مرة طلباً للعلم ، ولم يتمكن من الرحلة إلى الشام ، وتتلمذ على جمع كبير من العلماء منهم :
الشيخ عبد الله بن إبراهيم آل السيف ، والشيخ على أفندي ، والشيخ إسماعيل العجلوي ، والشيخ عبد اللطيف العفالقي ، والشيخ محمد العفالقي ، والشيخ محمد المجموعي .. وغيرهم .
غير أنّه قلّت نفقته فقفل راجعًا ، فأتى الإحساء ، فنزل بها عند الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف الشافعي ، وقرأ عنده ما شاء الله أن يقرأ ، ثم توجّه إلى ( حريملاء ) حيث أنّ أباه قد انتقل إليها ، فلازمه واشتغل عليه في علم التفسير والحديث وغيرهما .
وعكف على كتب الشيخين : شيخ الإسلام ابن تيمية ، والعلامة ابن القيم ـ رحمها الله ـ فزادته تلك الكتب علمًا ونورًا وبصيرة ، ونفخت فيه روح العزيمة ، وكان لكتب هذين الإمامين أكبر الأثر في تكوين شخصيته العلمية المتميّزة ، ورأى الشيخ بثاقب نظره ما بنجد وما بالأقطار التي رحل إليها من العقائد الضالة ، والعادات الفاسدة ، فصمّم على القيام بالدعوة الإصلاحية .
خامسًا : مؤلفات الشيخ :
قام الشيخ رحمه الله تعالى بتأليف عدد من الكتب والرسائل المهمة ، و قد امتازت مؤلفات الشيخ رحمه الله بالأسلوب القرآني المحض ، وأدلته كلها مأخوذة من القرآن والسنة ، و ذو أسلوب واضح لا يوجد فيه أي تعقيد :
1. كتاب التوحيد : و هذه الرسالة هي من أشهر مؤلفاته ، و ذكر فيه الشيخ حقيقة التوحيد و حدوده ، و الشرك و مفاسده .
2. كتاب كشف الشبهات : ونستطيع أن نسميه تكملة لكتاب التوحيد .
3. كتاب الأصول الثلاثة : و هي معرفة الرب ، و معرفة دين الإسلام ، و معرفة الرسول .
4. كتاب شروط الصلاة و أركانها .
5. كتاب القواعد الأربع : حيث ذكر في هذه الرسالة بعض نواحي التوحيد على طريقة مؤثرة و سهلة .
6. كتاب فضل الإسلام : و قد وضح فيه مفاسد البدع و الشرك ، كما وضح شروط الإسلام .
7. كتاب الكبائر .
8. كتاب نصيحة المسلمين : و هذا كتاب مستقل قد جمع فيه أحاديث تتعلق بجميع نواحي التعليمات الإسلامية .
9. الهدي النبوي : و هو ملخص لكتاب زاد المعاد للإمام ابن القيم رحمه الله .
10. كتاب السيرة : و هو ملخص من كتاب السيرة لابن هشام .
11. كتاب تفسير لبعض سور القرآن : و هي مجموعة لبعض تعليقات الشيخ على آيات وسور مختلفة من القرآن و قد استنبط عشرات من المسائل من آية واحدة ، و هذه هي أهم مزاياها .
و للشيخ عدة رسائل صغيرة أخرى غير ما ذكرنا .
سادسًا : علم الشيخ وصفاته :
كان الشيخ رحمه الله تعالى علماً من الأعلام ، ناصراً للسنة وقامعاً للبدعة ، خبيراً مطلعاً ، إماماً في لتفسير والحديث والفقه وأصوله ، وعلوم الآلة كالنحو والصرف والبيان ، عارفاً بأصول عقائد الإسلام وفروعها ، كشافاً للمشكلات ، حلالاً للمعضلات ، فصيح اللسان ، قوي الحجة ، مقتدراً على إبراز الأدلة وواضح البراهين بأبلغ عبارة وأبينها ، تلوح على محياه علامات الصلاح وحسن السير ، وصفاء السريرة ، يحب العباد ويغدق عليهم من كرمه ويصلهم ببره وإحسانه ، ويخلص لله في النصح والإرشاد ، كثير الاشتغال بالذكر والعبادة ، قلما يفتر لسانه من ذكر الله .
وكان يعطي عطاء الواثق بربه ، ويتحمل الدَّين الكثير لضيوفه ومن يسأله ، وكان عليه أبهة العظمة ، تنظره الناس بعين الإجلال والتعظيم مع كونه متصفاً بالتواضع واللين ، مع الغني والفقير ، والشريف والوضيع .
وكان يخصّ طلبة العلم بالمحبة الشديدة ، وينفق عليهم من ماله ، ويرشدهم على حسب استعدادهم ، وكان يجلس كل يوم ، عدة مجالس ليلقي دروسه في مختلف العلوم : من توحيد ، وتفسير،وحديث ،وفقه ،وأُصول وسائر العلوم العربية ، وكان عالماً بدقائق التفسير والحديث،وله الخبرة التامة في علله ورجاله، غير ملول ولا كسول من التقرير والتحرير،والتأليف والتدريس.
وكان صبوراً عاقلاً ،حليماً ، لا يستفزه الغضب إلا أن تنتهك حرمة الدين أو تهان شعائر المسلمين ، فحينئذ يناضل بسيفه ولسانه ، معظماً للعلماء ، منوهاً بما لهم من الفضائل ، آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر ، غير صبور على البدع ، ينكر على فاعليها بلين ورفق ، متجنباً الشدة والغضب والعنف ، إلا أن تدعو إليه الحاجة .
ولا غرو إذا اتصف الشيخ بتلك السجايا الحميدة ، والأخلاق الكريمة ، فقد ورث تلك عن آبائه وأسلافه الأبرار ،لأنهم كانوا معروفين بالعلم والفضل والزهد .
سابعًا : أبناء الشيخ :
ذكر في ( عنوان المجد ) أن الشيخ رحمه الله قد أخذ عنه العلم عدّة من العلماء الأجلاء ، منهم أبناؤه الأربعة العلماء ، والقضاة الفضلاء ، الذين درسوا العلوم الشرعية والفنون الأدبية كما درسوا الفروع والأصول ، وصارت لهم ملكة في المعقول والمنقول ، وهم : حسين ، عبد الله ، علي ، إبراهيم .
وقد كان لكل واحد منهم – قرب بيته – مدرسة ، وعنده من طلاب العلوم من أهل الدرعية والغرباء العدد الكثير ، بحيث قد يعده السامع أنه قد بولغ في العدد ، ولا زال العلم في ذرية الشيخ وسيكون – إن شاء الله – باقياً إلى أن تقوم الساعة .
وآل الشيخ في هذا اليوم ، هم القائمون في المملكة العربية السعودية بالوظائف الدينية ، من الإفتاء ، والتدريس ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ورئاسة المعاهد والكليات ، وحل المشاكل ، والدفاع عن حوزة الدين ، ونصر شريعة سيد المرسلين فجزاهم الله أحسن الجزاء ، ووفقنا وإياهم لما يحبه ويرضاه .
ثامنًا : وفاة الشيخ رحمه الله :
في عام ست ومائتين وألف من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم (1206 هـ ) توفي الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، وكان للشيخ من العمر نحو اثنتين وتسعين سنة ، وتوفي ولم يخلِّف ديناراً ولا درهماً ، فلم يوزع بين ورثته مال ولم يقسَّم .
الفصل الثاني
نهضة الشيخ في الإصلاح الديني
حالة نجد قبل الدعوة من حيث الديانة .
حالة نجد السياسية .
بداية الإصلاح الديني .
دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في حريملاء .
رحيل الشيخ إلى العيينة .
