Unconfigured Ad Widget

Collapse

على هامش مؤتمر الحوار الوطني: الجوار في المكان والقواسم المشتركة

Collapse
X
 
  • الوقت
  • عرض
مسح الكل
new posts
  • علي الدوسي
    عضو مميز
    • Jun 2002
    • 1078

    على هامش مؤتمر الحوار الوطني: الجوار في المكان والقواسم المشتركة

    حينما يجتمع أفراد من البشر في مكان معين تنشأ بينهم ألفة، بسببها يحافظون على اجتماعهم، فلا ينفض عقده ولايهن أمره. وهذه الألفة سببها التفاعل بين الأفراد، فاحتكاك بعضهم ببعض ينشأ به تآلف بينهم ، ويمتد الجوار في المكان ليشمل الجوار النفسي والجوار الاجتماعي.
    والجوار النفسي هو جوار العاطفة، به تنشأ العلاقات الحميمة داخل المجتمع، فتنمو الصداقات وتتكون الأسر. أما الجوار الاجتماعي فهو جوار العقل حيث يشعر الجميع أن هذا المكان الذي اجتمعوا فيه له من الحرمة ما يجعلهم يحافظون عليه ويدرؤون عنه مايفسده. وكما أن في الجوار النفسي تنشأ عاطفة عند الفرد يدرك بها ما يلائمه، فكذلك في الجوار الاجتماعي ينشأ عقل عند الأفراد يدركون به ما يلائمهم جماعة ويُعنون به أكثر من عنايتهم بما يلائمهم أفراداً. وهذا الذي نقرره هنا ليس سحقا للفرد وإلغاء له لمصلحة المجموع كما هو الحال في الأنظمة الشمولية المستبدة، وإنما تهذيب له كي يتحقق التعايش بين الأفراد في المكان الواحد. والتعايش هو أدنى درجات الألفة، وأعلى منها التعاون، وأعلى من التعاون النصرة. وإدراك القواسم المشتركة بين المستوطنين مكاناً واحداً يوجب التعايش والتعاون والنصرة؛ لأن حفظ القواسم المشتركة ورعايتها مسؤولية الجميع، وهذا يقتضي درجة أعلى في التفاعل الاجتماعي تسمح بتعدد الآراء ووجهات النظر المختلفة مادامت ترعى القواسم المشتركة. وإن من القواسم المشتركة التي تؤلف بين الناس وتجب رعايتها؛وحدة المكان واستقراره، وأمن الأفراد المستوطنين فيه، وهذه وأمثالها ينبغي أن تكون مقدمة في الاعتبار على مايعرض من خلافات بين الأفراد متوقعة بسبب جوارهم المكاني. والأفراد حينما يحولون هذا الخلاف سواء كان علمياً أو عملياً إلى سبيل للفرقة؛ فقد حطموا القواسم المشتركة وحرمة الجوار المكاني والاجتماعي.
    والشريعة المطهرة جاءت بما يحفظ اجتماع الناس، ويدرأ عنهم الفرقة، وأعطت العلاقة بينهم صفة الأخوة التي هي أقوى العلاقات بين الناس وأرفعها، وهي وردت في القرآن الكريم بتصريفاتها المتعددة مائة مرة، و ذكر أبوعبدالله الدامغاني (ت 478) في كتابه "الوجوه والنظائر" أن لها سبعة معان، هي: الأخوة من الأبوين أو أحدهما، الأخوة في النسب، الأخوة في الدين والملة، الأخوة في الإسلام، الأخوة في الحب والمودة، والأخ بمعنى الصاحب والأخ بمعنى المماثل والمشابه. وبين هذه المعاني السبعة علاقة وثيقة، فهي تدل على الرابط بين اثنين ومنه الآخية وهي العروة يشد بها الشيء.
    وإذا كانت الأخوة يقين ثابت؛ فلا يصح نقضه بظنون من تعدد الآراء، أو اختلاف وحهات النظر، أو حتى النزاع العارض والخصومة الطارئة.
