اختطافُ براءة ( قصة قصيرة ) ...
إيه ما أروعَِ المكان ، تفيضُ من جنباته السكينة ..
خشوعٌ وانكسار ، تضرعٌ والتجاء ، سكونٌ وابتهال ..
سبحانك يا الله .. الأجساد متلاصقة ، والقلوب متجهة إليك ، والأيدي مرتفعة تطمع في رضاك ..
كنت جالسةً في الحرم ومعي ابني صاحب السنوات الخمس تتدفقُ علينا تلك الأجواء الرائعة .. كنت في ركن النساء بينما زوجي كان في ركنٍ آخر ..
أخذ الصغير يصيح علي : أريدُ ماء .. حسنا لا بأس .. هيا ..
قمتُ لأسكت ظمأ ابني بكأسٍ تحمل ماء مباركاً .. وفجأة .. وبلا مقدماتٍ أصبحتُ وحيدة ! .. تلفت يمنة ويسرة علي أظفر بشيء ولا شيء ..
رباه .. قبل ثوانٍ ابني محمد كان ممسكاً بيدي والآن لا أدري .. ويخفى ذلك علي كما يخفى الغيب ! ..
بحثا عنه .. أخذت أمشي وأصرخ : محمد .. من رأى منكم محمدا ؟.. اجتمعت العيونُ حولي وجاءتني امرأة تحاول تهدئتي وطلبت مني أن أصفه ، قلت لها وأنا أبتلعُ بعضَ الحروف من شدة الفزع : نحيل الجسدِ يرتدي بنطالا أسود وبلوزة حمراء له عينان زرقاوان وبشرة بيضاء وملامح بريئة.. قلت الأخيرة وكدت أتراجع حتى لا تتعجب مني .. هي أم فلذا لن تضحك ولن تنكر ما قلت بل وستقول لهم هذه كبقية المواصفات ..
ملامح بريئة ؟ .. عجباً ! .. إن لكل الأطفال ملامح بريئة ، أم هل لمحمد براءة أخرى تختلف ؟.. هو وحيدي ليس لي غيره .. وأنجبته بعد تعب وصبر تجاوز السنين .. أبعد هذا يختفي هاهنا ؟.. في أشرفِ بقعة على هذه الأرض ؟..ألا يخشى الله ذلك الذي سرقه ؟..
قام بالبحث شبابٌ جزاهم الله كل خير وكل منهم انطلق في اتجاه ..
لم أدرِ كيف أخبر والده ، وحقيبتي التي فيها هاتفي النقال قدْ سرقت مع قلبي ..
مرت فترة قصيرة وكنت أخالها ساعات طويلة وجاء الأبُ ليرى مراسمَ البحثِ عن المفقود سأل حتى يشاركهم البحث ليكتشف أن المفقودَ ينتسب إليه ! ..
بحثوا عنه ليوم كامل ولم يجدوا له آثرا في داخل الحرم وكل ما يحيط به ..
لكنا لم نيأس ؛ ظللنا نبحث عنه لمدة شهر حتى أن الناس قد اعتادوا منظرَ أمٍ مكلومة تدور وتبحث وأبٍ بلا شماغ يمشي والحيرة تسكنه ..
مللنا من تلك الحال و قررنا العودة من حيث جئنا .. وكان أن عدنا .. ولم ندر .. أهو ميت فننسى ونصبر أم هو حي لا يزال قلبه ينبض فننتظر طلته ؟! ..
حينما وصلنا تلقائيا دخلت غرفته .. هذه لعبته هذه سيارته التي يحبها ويحب أن ألعب معه بها .. هذا فراشه الذي ينامُ عليه عفوا( كان ).. وسقطت دموعي لتروي وسادة لطالما ارتمى عليها خدُ محمدٍ ..
رائحة منتشرة في الأنحاءِ تغزو أنفي .. تجبرني على البكاءِ والبكاء وعدم السكوت ..
قمتُ مسرعةً وخرجتُ من الغرفة وأقفلتُ بابها بإحكام ورميته فوقَ سطحٍ رفيع وأنا أقول : لن أفتحَ خزانة الذكريات تلك حتى يعودَ وقودها .. ووافق زوجي بعدما رأى حالي بعد دخولي الغرفة ..
عشنا أسبوعين على بقايا غصون من الأمل .. ندعو الله ونتحرى أوقات الإجابة عله يعيد لنا محمدا .. وتجتاحنا أعاصير الأفكار السوداء ..
هنا رأينا أن نمزق الأفكارَ التي تحاصرنا بذهابنا إلى مكةَ للعمرة وإكمال المشوار ..
تجولنا في شوارعها حتى ألفناها بل وعرفنا كل معالم مكة .. وفيما أنا كنت أصلي إذ بطفلٍ يأتيني يمد يده نحوي يرجو النزر اليسير أعطيته خمسة ريالات كانت معي في ذلك الآن ..فرح بها وذهب ليخبر بقية كحاله ..
جاء أحدهم إلي .. وحينما رأيته ضاقت علي الأرض بما رحبت .. الملامحُ ليست غريبة علي .. إنها ضوء مشابه للضوء الذي أضاءَ حياتي يوماً .. جحظت عيناي واهتزت شعيرات جسدي ..
سكاكين انغرست في أحشائي .. وأرضٌ استحالت إلى أشواك ٍ تؤلمني ..
إنه الغالي .. إنه قلبي .. محمد .. ولكنه .. بلا يدٍ يمنى .. وبلسانٍ أبكم ! ...
منقوووول .....
*ادعوا الله لمن فقد طفلا اوعزيزا له ان يكرمه الله بلقائه قبل الفراق الأخير..