طرد الشيخ من العيينة ونزوله بالدّرعية .
اللقاء بين الشيخ والأمير محمد بن سعود .
أعمال الشيخ بالدرعية .
الفصل الثاني
نهضة الشيخ في الإصلاح الديني
حالة نجد قبل الدعوة من حيث الديانة :
سبق أن ذكرنا لك أيها القارئ الكريم ، أن الشيخ رحمه الله زار الحجاز والإحساء والبصرة والزبير، ليروي ظمأه من مناهل العلوم الدينية ويتفهم أصول الدين وشرائعه القويمة ، ويقف على أحوال أولئك الأقوام وعقائدهم وعلومهم ، بعدما شاهد في نجد– وطنه – ما شاهد من المنكرات الأثيمة والشركيات القبيحة الذميمة القاتلة لمعني الإنسانية.
وكان أيام تحصيله يقرر لسامعيه ومخالطيه ما فهمه من الدين والتوحيد ، ويبين قبائح ما تأتيه العامة وأشباه العامة من أدعياء العلم .
وعندما كان في المدينة المنورة يسمع الاستغاثات برسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاءه من دون الله ، فكان مرجل غيظه ينفجر ، فقال للشيخ محمد حياة السندي : ما تقول يا شيخ في هؤلاء ؟ فأجابه على الفور : ( إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُون ) .
درس أحوال نجد وأهل البلدان التي زارها ، ورأى ما هم فيه من بُعدٍ عن الدين ، ولاسيما نجد ، ماذا رأى ؟
رأى نجداً كما يحدثنا المؤرخون لنجد ، كابن بشر ، وابن غنام ، مرتعاً للخرافات والعقائد الفاسدة التي تتنافي مع أصول الدين الصحيحة ، فقد كان فيها كثير من القبور تنسب إلى بعض الصحابة ، يحج الناس إليها ويطلبون منها حاجاتهم ، ويستغيثون بها لدافع كروبهم .
فقد كانوا في الجُبيلة ، يؤمون قبر زيد بن الخطاب ، ويتضرعون لديه ، ويسألونه حاجاتهم ، وكذلك في الدرعية ، كان قبر لبعض الصحابة كما يزعمون ، وأغرب من ذلك ، توسلهم في بلد المنفوحة بفحل النخل ، اعتقادهم أن من تؤمّه من العوانس تتزوج !! فكانت من تقصد تقول : " يا فحل الفحول ، أُريد زوجاً قبل الحول " ، وفي الدرعية ، كان غار يقصدونه ، بزعم أنه كان ملجأً لإحدى بنات الأمير التي فرت هاربة من تعذيب بعض الطغاة .
وفي شعب غبيرا ، قبر ضرار بن الأزور ، كانوا يأتون لديه من الشرك والمنكر ما لعل مثله ، لا يتصور ، ورأى في الحجاز ، من تقديس قبور الصحابة وأهل البيت والرسول صلى الله عليه وسلم ، مالا يسوغ إلا مع رب الأرباب .
كما رأى في البصرة والزبير ، وسمع عن العراق والشام ومصر واليمن من الوثنية الجاهلية ما لا يستسيغه العقل ، ولا يقره الشرع ، كما سمع عن العيدروس في عدن والزيلعي في اليمن الشيء الكثير .
رأى ما رأى ، وسمع ما سمع ، وتحقّق ، ووازن تلك الأفعال المنكرة بميزان الوحيين كتاب الله المبين وسيرة الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم وأصحابه المتقين ، فرآهم في بُعدٍ عن منهج الدين وروحه .
رآهم لم يعرفوا لماذا بعث الله الرسل ؟ ولماذا بعث الله محمداً للناس كافة ؟ ورأى أنهم لم يعرفوا حالة الجاهلية ،وما كان فيها من الوثنية الممقوتة ، رآهم غيروا وبدلوا أصول الدين وفروعه ، إلا القليل ، هذه حالتهم في دينهم وعبادتهم .
حالة نجد السياسية :
أما حالتهم السياسية فليس هناك قانون ولا شريعة إلا ما قضت به أهواء الأمراء وعمالهم ، وكانت نجد منقسمة إلى ولايات عديدة ، يحكم كل واحدة منها أمير ، لا تربطه وجاره أية رابطة ، علمًا بأنّ الجزيرة العربية لم تشمل بالحكم العثماني المركزي المباشر ، بل اكتفت الدولة العثمانية بالسلطة الاسمية عليها .
ومن أهم هؤلاء الأمراء بنو خالد في الإحساء ، وآل معمر في العيينة ، والأشراف في الحجاز ، وعدا هؤلاء ، أمراء لا يعبأ بذكرهم ، وقد كان أولئك الأقوام في حروب دائمة ، لاسيما مع البادية ، وكان الأمير على قدم الاستعداد ، عندما تسنح الفرص ، ليعتدي على جيرانه إذا بدا من هؤلاء الجيران ضعف أو عدم استعداد ، حتى يقول المؤرخ حسين خزعل واصفًا تلك الحالة : " .. ولا سيما نجد ، فقد كانت العصبيات فيها قائمة على قدمٍ وساق ، لكلّ عشيرة دولة ، ولكل قريةٍ مشيخة تعتزّ بسلطانها .. ولكل حاكم من أولئك الحكام حوزته الخاصة .. وكان أولئك الحكام في حالة حربٍ دائمة .. وكانت سياسة الدولة العثمانية يومئذ تحبّذ هذه الحالة !! وتسعى لانتشارها وتشجّع بدورها بعض حكام السوء .. ليسود الجهل وتنتشر البدع " .
هكذا كانت حالة بلاد العرب عند إياب الشيخ من رحلته العلمية.
بداية الإصلاح الديني :
وبعد أن ثبت لديه وتحقق حالتهم السيئة في دينهم ودنياهم ورأى إقرار العلماء في الحجاز وفي نجد وسائر الأقطار ، على تلك المنكرات والمبتدعات إلا القليل منهم ممن كان لا يتجاسر أن يبوح بمقت ما فعلوا ، وأيقن أنهم قد أدخلوا في أصول الإسلام العليا ما يأباه القرآن ، وما تأباه السنة المحكمة ،حينئذ صمّم الشيخ أن يعالن قومه بأنهم قد ضلوا الطريق السويّ ، وزاغوا عن منهج الصواب .
حقاً إن المواقف دقيق حرج ، يحتاج إلى شجاعة ماضية ، وإلى إيمان لا يبالي بالأذى في سبيل إرضاء الله وإرضاء الحق الذي اقتنع به ، وسبيل إنقاذ البشرية المعذّبة ، كما يحتاج إلى عدة كافية من قوة اللسان ، وإصابة البرهان ، ليواجه ما يجابهه من شبهات واعتراضات ، لابد منها ، ثم إلى مؤازر قوي يحمي ظهره ، ويدافع عن دعوته .
دعوة الشيخ في حريملاء :
ابتدأ الشيخ رحمه الله ، دعوته لقومه في بلدة ( حريملاء ) وبين لهم أن لا يدعى إلا الله ، ولا يذبح ولا ينذر إلا له ، وأن عقيدتهم في تلك القبور والأحجار والأشجار ، من الاستغاثة بها ، وصرف النذور إليها ، واعتقاد النفع والضر منها ، ضلال وزور ، وبأنهم في حالة لا ترضي ، فلابد من نبذ ذلك ، وعزز كلامه بآي من كتاب الله المجيد وأقوال الرسول وأفعاله ، وسيرة أصحابه .
فوقع بينه وبين الناس نزاعٌ وجدال ، حتى مع والده العالم الجليل ، لأنه كان مغتراً بأقاويل المقلدين السالكين تلك الأفعال المنكرة في قوالب حبّ الصالحين .