    وهذا المعنى واضح في كتاب الله عز وجل، وفي سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فالنصوص الواردة بالعفو عمن أخطأ، وحسن الظن، وتجنب سيئه، والإصلاح بين الناس، وتغليب الأخوة الإيمانية على غيرها من مصالح خاصة، أو حقوق فردية أكثر من أن تحصى.
    ففي الإصلاح بين المؤمنين ورد قوله تعالى :"إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم", ولاحظ هنا أنه رغم اختلافهم أثبت لهم صفة الأخوة، ولم ينفها عنهم. وهو تذكير بأعظم القواسم المشتركة بينهم في أحوج ما يكونون إليه، فالناس في ظروف النزاع ينسون ما يوثق الأخوة، ويلتفتون إلى ما يبعث العداوة بينهم. وفي وجوب حسن الظن بين المؤمنين ورد قوله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم، ولا تجسسوا و لا يغتب بعضكم بعضاً". والنصوص في هذا كثيرة معلومة.
    والملاحظ البين أن الناس حينما يختلفون يغفلون عن القواسم المشتركة بينهم، ويعنون بما يميز بعضهم عن بعض، أي: بما يفرقهم ولايجمعهم، فيتحول اختلافهم الذي من الممكن أن يكون سبيلاً إلى النمو والإبداع وتنمية القواسم المشتركة بينهم إلى سبيل للافتراق، وهدم ما اشتركوا فيه من روابط. فمن ذلك أنهم حينما يختلفون في مسألة من مسائل الدين وقضاياه؛ يبادر بعضهم إلى تكفير بعض أو تبديعه.
    وعقد الإسلام يقين لايزول بظن طارىء أوخطأ في الرأي اجتهد فيه صاحبه لايلبث أن يرجع عنه، وحينما يختلفون في قضية من قضايا العلم؛ يبادر أحدهم بتجهيل صاحبه وتضليله، وحينما يختلفون في قضية من قضايا وطنهم؛ يبادر أحدهم إلى اتهام صاحبه في ولائه لوطنه، فيتهمه بالعمالة وسوء القصد، وهكذا اتهامات لا تنتهي، وبعد عن الحق، وهدم للقواسم المشتركة التي إذا انهدمت في حق طرف فسوف تنهدم في حق الطرف الآخر لامحالة.
    وهذا في الحقيقة خلل في التفكير، لعل من أسبابه الغفلة عن مقاصد الشريعة المطهرة في الاجتماع والألفة، والغفلة عن باب المصالح والمفاسد، ولعل هذا ناتج عما يمكن أن أسميه بظاهرة الاختزال في التصورات والمفاهيم والأعمال، فالبعض ربما اختزل الطرف الآخر في القول المختلف فيه، فلا يرى سواه، وغفل عن مجالات رحبة أخرى هي موضع اتفاق بين الطرفين، ولهما فيها مندوحة عن المنخنق الضيق الذي وقعوا فيه، وغفل كذلك عن محاسن جمة للطرف الآخر ترجح بما هو موضع تنازع واختلاف.
    ولاشك أن الفقه في دين الله عزوجل المورث سعة الأفق، واستحضار معنى الأخوة المستلزم الرحمة والشفقة، مما لا يتفق مع ظاهرة الاختزال هذه.
    إن الرحيم الشفيق يتألم عندما يجد عند أخيه مخالفة لأمر الله عز وجل، ويفرح عندما يجد عنده موافقة للشرع، وإن مما ألاحظه أن كثيرين بخلاف ذلك، حيث يفرح أحدنا بوجود المخالفة، ويعدها مستمسكا ضد خصمه، بل ربما ذهب ينقب فيما كتبه أو قاله أو عمله؛ ليحصي عليه مخالفته، ثم بعد ذلك يصدر عليه صك حرمان واصماً إياه بما شاء من الوصم، فهو حيناً كافر أو خائن أو منافق أو مبتدع، أو قل ما شئت من الصفات التي تهدم القواسم المشتركة بينه وبين صاحبه، وتهدم ما استقر في حق صاحبه بيقين، واليقين لاينفى بالشك.
    [glint][grade="00008B FF6347 008000 4B0082"]سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم[/grade][/glint]
Working...