Unconfigured Ad Widget

Collapse

أساليب التربية على الأخلاق الفاضلة

Collapse
X
 
  • الوقت
  • عرض
مسح الكل
new posts
  • علي الدوسي
    عضو مميز
    • Jun 2002
    • 1078

    أساليب التربية على الأخلاق الفاضلة

    لقد أقام الإسلام نظاماً فريداً لتربية أبنائه على أساس أن تكوينهم يحفظ عليهم كيانهم، ويحقق التوازن الكامل بين طاقاتهم بحيث لا تدمر فيهم طاقة من الطاقات؛ بل تعمل كلها في انسجام تام بلا طغيان ولا ضعف. وهذا النظام جعل الغربيين ينظرون إليه بعين الإعجاب حتى إن رجلاً كالدكتور (سيزل) عميد كلية الحقوق جامعة فينا يقول في مؤتمر عالمي عام 1927:"إن البشرية لتفخر بانتساب رجل كمحمد إليها، فإنه على أميته استطاع قبل بضعة عشر قرناً أن يأتي بتشريع سنكون نحن الأوروبيين أسعد ما نكون لو وصلنا إليه بعد ألفي عام".
    ولا تجد غرابة في هذا؛ فإن الله الذي خلق الإنسان هو الذي أتى بهذا التشريع الذي شمل الحياة، كما شمل التربية بجميع خصائصها، فهو بمن خلق أعلم بحاجاتهم وأدرى (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) [ الملك: 14]. ومن هنا جاء هذا المنهج شاملاً لكل الخصائص التي تتفق مع حاجات الإنسان في أطوار حياته، ويمكن للباحث أن يهتدي إلى بعض ما ذكرته العناية الإلهية في القرآن الكريم والسنة المطهرة من أساليب مؤثرة ربت النفوس، وارتقت بالهمم، وفتحت قلوب البشر للهدى الإلهي والحضارة الإسلامية، ومكنت لهم في الأرض. في سعتها وفي عمق الزمان ما لم يتح لغيرهم من أمم الأرض أن يتمكنوا فيه.
    وقد حققت أساليب ووسائل التربية الإسلامية نتائج تربوية عظيمة انعكست آثارها على الرعيل الأول من المسلمين، وبدت آثارها في تفوق وتقدم المجتمع المسلم في عصور الحضارة الإسلامية الزاهرة، وقد سلك مربي البشرية الأول محمد – صلى الله عليه وسلم- طرقاً مختلفة في تربية أصحابه، وقد اختلفت هذه الأساليب والطرق ومراعاة للفروق الفردية بين البشر.
    ولعل أهم هذه الأساليب وأبرزها:
    1- أسلوب الحوار القرآني والنبوي.
    2- التربية بالقصص القرآني والنبوي.
    3- التربية بالأمثال القرآنية والنبوية.
    4- التربية بالقدوة.
    5- التربية بالممارسة والعمل.
    6- التربية بالعبرة وبالموعظة.
    7- التربية بالترغيب والترهيب.

    ومن أساليب التربية :

    " تعود الخلق الفاضل"

    العادة تؤدي دوراً خطيراً في حياة الإنسان، ذلك لأنها توفر قسطاً كبيراً من الجهد البشري بتحويله إلى عمل سهل يؤديه الإنسان في ميادين جديدة من العمل والإنتاج والإبداع، ولولا هذه الموهبة التي أودعها الله في فطرة البشر لقضوا حياتهم يتعلمون المشي أو الكلام أو الحساب، ولكنها على عظم مهمتها في حياة الإنسان تنقلب إلى عنصر معوق معطل إذا فقدت كل ما فيها من وعي، وأصبحت أداءً آلياً لا تلتفت إليه النفس، ولا ينفعل به القلب.
    والإسلام يستخدم العادة أسلوباً من أساليب التربية؛ فيحول الخير كله إلى عادة تقوم بها النفس بغير جهد وبغير مقاومة. وطريقة العادة تكون بتكرار عمل معين مرات كافية؛ لجعله جزءاً من حياة الإنسان كالصلاة والصيام.
    ومن هنا فقد طلب الإسلام أن ترتبط هذه الأعمال بالنية حتى تحتسب في ميزان حسناته.
    وذلك في الحديث الذي رواه عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"

    كيف تتكون الأخلاق؟
    والأخلاق تتكون بالممارسة والاعتياد، وبكثرة تكرار الفعل والمواظبة عليه؛ فعندما يراد تحويل المرء من خلق ذميم إلى خلق حسن، يحمل المرء على إتيان هذا العمل وتكراره حتى بتعوده مع استعمال وسائل الإغراء والترغيب ووسائل التنفير من ضده، بحيث تصير نصرته منه رغبة وميلاً، بل وطبيعة أيضاً.
    وبالمواظبة يصير الفعل الحميد عادة لازمة وطبعاً، وبذلك يصير خُلقاً، يقول الشاعر.