فاستمر الشيخ يجاهد بلسانه وقلمه وإرشاده ، وتبعه أُناس من أهل تلك البلدة ، حتى انتقل أبوه عبد الوهاب إلى جوار رب الأرباب سنة 1153هـ ، والظاهر أن والده اقتنع بأقوال ابنه ومبادئه ، كما اقتنع أخوه سليمان بعدما وقع بينه وبينه نزاع وردود ، وبعد وفاة والده ، جاهر قومه بالدعوة والإنكار على عقائدهم الضالة ، ودعا إلى متابعة الرسول في الأقوال والأفعال .
وكان في تلك البلدة قبيلتان ، وكل يدعي الزعامة ، وليس هناك من يحكم الجميع ، ويأخذ حق الضعيف ، ويردع السفيه ، وكان لإحدى القبيلتين ، عبيد يأتون بكل منكر وفساد ، ولا يحجمون عن التعدِّي على العباد ، فصمّم الشيخ على منعهم وردعهم ، ولما أحسَّ أولئك الأرقاء بما صمم عليه الشيخ ، عزموا أن يفتكوا به خفية فتسوروا عليه من وراء الجدار ، فشعر بهم بعض الناس ، فصاحوا بهم وهربوا .
رحيل الشيخ إلى العيينة :
عندها غادر الشيخ ( حريملاء ) إلى ( العيينة ) مسقط رأسه ، وموطن آبائه ، وحاكمها إذ ذاك عثمان بن حمد بن معمر ، فتلقاه بكل إجلال وإكرام ، وبيّن الشيخ له دعوته الإصلاحية المباركة ، القائمة على دعائم الكتاب والسنة المطهرة ، وشرَح له معني التوحيد ، وأن أعمال الناس اليوم وعقائدهم منافية للتوحيد ، وتلا عليه الآيات والأحاديث النبوية ، ورجا له من الله– إن قام بنصر ( لا إله إلا الله ) – أن ينصره الله ويعلي كلمته ، وتكون له السيادة والزعامة على نجد وغيرها ، وله السعادة الأبدية إن شاء الله .
فقبل عثمان ، ورجّب بما قال الشيخ ، فعالن الشيخ بالدعوة إلى الله ، وإفراد العبادة لله ، والتمسك بسنة رسول الله ، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وقطع الشيخ الأشجار المعظمة هناك ، وهدم قبة زيد بن الخطاب ، بمساعدة عثمان الأمير ، وأقام الحد على امرأة اعترفت بالزنا مراراً ، بعد ما تأكّد من صحّة عقلها وكمال حواسها .
فاشتهر أمر الشيخ ، وذاع صيته في البلدان ، فبلغ خبره سليمان بن محمد بن عريعر ـ حاكم الإحساء وبني خالد ـ ، فبعث إلى عثمان بن معمر كتاباً جاء فيه :
" .. إن المطوّع الذي عندك ، قد فعل ما فعل ، وقال ما قال ، فإذا وصلك كتابي فاقتله ، فإن لم تقتله ، قطعنا خراجك الذي عندنا في الإحساء " .
فعظم على عثمان الأمر ، وكبر عليه مخالفة ابن عريعر ، وغاب عن ذهنه عظمة رب العالمين ، وكانت النتيجة من جراء ذلك الكتاب وضعف إيمان ابن معمر أن أمر بإخراج الشيخ من بلده ، ولم يفد فيه وعظ الشيخ ونصحه ، وأنه لابد للداعي والمصلح من أن يناله الأذى ، ولابد أن تكون العاقبة للمتقين .
طرد الشيخ من العيينة ونزوله بالدّرعية :
فخرج الشيخ رحمه الله ، يمشي على رجليه موكلاً به فارس يمشي من خلفه، وليس مع الشيخ إلا المروحة في أشد وقت الحر من الصيف ، فهم الفارس بقتل الشيخ ، فارتعدت يده وكفى الله شره ، وكان الشيخ في مشيه لا يفتر عن ذكر الله ، ويردّد قوله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) .
ونزل الشيخ بالدرعية وقت العصر سنة1158 هـ ضيفاً على عبد الرحمن بن سويلم ، وابن عمه أحمد بن سويلم ، وخاف ابن سويلم على نفسه من الأمير محمد بن سعود ، لأنه كان يعلم حالة الناس ، وأنهم لا يقبلون ما أتى به هذا العالم الجليل ، ويقابلون ذلك بالأذى ، ولاسيما من بيده الأمر .
ولكن الشيخ الممتليء إيماناً وثقة بالله ، سكن جأشه ، وأفرغ عليه من العظات وملأه رجاءًا وعدةً بأنه لابد من أن يفرج الله وينصره نصراً مؤزراً ، فعلم به الخواص من أهل الدرعية ، فزاروه خفية ، فشرح لهم معاني التوحيد وما يدعو إليه .
اللقاء بين الشيخ والأمير محمد بن سعود :
كان للأمير محمد بن سعود أخوان : مشاري وثنيان ، وزوجة كانت لبيبة عاقلة ، فبين الأخوان – بعدما نهلا من مناهل الشيخ – لأخيهما الأمير ، أن الشيخ محمداً نازل ضيفاً على ابن سويلم ، وأن هذا الرجل غنيمة ساقه الله إليك ، فاغتنم ما خصك الله به ، ورغبوه في زيارة الشيخ ، فامتثل وزار الشيخ.
فدعاه الشيخ إلى التوحيد ، وأنّ التوحيد هو ما بعثت من أجله الرسل ، وتلا عليه آيات من الذكر الحكيم ، فيها البيان ببطلان عبادة غير الله ولفت نظره إلى ما عليه أهل نجد من الشرك والجهل والفرقة ، والاختلاف وسفك الدماء ، ونهب العباد ، وبالجملة بين له ضعف دينهم ودنياهم ، وجهلهم بشرائع الإسلام ، ورجاه أن يكون إماماً يجتمع عليه المسلمون ، ويكون له الملك والسيادة ، ومن بعده في ذريته .
عند ذلك شرح الله صدر محمد بن سعود وأحبّه ، واقتنع بما دعاه إليه الشيخ ، وبشّر الأمير الشيخ بالنصرة وبالوقوف معه على من خالفه ، وشرط الأمير على الشيخ شرطين :
الأول: أن لا يرجع الشيخ عنه إن نصرهم الله ومكنهم .
والثاني: أن لا يمنع الأمير من الخراج الذي ضربه على أهل الدرعية وقت الثمار .
فقال الشيخ: " أما الأول : الدم بالدم ، والهدم بالهدم ، وأما الثاني: فلعل الله يفتح عليك الفتوحات ، وتنال من الغنائم ما يغنيك عن الخراج " ، فبايع الأمير الشيخ على الدعوة إلى الله ، والجهاد في سبيل الله ، والتمسك بسنة رسول الله ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وإقامة الشعائر الدينية .
وبعد استقراره في الدرعية ، أتى إليه من كان ينتسب إليه ، ومعتنقاً مبادئ دعوته ، من رؤساء المعامرة وغيرهم ، وأخذت الوفود تأتي من كل حدب لما علموا أن الشيخ في دار منعة ، عند ذلك سمع عثمان بن معمر الذي أخرج الشيخ من بلده أن محمد بن سعود رحمه الله قد بايع الشيخ ، وأنه ناصره وأهل الدرعية له مؤيدون ، ومعه قائمون ومجاهدون ، فندم عثمان على ما سلف منه في حقّ الشيخ ، فأتى إليه ومعه ثلة من الرجال من رؤساء البلاد وأعيانها ، واعتذر ، وطلب منه الرجوع ، فعلّق الشيخ الأمر على رضاء الأمير محمد بن سعود ، فرفض الأمير السماح ورجع عثمان خائباً .