إيه ما أروعَِ المكان ، تفيضُ من جنباته السكينة ..
خشوعٌ وانكسار ، تضرعٌ والتجاء ، سكونٌ وابتهال ..
سبحانك يا الله .. الأجساد متلاصقة ، والقلوب متجهة إليك ، والأيدي مرتفعة تطمع في رضاك ..
كنت جالسةً في الحرم ومعي ابني صاحب السنوات الخمس تتدفقُ علينا تلك الأجواء الرائعة .. كنت في ركن النساء بينما زوجي كان في ركنٍ آخر ..
أخذ الصغير يصيح علي : أريدُ ماء .. حسنا لا بأس .. هيا ..
قمتُ لأسكت ظمأ ابني بكأسٍ تحمل ماء مباركاً .. وفجأة .. وبلا مقدماتٍ أصبحتُ وحيدة ! .. تلفت يمنة ويسرة علي أظفر بشيء ولا شيء ..
رباه .. قبل ثوانٍ ابني محمد كان ممسكاً بيدي والآن لا أدري .. ويخفى ذلك علي كما يخفى الغيب ! ..
بحثا عنه .. أخذت أمشي وأصرخ : محمد .. من رأى منكم محمدا ؟.. اجتمعت العيونُ حولي وجاءتني امرأة تحاول تهدئتي وطلبت مني أن أصفه ، قلت لها وأنا أبتلعُ بعضَ الحروف من شدة الفزع : نحيل الجسدِ يرتدي بنطالا أسود وبلوزة حمراء له عينان زرقاوان وبشرة بيضاء وملامح بريئة.. قلت الأخيرة وكدت أتراجع حتى لا تتعجب مني .. هي أم فلذا لن تضحك ولن تنكر ما قلت بل وستقول لهم هذه كبقية المواصفات ..
ملامح بريئة ؟ .. عجباً ! .. إن لكل الأطفال ملامح بريئة ، أم هل لمحمد براءة أخرى تختلف ؟.. هو وحيدي ليس لي غيره .. وأنجبته بعد تعب وصبر تجاوز السنين .. أبعد هذا يختفي هاهنا ؟.. في أشرفِ بقعة على هذه الأرض ؟..ألا يخشى الله ذلك الذي سرقه ؟..
قام بالبحث شبابٌ جزاهم الله كل خير وكل منهم انطلق في اتجاه ..
لم أدرِ كيف أخبر والده ، وحقيبتي التي فيها هاتفي النقال قدْ سرقت مع قلبي ..
مرت فترة قصيرة وكنت أخالها ساعات طويلة وجاء الأبُ ليرى مراسمَ البحثِ عن المفقود سأل حتى يشاركهم البحث ليكتشف أن المفقودَ ينتسب إليه ! ..
بحثوا عنه ليوم كامل ولم يجدوا له آثرا في داخل الحرم وكل ما يحيط به ..
لكنا لم نيأس ؛ ظللنا نبحث عنه لمدة شهر حتى أن الناس قد اعتادوا منظرَ أمٍ مكلومة تدور وتبحث وأبٍ بلا شماغ يمشي والحيرة تسكنه ..
مللنا من تلك الحال و قررنا العودة من حيث جئنا .. وكان أن عدنا .. ولم ندر .. أهو ميت فننسى ونصبر أم هو حي لا يزال قلبه ينبض فننتظر طلته ؟! ..
حينما وصلنا تلقائيا دخلت غرفته .. هذه لعبته هذه سيارته التي يحبها ويحب أن ألعب معه بها .. هذا فراشه الذي ينامُ عليه عفوا( كان ).. وسقطت دموعي لتروي وسادة لطالما ارتمى عليها خدُ محمدٍ ..
رائحة منتشرة في الأنحاءِ تغزو أنفي .. تجبرني على البكاءِ والبكاء وعدم السكوت ..
قمتُ مسرعةً وخرجتُ من الغرفة وأقفلتُ بابها بإحكام ورميته فوقَ سطحٍ رفيع وأنا أقول : لن أفتحَ خزانة الذكريات تلك حتى يعودَ وقودها .. ووافق زوجي بعدما رأى حالي بعد دخولي الغرفة ..
عشنا أسبوعين على بقايا غصون من الأمل .. ندعو الله ونتحرى أوقات الإجابة عله يعيد لنا محمدا .. وتجتاحنا أعاصير الأفكار السوداء ..
هنا رأينا أن نمزق الأفكارَ التي تحاصرنا بذهابنا إلى مكةَ للعمرة وإكمال المشوار ..
تجولنا في شوارعها حتى ألفناها بل وعرفنا كل معالم مكة .. وفيما أنا كنت أصلي إذ بطفلٍ يأتيني يمد يده نحوي يرجو النزر اليسير أعطيته خمسة ريالات كانت معي في ذلك الآن ..فرح بها وذهب ليخبر بقية كحاله ..
جاء أحدهم إلي .. وحينما رأيته ضاقت علي الأرض بما رحبت .. الملامحُ ليست غريبة علي .. إنها ضوء مشابه للضوء الذي أضاءَ حياتي يوماً .. جحظت عيناي واهتزت شعيرات جسدي ..
سكاكين انغرست في أحشائي .. وأرضٌ استحالت إلى أشواك ٍ تؤلمني ..
إنه الغالي .. إنه قلبي .. محمد .. ولكنه .. بلا يدٍ يمنى .. وبلسانٍ أبكم ! ...
منقوووول .....
*ادعوا الله لمن فقد طفلا اوعزيزا له ان يكرمه الله بلقائه قبل الفراق الأخير..