أعمال الشيخ بالدرعية :
شدّت إلى الشيخ الرحال ، وكثر الوافدون ، ليرتووا من مناهله العذبة الصافية النقية من الخرافات والوثنية ، ورتب الدروس في الدرعية في العقائد ، وفي القرآن الكريم ، وفي التفسير ، وفي الفقه ، وأصوله ، والحديث ، ومصطلحه ، والعلوم العربية ، والتاريخية ، وغير ذلك من العلوم النافعة ، وتوافد الناس عليه من كل مكان .
وكانت الحالة الاقتصادية للأمير والبلاد ، لا تقوي على القيام بمؤن أولئك الوافدين الطالبين ، فكان بعضهم – من شغفه وحبه للعلم – يحترف بالليل بالأجرة ، وفي النهار يحضر الدروس إلى أن وسع الله عليهم وأتي بالفرج واليسر ، بعد الشدة والعسر .
وثابر الشيخ باذلاً جهده ووسعه في إرشاد الناس وتعليمهم ، وبيان معنى ( لا إله إلا الله ) وأنها نفي وإثبات ، فـ ( لا إله ) : تنفي جميع المعبودات ، و ( إلا الله ) : تثبت العبادة لله ، وشرح لهم معني الألوهية بأن الإله: هو الذي تأله القلوب محبة وخوفاً وإجلالاً ورجاءاً ، وعلمهم الأصول الثلاثة ، وبفضل تعاليمه الرشيدة ، تنورت أذهانهم ، وصفت قلوبهم ، وصحت عقائدهم ، وزادت محبة الشيخ في قلوب الوافدين إليه .
ثم أخذ يراسل رؤساء البلدان النجدية وقضاتهم ، ويطلب منهم الطاعة والانقياد ، ونبذ الشرك والعناد ، فمنهم من أطاعه ، ومنهم من عصاه ، واتخذه سخرياً ، واستهزأ به ، ونسبه إلى الجهل وعدم المعرفة ، ومنهم من نسبه إلى السحر ، ومنهم من رماه بأمور منكرة ، هو منها بريء .
ولو كان لأولئك عقل ، لعقلوا أن الجاهل لا يستطيع إقامة الأدلة الصحيحة على مطالبه ، الجاهل لا يستطيع أن يبارز العلماء الأجلاء ببراهين عقلية وحجج سمعية ، الساحر لا يأمر بخير ، لا يأمر بمعروف ، ولا ينهي عن منكر ، ولكن لا عجب ، فقد قيل سابقاً للمرسلين ولجميع المصلحين ، مثل هذا الكلام .
واصل الشيخ ليله ونهاره ، في نشر الدعوة والوعظ، وكتابة الرسائل العلمية مكتفياً بهذه الوسيلة السلمية ، والأمير محمد بن سعود يؤازره حسب مقدرته ، ولكن خصوم الدعوة كانوا يعملون على تأليف القلوب لمحاربة الدعوة بكل الوسائل ، والاعتداء على الداخلين في الدعوة .
فلم ير الشيخ محمد والأمير بداُ من الاستعانة بالسيف بجانب الدعوة الدينية واستمرت الحروب الدينية سنين عديدة ، وكان النصر حليف ابن سعود في أغلب المواقف ، وكانت القرى تسقط واحدة تلو الأخرى بيده ، ودخل البعض في الطاعة بالاختيار والرغبة ، لما عرف حقيقة الأمر .
وبعد فتح الرياض واتساع ملكهم وانقياد كل صعب لهم ، فوّض الشيخ أموال الناس وأموال الغنائم إلى عبد العزيز بن محمد بن سعود الأمير ، وتفرغ الشيخ للعلم وللعبادة وإلقاء الدروس ، وكان محمد وابنه عبد العزيز لا يتصرّفان في شيء إلا بعد أن يعلماه ، ليعلمهما الحكم الشرعي ، ولا ينفذان حكماً إلا عن أمره ورأيه .
وما زال الشيخ على هذه الحالة الحسنة والسيرة الطيبة الطاهرة حتى انتقل إلى جوار ربه في ذي القعدة سنة 1206 رحمه الله وأسكنه فسيح الجنان .
الفصل الثالث
بيان عقيدة الشيخ وفكره
أولا : بيان معتقد الشيخ في أركان الإيمان
1- قول الشيخ في الإيمان بالله .
2- قول الشيخ في الإيمان بالملائكة المكرمين .
3- قول الشيخ في القرآن الكريم .
4- قول الشيخ في أنبياء الله ورسله .
5- قول الشيخ في البعث والنشور .
6- قول الشيخ في القضاء والقدر .
ثانيًا : بيان معتقد الشيخ في أركان الإسلام
1- قول الشيخ في تعريف الإسلام وأركانه .
2- قول الشيخ في تارك أركان الإسلام .
ثالثًا : بيان معتقد الشيخ في قضايا مختلفة
1- قول الشيخ في صحابة رسول الله .
2- قول الشيخ في أهل بيت النبوة .
3- قول الشيخ في أولياء الله وكراماتهم .
4- قول الشيخ في القبور وأحكامها .
6- قول الشيخ في بيان مذهبه .
الفصل الثالث
بيان عقيدة الشيخ وفكره
عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كعقيدة السلف الصالح ، على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، والتابعون ، والأئمة المهتدون : كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وسفيان الثوري وابن عيينة وابن مالك والبخاري ومسلم وأبي داود ، وسائر أهل السنن وأمثالهم ممن تبعهم من أهل الفقه والأثر كابن خزيمة ، وتقي الدين بن تيمية ، وابن القيم ، والذهبي رحمهم الله ، فليس له في ذلك مذهبٌ خاص ، ولا طريقة خاصة ، بل هو على طريق السلف الصالح من الصّحابة وأتباعهم بإحسان .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) ، فللأسف رأينا وسمعنا كثيرًا من يتجنى على الشيخ محمد بن عبد الوهاب وعقيدته ومنهجه .. فزعموا أنّ دعوته قائمة على أساس تكفير المذاهب والفرق الإسلامية، وزرع التفرقة بين المسلمين ، وتشويه سمعة الإسلام وتعاليمه السمحة، وسحق آثار الوحي والرسالة !! فهل دارت هذه الأسس في خلد الشيخ لحظة ؟ أم أنها من نسج الخيال وصنائع الأفاكين ؟
زعموا أيضاً أنه يدعو إلى توحيد خاطئ من صنع نفسه ! لا التوحيد الذين نادى به القرآن الكريم، فمن خضع له ولتوحيده ، سلمت نفسه وأمواله، ومن أبى فهو كافر حربي، ودمه وماله هدر!! إلى غير ذلك مما يقوله الحاقدون على الشيخ ودعوته .
وهذا كله عين الكذب، ومحض الافتراء، وكتاباته كلها، ومؤلفاته جميعها تشهد بأن هذا الشيخ - رحمه الله - إمام من أئمة الدعوة إلى الكتاب والسنة؛ وأنه كان يدعو إلى الإسلام ولا شيء سوى الإسلام ، ولما كان الوقوف على أقواله وآرائه العقدية أمراً ذا بال عند كل طالب علم مخلص، ليدرأ بها الشبه، ويميز الحق من الباطل، وينفي الزغل عن عقيدة مصلح مظلوم ومفترى عليه ، عقدت هذا الفصل لذكر أقواله وآراءه في مختلف المسائل المتعلقة بالعقيدة والفكر .
أولا : بيان معتقد الشيخ في أركان الإيمان
1- قول الشيخ في الإيمان بالله :
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب تقريرًا للركن الأول من أركان الإيمان وما يتعلق به من مسائل :
" وأعتقد أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان ، ومحله بإجماع السلف القلب والجوارح جميعاً كما ذكر الله تعالى في سورة الأنفال وغيرها ، والإيمان الذي في القلب والذي في الجوارح يزيد وينقص ، يزيد بالأعمال الصالحة وينقص بضدها ، وهو بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناه إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان ، وأركانه ستة: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره .
والإيمان بالله هو أن تعتقد أن الله هو الإله المعبود (بحق) وحده دون من سواه، وتخلص جميع أنواع العبادة كلها لله، وتنفيها عن كل معبود سواه، وتحب أهل الإخلاص وتواليهم، وتبغض أهل الشرك وتعاديهم .. وللإيمان حلاوة قد يجدها الإنسان وقد لا يجدها، وهو يتجزأ ، ولا يلزم إذا ذهب بعضه أن يذهب كله، ونفيه لا يدل على الخروج من الإسلام .
والبحث عن مسائل التوحيد وتعلمها فرض لازم على العالم والجاهل والمحرم والمحل والذكر والأنثى ، وهو ثلاثة أنواع : توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات " ( ).
2- قول الشيخ في الإيمان بالملائكة المكرمين :
يذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب عقيدته في الركن الثاني من أركان الإيمان فيقول : " من سادات الملائكة جبريل عليه السلام، وهو شديد القوى، وذو مرة (أي خلق حسن وبهاء وسناء)، وله قوة وبأس شديد، وله مكانة ومنزلة عالية رفيعة عند ذي العرش المجيد، وهو مطاع في الملأ الأعلى، ذو أمانة عظيمة، ولهذا كان السفير بين الله وبين رسله وقد كان يأتي إلى رسول الله في صفات متعددة، وقد رآه على صفته التي خلقه الله عليها مرتين، وله ستمائة جناح ، وهو الذي ينتهي بالوحي إلى حيث أمره الله .
ومن ساداتهم ميكائيل عليه السلام ، وهو موكل بالقطر والنبات ، ومن ساداتهم إسرافيل، وهو أحد حملة العرش، وهو الذي ينفخ في الصور .
ومنهم حملة العرش، ومنهم الكروبيون الذين هم حول العرش، وهم مع حملة العرش أشرف الملائكة وهم المقربون ، ومنهم سكان السماوات السبع يعمرونها عبادة دائمة ليلاً ونهاراً، والظاهر أنهم الذين يتعاقبون إلى البيت المعمور " ( ).
3- قول الشيخ في القرآن الكريم :
يذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب ما يعتقده في كلام الله تعالى ، والمعجزة الخالدة : ( القرآن الكريم ) فيقول :
" وأعتقد أن القرآن كلام الله ، منزل غير مخلوق ، منه بدأ وإليه يعود، وأنه تكلم به حقيقة، وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه ، وسفيره بينه وبين عباده محمد " ( ) .
4- قول الشيخ في أنبياء الله ورسله :
وما يتعلّق بالركن الرابع من أركان الإيمان ، فيقول الشيخ :
" أرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين ، فأولهم نوح عليه السلام ، وآخرهم محمد ، وهو خاتم النبيّين ، وكل أمة بعث الله إليها رسولاً من نوح إلى محمد يأمرهم بعبادة الله وحده وينهاهم عن عبادة الطاغوت " ( ) .
5- قول الشيخ في البعث والنشور :
يذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب ما يعتقده في البعث والنشور ، وحكم من ينكره ، فيقول : " والناس إذا ماتوا يبعثون ، وبعد البعث محاسبون ومجزيّون بأعمالهم ، ومن كذّب بالبعث كفر " ( ).
6- قول الشيخ في القضاء والقدر :
يذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب عقيدته في الركن السادس من أركان الإيمان فيقول :
" وأومن بأن الله فعال لما يريد، ولا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره ولا يصدر إلا عن تدبيره ، ولا محيد لأحد عن القدر المحدود ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور " ( ) .
ثانيًا : بيان معتقد الشيخ في أركان الإسلام
1- قول الشيخ في تعريف الإسلام وأركانه :
يعرّف الشيخ محمد بن عبد الوهاب مفهوم ( الإسلام ) فيقول في رسالته ( ثلاثة الأصول ) : " الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله " ( ).
ويعتقد الشيخ بأن الإسلام قائم على أصلين وقاعدتين ، فيقول : " وأصله وقاعدته أمران : الأول: الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، والتحريض على ذلك والموالاة فيه، وتكفير من تركه ، والثاني: الإنذار عن الشرك في عبادة الله، والتغليظ في ذلك، والمعاداة فيه وتكفير من فعله " ( ).
ويعدّد الشيخ أركان الإسلام فيقول : " الإسلام خمسة أركان : شهادة ألا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج بيت الله الحرام " ( ).
2- قول الشيخ في تارك أركان الإسلام :
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في حكم تارك أركان الإسلام تهاونًا : " أركان الإسلام الخمسة أولها الشهادتان ثم الأركان الأربعة، فالأربعة إذا أقرّ بها وتركها تهاوناً فنحن وإن قاتلناه على فعلها - فلا تكفّره بتركها ، ولا أكفّر أحداً بذنب ولا أخرجه من دائرة الإسلام " ( ) .
سبحان الله .. فأين الذين يزعمون أنّ دعوته قائمة على أساس تكفير المذاهب والفرق الإسلامية ، وزرع التفرقة بين المسلمين !! سبحانك هذا بهتانٌ عظيم .
ثالثًا : بيان معتقد الشيخ في قضايا مختلفة
1- قول الشيخ في صحابة رسول الله :
يسطّر الشيخ عقيدته واضحة في أصحاب رسول الله فيقول :
" وأومن بأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته ؛ وأن أفضل أمته أبو بكر الصديق ؛ ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين ، ثم علي المرتضي ، ثم بقية العشرة ، ثم أهل بدر ، ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان، ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم ، وأتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكر محاسنهم وأترضى عنهم وأستغفر لهم وأكفّ عن مساويهم وأسكت عما شجر بينهم ، وأعتقد فضلهم " ( ) .
2- قول الشيخ في أهل بيت النبوة :
كما يذكر الشيخ عقيدته في آل بيت الرسول فيقول :
" وقد أوجب الله لأهل بيت رسول الله على الناس حقوقاً فلا يجوز لمسلم أن يسقط حقهم ويظن أنه من التوحيد، بل هو من الغلو، ونحن ما أنكرنا إلا إكرامهم لأجل إدعاء الألوهية فيهم، أو إكرام المدعي لذلك " ( ).
3- قول الشيخ في أولياء الله وكراماتهم :
" وأقرّ بكرامات الأولياء ، وما لهم من المكاشفات ، إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئاً ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله ، ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال " ( ) .
4- قول الشيخ في القبور وأحكامها :
يذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب فيما يتعلق بأحكام القبور ، فيقول :
" ونحن نعلم بالضرورة أن النبي لم يشرع لأمته أن يدعو أحداً من الأموات، لا الأنبياء ولا الصالحين، ولا غيرهم ، بل نهى عن هذه الأمور كلها وذلك من الشرك الأكبر الذي حرمه الله ورسوله .
أما بناء القباب على القبر فيجب هدمها، ولا علمت أنه يصل إلى الشرك الأكبر ، وكذلك الصلاة عنده، وقصده لأجل الدعاء فكذلك لا أعلمه يصل إلى ذلك، ولكن هذه الأمور من أسباب حدوث الشرك، فيشتد نكير العلماء لذلك .
وأما النذر له -أي للميت أو القبر- ودعاؤه والخضوع له فهو من الشرك الأكبر " ( ) .
5- قول الشيخ في بيان مذهبه :
يوضّح الشيخ محمد عبد الوهاب مذهبه ، وقدواته من سلف هذه الأمة ، ردًّا على من زعم أنّ الشيخ أتى بدينٍ جديد :
" نحن مقدلون الكتاب والسنة وصالح سلف الأمة، وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة أبي حنيفة النعمان بن ثابت، ومالك بن أنس، ومحمد بن إدريس، وأحمد بن حنبل رحمهم الله .. أما مذهبنا فمذهب الإمام أحمد إمام أهل السنة ولا ننكر على أهل المذاهب الأربعة إذا لم يخالف نص الكتاب والسنة، وإجماع الأمة وقول جمهورها " ( ) .
الخاتمة
الحمد لله الذي وفقنا وهدانا لهذا وما كنا مهتدين لولا هدانا الله ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وبعد :
فقد تطرقنا في موضوع بحثنا هذا إلى شخصيةٍ من أبرز الشخصيات في العالم الإسلامي المعاصر ، والتي كان لها الدور البارز في الساحة الإسلامية ، فبينما العالم الإسلامي مستغرق في هجعته , ومترنح في ظلمته , إذ بصوت يدوي في قلب الصحراء ، وبالتحديد في شبه الجزيرة العربية , مهد الإسلام , إنه صوتٌ يوقظ المؤمنين ويدعوهم إلى الإصلاح والرجوع إلى سواء السبيل والصراط المستقيم , صوتٌ يحضّ المسلمين على إصلاح النفوس واستعادة المجد الإسلامي القديم ، إنّه صوت المصلح الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله .
وفي ما سبق من الفصول تحدّثنا بشكل موجز عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب التميمي ونسبه وتعلمه ، والخطوات التي سلكها من أجل دعوته الإصلاحية وتحالفه مع آل سعود ، وكانت لنا وقفات يسيرة مع عقيدته وفكره .
والظاهر بوضوح أن الشيخ محمد رحمه الله لم يأت بجديد ، بل حاول نزع الشوائب والخرافات والشركيات عن الدين الإسلامي ، وإعادته لسابق عهده على منهج كتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وأقوال السلف الصالح .
أما تسمية هذه الدعوة بـ ( الحركة الوهابية ، حركة الموحدون .. ) فهي على الأغلب جاءت من خصومهم ، ومازال يلقب بها كل من سار على خطى الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب .
وفي الختام .. أرجو ألا يحرمنا الله الأجر والثواب ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ، وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
المراجع
بعد كتاب الله تعالى
1. آلأبوطامي ، أحمد بن حجر آلأبو طامي ، الشيخ محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية ، الرياض ، الأمانة العامة ، 1419 هـ .
2. ابن بشر ، عثمان بن بشر النجدي ( 1290 هـ ) ، عنوان المجد في تاريخ نجد ، تحقيق محمد ناصر الشثري ، الرياض ، دار الحبيب ، 1999 ، 3 .
3. خزعل ، حسين خلف الشيخ خزعل ، تاريخ الجزيرة العربية في عصر الشيخ محمد عبد الوهاب ، بيروت ، دار ومكتبة الهلال ، د.ت .
4. العبد اللطيف ، عبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف ، دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، الرياض ، دار الوطن ، 1412 هـ .
5. العبدلي ، عبد الله بن سعد العبدلي ، عقيدة الموحدين ، الطائف ، مكتبة الطرفين ، 1991 .
6. ابن غنّام ، حسين بن غنّام ، تاريخ نجد ، تحقيق ناصر الأسد ، بيروت ، دار الشروق ، ط 2 ، 1985 هـ .
7. الفوزان ، صالح بن فوزان الفوزان ، من مشاهير المجدّدين في الإسلام ، الرياض ، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية ، 1408 هـ .
8. نجيب ، أحمد بن عبد صفحة مشرقة من حياة الشيخ / محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله تعالى)الكريم نجيب ، فصل الخطاب في بيان عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، مراجعة وتعليق الشيخ الدكتور صالح العبود ، جدة ، مكتبة الصحابة ، ط 2 ، 1994 .:
_______________________________________________________________
( بلدة العيينة، الوقت ليلاً، يظهر الشيخ محمد داخل حجرته المتواضعة، يقرأ بنهم ويدون في بعض الكتب أمامه، يدخل عليه ابن غنّام – أحد طلابه - )
ابن غنّام : السلام عليك أيها الشيخ الجليل.
الإمام : وعليكم السلام أبها الطالب النبيل . هل أوصلت جميع رسائلي ؟!
ابن غنّام : لقد تحركت قافلة اليمن قبل قليل .
الإمام : وبلاد الحجاز والشام ؟!
ابن غنّام : ستصلها رسائلك إن شاء الله .
الإمام : أرجو ذلك .
ابن غنّام : ولكن ما كل هذه الرسائل يا سيدي ؟
الإمام : إنها مكاتبات للعلماء هناك .
ابن غنّام : ولم ؟!
الإمام : رجاء أن يقوموا معنا بنصرة دين الله ومجاهدة هذه الخرافات .
ابن غنّام : وهل يستجيبون يا ترى ؟
الإمام : إننا نأخذ بالأسباب .. يا ابن غنّام !
ابن غنّام : أنت ترهق نفسك كثيراً يا إمام .
الإمام : ( في امتعاض ) يبدو أننا وجدنا ضالتنا في هذه البلدة المباركة .
ابن غنّام: نعم.. فقد أحسن إلينا أميرها بعد أن كاد السفهاء في حريملاء يفتكوا بنا .
الإمام : الحمد لله الذي نجّانا من شرهم .
ابن غنّام : لقد تسوروا علينا الجدار لولا ستر الله .
الإمام : إن طريقنا طويلة وشاقة يا بني .
ابن غنّام : هل سنجد مصاعب أخرى .. يا إمام ؟
الإمام : ربما .. كن مستعداً .
ابن غنّام : أما في العيينة فلا .. فالأمير عثمان بن محمد رجل صالح .
الإمام : نحسبه كذلك .
ابن غنّام : لقد خرج برجاله معنا فهدم قبة زيد بن الخطاب وأقام معالم التوحيد.
الإمام : جزاه الله خيراً .. وثبّته على ذلك .
الأمير عثمان : ( من الخارج ) يا شيخ محمد .. يا شيخ محمد .. أأنت هنا ؟
ابن غنّام : هذا صوت الأمير عثمان .
الإمام : قم إليه نستقبله .
ابن غنّام : ترى ما الذي جاء به الساعة ؟
( يدخل الأمير عثمان فيسرع ابن غنّام بالخروج )
الأمير عثمان : السلام عليك .. أيها الشيخ ..
الإمام : وعليكم السلام .. أهلاً ومرحباً بالأمير عثمان ..
الأمير عثمان : اعتذر إليك فقد جئت في ساعة متأخرة .
الإمام : لا تثريب عليك فأنت صاحب الفضل والدار .
الأمير : وكم كنت – والله – أتمنى أن تطول إقامتك بيننا !!
الإمام : تتمنى !! ماذا هناك أيها الأمير ؟!
الأمير عثمان : قاتل الله الشيطان وأعوان الشيطان .
الإمام : هل جاءكم مني ما تكرهون؟
الأمير عثمان : معاذ الله .. بل رأينا الخير كل الخير على يديك .
الإمام : قل بربك ما الذي حدث ؟
الأمير عثمان : أمير الأحساء أرسل بطردك من البلدة .
الإمام : طردي أنا !!
الأمير عثمان : أو قتلك .
الإمام : هذا الرجل تعظم عليه إقامة الحدود .
الأمير عثمان : ونحن لا يحسن أن نقتلك ونخاف من هذا الأمير .. فانظر ماذا ترى ؟
الإمام : إن الذي أدعو إليه هو دين الله؛ فإن صبرت واستقمت فسوف ينصرك الله عليه .
الأمير عثمان : ولكن لا طاقة لنا به .
الإمام : ثق بالله يا رجل .
الأمير عثمان : ( محتداً ) أيها الشيخ .. ارحل من أرضنا قبل طلوع الشمس .
الإمام : نعم .. ولكن ..
الأمير عثمان : ( مقاطعاً ) لقد قضي الأمر ( يخرج ) .
الإمام : حسبنا الله ونعم الوكيل .. حسبنا الله ونعم الوكيل ( يخرج ) .
( 2 )
( داخل منزل محمد بن سويلم العريني في بلدة الدرعية ، يظهر ابن سويلم قلقاً جالساً بين يدي الشيخ )
ابن سويلم : أهلاً .. ومرحباً بك أيها الشيخ .
الإمام : أحسن الله إليك يا ابن سويلم .
ابن سويلم : أهلاً .. أهلاً بك في دارنا يا إمام .
الإمام : أكرمك الله الذي أكرمتنا من أجله .. ولكنك تبدو قلقاً يا ابن سويلم .
ابن سويلم : أبداً .. أبداً إنما خوفاً من عدم القيام بواجبك علينا .
الإمام : أم تخشى من نقمة ابن سعود .. إذ استقبلتني دون علمه ؟!
ابن سويلم : بل والله أخشى عليك أنت أيها الإمام .
الإمام : لا تخشَ شيئاً إن الله معنا .
ابن سويلم : يقال إن زوجته امرأة صالحة وسوف تحرضه على قبول دعوتك.
الإمام : يقضي الله أمراً كان مفعولاً .
( يدخل ابن غنّام عليهما مسرعاً فزعاً )
ابن غنّام : ابن سعود .. ابن سعود قادم إليكم في وفد من رجاله .
ابن سويلم : لعله جاء مبايعاً .
ابن غنّام : أو لعله جاء منتقماً .
ابن سويلم : منتقماً !! أرى أن تختبئ أيها الإمام .
الإمام : إنما ندعو إليه هو الحق فلماذا الاختباء ؟!
( يدخل ابن سعود وسط كوكبة من رجاله وهم شاكوا السلاح )
ابن سعود : ( مشيراً للإمام ) هذا هو ضيفك يا ابن سويلم ؟
ابن سويلم : هو ضيف الدرعية كلها أيها الأمير .
ابن سعود : ( للإمام ) أأنت الشيخ محمد بن عبد الوهاب ؟!
الإمام : أنا الفقير إلى الله تعالى محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي .
ابن سعود : وما الذي تدعو إليه يا ابن عبد الوهاب ؟
الإمام : إن الذي أدعو إليه هو دين الله وتحقيق كلمة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
ابن سعود : سأبايعك على دين الله ورسوله ولكن أخشى ..
الإمام : ومم يخشى الأمير ؟!
ابن سعود : أخشى إذا أيدناك وأظهرك الله على أعدائه أن تبتغي أرضاً غير أرضنا .
الإمام : أبايعك على أن الدم بالدم والهدم الهدم ولا أخرج من بلادك .
ابن سعود : إذاً أبشر .. أبشر يا إمام بالنصرة والمساعدة .
الإمام : وأنت أبشر بالعزة والتمكين والعاقبة الحميدة .
( يبسط الإمام يده ويبايعه الأمير ورجاله وترتفع الأصوات بالتهليل والتكبير )
إظلام تدريجي – ستارة ........
هل تلد الغر الميامين أمثال هذه المرأة؟
_____________________
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،وبعد:
وأنا أقلب صفحات سير أهل العلم الصادقين ، والدعاة المخلصين ، لمحت عيني موقفاً بطولياً من مواقف النساء اللواتي ربين أنفسهن على نصرة الحق والتوحيد .
في قلب سيرة الإمام المجدد،والعلامة المجاهد محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – كان ذلك الموقف العصامي،والمعلم الفريد .
إنه موقف الداعية الموفقة ، موضى بنت وطبان – رحمها الله – وقبل أن أستبق الخطأ ، وأتعجل السير،أحب أن أسوق لك – أيتها المؤمنة – هذه القصة بتمامها مع اختصار يسير لكي يكون هذا الموقف ناصعاً واضحاً ،نستلهم منه العبرة،ونستفيد منه الموقف والفكرة، وندونه في مخيلات الذهن،ونطبقه في واقع العمل .
تعلمي- أختاه – أن الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – قام بنشر دعوة التوحيد في الجزيرة العربية خصوصاً ، وفي سائر البلاد عموماً ، ولو قرأت سيرته العطرة لرأيت ما لاقى في سبيل ذلك من المصاعب والإحن،والبلايا والمحن،وهو مع ذلك ثابت على مبدأه ،منيب وراجع إلى ربه،ويذكرني ثباته بالجبل الشامخ صاحب القمة السامقة الذي تصطك في وجهه الرياح والأعاصير ثم تهوى في قاعه أو في مطنب أرضه وهو مع ذلك شامخ الرأس ولم تغير من هيئته شيئاً تلك الرياح العاتية.
وكان الشيخ محمد رحمه الله مستلهماً كل خطاه من كتاب ربه وسنة رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ـ نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً ـ، وفي فترة من فترات دعوته استقر به المقام لينشر دعوة التوحيد النقية في بلاد العيينة بعد أن ناصره أميرها عثمان بن معمر ، وخلى سبيله بالصدح بالحق ، ونشر دعوة التوحيد بين الأمم والخلق .
فبدأ يلقي الدروس في المساجد،ويعرض للناس حقيقة التوحيد ونقاءه،وحقيقة الشرك وشوبه وكدره.
وذهب رحمه الله – وقطع شجرة كانت في العيينة ويقصدها الناس بطلب المدد والغوث وعبادتها من دون الله ، وذهب عند الجبيلة وهدم القبة التي كانت على قبر زيد بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن البناء على القبور،خشية أن تعبد من دون الله ،وتقصد بالدعاء والتعظيم ـ
لكن الحسدة الذين لا يريدون إقامة الحق بين العباد والبلاء ، ذهبوا لأمير الإحساء ووشوا إليه ما يفعله الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – في العيينة تحت بصر ونصرة أميرها عثمان بن معمر،فثارت ثائرة أمير الأحساء (سليمان بن عريعر) خوفاً أن يصل مدد التوحيد إلى بلاده،فأرسل رسالة لأمير العيينة عثمان بن معمر،وأمره إذا وصلت الرسالة أن يقتل الإمام محمد بن عبد الوهاب،وإن لم يقتله فسيقطع عنه الخراج السنوي فجاء عثمان بن معمر للشيخ محمد بن عبد الوهاب وقال له:إنه قد أتانا خطاب من سليمان قائد الأحساء ،وليس لنا طاقة بحربه ولا إغضابه فقال الشيخ : إن هذا الذي قمت به ودعوت إليه كلمة لا إله إلا الله وأركان الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،فإن أنت تمسكت به ونصرته فإن الله سبحانه يظهرك على أعدائك فلا يزعجك سليمان ولا يفزعك فإني أرجو أن ترى من الظهور والتمكين والغلبة ما ستملك بلاده وما ورائها وما دونها.
ولكن عثمان تعاظم في صدره أمر حاكم الأحساء فأمر الشيخ بالخروج من العيينة فذهب الشيخ إلى الدرعية حيث أنه لاحظ إخلاص كثير من أهل تلك البلدة للدعوة السلفية ولما وصل إليها علم بعض أهل الدرعية بمجيئه .
(وهنا يا شعلة الخير شاهد المقال) فلقد فكر بعض وجهاء تلك البلدة أن يكلموا أميرها محمد بن سعود – رحمه الله – عن هذا الشيخ ودعوته،ولكنهم هابوه وخشوا أن يكلموه،فما كان منهم إلا أن أتوا إلى زوجته الأميرة موضى بنت وطبان – رحمها الله – وكانت ذا عقل ومعرفة،فأخبروها بمكان الشيخ وصفة ما يأمر به وينهى عنه ، فوقر في قلبها معرفة التوحيد وقذف الله في قلبها محبة الشيخ،فلما دخل عليها زوجها محمد أخبرته بمكانه،وقالت إن هذا الرجل أتى إليك وهو غنيمة ساقها الله لك فأكرمه وعظمه واغتنم نصرته،فقبل قولها وألقى الله سبحانه في قلبه للشيخ المحبة .
فتردد الإمام محمد بن سعود هل يذهب للشيخ محمد أو يدعوه إليه ؟ فأشير إليه ـ وقيل إن الأميرة موضى بنت وطبان ـ رحمها الله ـ هي التي أشارت عليه مع جماعة من الصالحين ـ وقالوا له:لا ينبغي أن تدعوه إليك،بل ينبغي أن تقصده في منزله،وأن تقصده أنت وأن تعظم العلم والداعي إلي الخير فذهب إليه وتعاهدا على نصرة الحق والدعوة والجهاد في سبيل الله.
أرأيت يا أمل الأمة إلى موقف هذه المرأة الصالحة وكيف أنها كانت مشعل الخير في تحبيب هذه الدعوة السلفية إلى زوجها الإمام محمد بن سعود – رحمه الله – نعم أيتها – الطاهرة العفيفة – كم هن النساء اللاتي يحفظن تلك الكلمات النيرات(من آثر الراحة فاتته الراحة،واتركي الوسادة لتلحقي بالسادة،وبقدر ما تتعنى تنال ما تتمنى)
وكثير منهن من يحفظ قوله تعالى(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)) (النحل: 125) وقوله سبحانه(( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)) (فصلت:33) .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: كم هن النساء اللواتي غيرن مجرى حياة غيرهن من التعيسات وفتحن لهن مشاريع الخير والهدى والبر؟
كم هم النساء اللواتي حملن هم هذا الدين فوق أكتافهن وعلى رؤوسهن ؟
كم هم النساء اللواتي آزرن أزواجهن إذا كانوا دعاة في سبيل الله فحفظن بيوتهن وأطعن أزواجهن،واشتغلن معه بالدعوة إلى الله .
وكم فتاة زهت بالطهر صادقة *** إذ لقنت بيتها القرآن والسننا
وكم فتاة هوت من أوج مطلعها *** بالانحراف وراحت تدفع الثمنا
لقد صدق الذي قال:ما من رجل عظيم إلا وراءه امرأة عظيمة،فهل تأملت أختاه ما فعلته(موضى) رحمها الله مع زوجها حتى صدق بالدعوة وأتاح لها السير،في بلاده ونشرها بالدعوة والبيان والسيف والسنان،كل هذا بعد أن أثار عزائمه تلك المرأة الصادقة التي لم ينس ولن ينس التاريخ موقفها الخالد الأبي .
أي أخية بمثل هذا الهمم ترتفع راية التوحيد ، وتنتشر في أنحاء المعمورة،ولو أردنا أن نستعرض سير سلفنا الصالح من النساء ،الصالحات لوجدنا من أولهن ركضاً لسوق الدعوة وتثبيت القلوب عليها أم المؤمنين خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها – وما قصتها بخافية على كل صاحبة لب ،ولكننا نريد أن نستفيد من موقفها مع الرسول صلى الله عليه وسلم – بأبي هو وأمي – وكان خائفاً مذعوراً وهو يقول زملوني!زملوني! فقامت خديجة رضي الله عنها وفعلت ما يلي :
1- ثبتت قلب محمد صلى الله عليه وسلم على الدعوة .
2- أزالت الرهبة والهلع من قلبه .
3- ذكرت له ماضيه وسوابقه العظيمة من مكارم الأخلاق وسموها .
4- ذهبت هي وإياه – عليه الصلاة والسلام ـ إلى ابن عمها ورقة بن نوفل لتسأله عما حصل له صلى الله وسلم.
5- آمنت برسالته صلى الله عليه وسلم وشدت من أزر دعوته وناصرته كل المناصرة ولهذا فقد بشرها جبريل عليه السلام ببيت في الجنة من قصب،لا صخب فيه ولا نصب .
روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أتى جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب،فإذا أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها عز وجل ومني،وبشرها ببيت في الجنة من قصب،لا صخب فيه ولا نصب ) .
ولما ماتت حزن عليها الرسول صلى الله عليه وسلم وكان يقول آمنت بي إذ كفر الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس) .
قال ابن حجرـ رحمه الله ـ في الإصابة ( 8/60 )(وكانت خديجة رضي الله عنها أول من آمن بالله ورسوله وصدق بما جاء به فخفف الله بذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم فكان لا يسمع شيئاً يكرهه من الرد عليه فيرجع إليها إلَّا تثبته وتهون عليه أمر الناس)ا.هـ
فلو كان النساء كمن ذكرت *** لفضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب *** وما التذكير فخر للهلال
فامضي أخيتي على ما سار عليه سلفك الصالح واقتحمي بوابة الدعوة، وأصلحي وابذلي ما تستطيعي من وقت لنشر العقيدة الإسلامية.
يقول الإمام ابن تيمية – رحمه الله – ( الدعوة إلى الله هي الدعوة إلى الإيمان به ، وبما جاءت به رسله ، بتصديقهم فيما أخبروا،وطاعتهم فيما أمروا) مجموع الفتاوى ( 15/157 )
ويقول تلميذه العلامة ابن القيم في كتابه مفتاح دار السعادة ( 1/153)( فمقام الدعوة إلى الله أفضل مقامات العبد )
وكان ابن الجوزي يقول:أول قدم في الطريق، بذل الروح،هذه الجادة فأين السالك ) (المدهش صـ299)
فيا فتاة الإسلام وبهجة الأنام لا تكن تلك المرأة الغربية حريصة على نشر دعوتها في أدغال أفريقيا على دبّاب كهربائي لأنها تريد أن تموت وقد اهتدى أناس على أيديها إلى النصرانية !!!
ولا تكن ( كورنيلا دلنبرج ) وهي الفتاة التي لم يتجاوزعمرها الثامنة عشر وقدمت للبحرين في دول الخليج وكانت تتفانى في نشر النصرانية هناك وأطلق عليها اسم(شريفة الأمريكية)لا تكن هذه الفتاة أغير منك على دينها ، والله المستعان.
واعتزي أختاه بدينك الإسلامي وتذكري قول أحد السلف حين قال عنه(يا له من دين لو أن له رجال)قلت(ونساء ينشرونه بين كل الآفاق)
وأختم بكلام للأستاذ الفاضل (محمد أحمد الراشد ) وقد ذكره في كتابه المنطلق ص 141 حيث قال ( ووالله لا نجاح للدعوة،ولا وصول،إن أعطيناها فضول الأوقات،ولاجتمعي أنت وأخواتك في الله وتعاهدوا على الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،وكل ذلك برفق وحكمة،والله معكم ولن يتركم أعمالكم…
وصلى الله وسلم على عبده محمد وعلى آله وصحبه وسلم.........
ولدي الكثير من مواضيع شيخ الاسلام الامام محمد بن عبد الوهاب..................