    وينشأ ناشئ الفتيان فينا
    على ما كان عوده أبوه


    فتعويد الطفل على الخير منذ صغره يكسبه محبة له؛ فيصير عنده عادة، يقول الإمام أبو حامد الغزالي في ذلك في كتابه (الإحياء):"والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عوّد الخير وعلمه؛ نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه، وكل معلم له ومؤدب. وإن عوّد الشر وأهمل إهمال البهائم؛ شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له". وقد قال عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) [ التحريم:6].
    والأدب يحفظ الإنسان في الدنيا، ويصونه في الآخرة،وصيانة الأب لابنه تتحقق بأن يؤدبه ويهذبه، ويعلمه محاسن الأخلاق...، ثم يوضح الغزالي كيفية اكتساب الأخلاق عن طريق المجاهدة والرياضة، ويعني بها حمل النفس على الأعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب. فمن أراد أن يحصل لنفسه خلق التواضع -مثلاً- وقد غلب عليه الكبر، وعليه أن يواظب على أفعال المتواضعين مدة مديدة، وهو فيها يجاهد نفسه حتى تصير فيه خُلقاً وطبعاً؛ فيتيسر عليه بعد ذلك، وهكذا في كل خلق.
    وهذه هي الطريقة التي سلكها القرآن الكريم منذ نزوله على سيد البشرية محمد -صلى الله عليه وسلم- على أهل الجاهلية، بما فيهم من عادات خاطئة وتقاليد جاهلية موروثة عن آبائهم، فجاء الإسلام وصححها، وأقام المعوج فيها عن طريق التدرج بهم في نزع تلك العادات عنهم، حتى يسهل الاقتناع بالخلع عنها وإبطالها مثل عادات: وأد البنات، وشرب الخمر، والزنا، والربا، والرق...، وغيرها.

    وقد عُني الإسلام بإزالة العادات السيئة التي وجدها سائدة في البيئة العربية، واتخذ لذلك إحدى وسيلتين: إما القطع الحاسم الفاصل، وإما التدرج البطيء حسب نوع العادة التي يعالجها، وطريقة تمكنها في النفس، فكل عادة جاهلية شركية تتصل بأصل التصور والعقيدة؛ قطعها الإسلام قطعاً حاسماً من أول لحظة – فهي كالأورام الخبيثة في الجسم ينبغي أن تستأصل من جذورها، وإلا فلا حياة-؛ لأنه لا يمكن أن يستقيم إيمان وشرك، هذا بالنسبة للعقائد. أما العادات الاجتماعية مثل عادة وأد البنات، أو شرب الخمر، والزنا، والربا، والرق؛ فقد لجأ فيها إلى التدرج البطيء مع استمرار الوعظ والتوجيه، واستحياء القلوب، فهي لم تكن عادات فردية وجدانية بقدر ما كانت أمراضاً سارية في المجتمع، وهي كذلك ليست من العادات التي تستطيع كل نفس أن تحسم موقفها منها في لحظة فلا يعاودها الحنين إليها ولا تعود!
    لذا لجأ الإسلام في علاجها إلى التدرج، ومراحل تحريم الخمر أوضح مثال على نجاح أسلوب التدرج في العلاج.
    أما العادات النفسية من : كذب ونميمة وغيبة وكبر؛ فكانت وسيلة مواجهتها هي التوجيه المحيي للقلب، والاتصال بالله في السر والعلن.
    هذا بالنسبة لمنهج الإسلام في القضاء على سيئ العادات، أما منهجيته في غرس وتثبيت ودعم العادات الصالحة المرغوب فيها؛ فإنه وضع عدة أساليب منها:

    1- أسلوب الهزة الوجدانية الموجبة والقادرة على تغيير البناء العقدي والتصور عند الإنسان، ويستخدم هذا الأسلوب من أجل تحويل الناس من الكفر إلى الإيمان، ويعتمد هذا الأسلوب على تغيير البيئة، حيث ينتقل المسلم من بيئته الكافرة لينتمي إلى جماعة الإيمان، فيدخل معهم في علاقات إيمانية قوامها العدل والمساواة والتآخي، ويمارس معهم شعائر الإسلام. ويصبح ذلك عادة مرتبطة بزمان ومكان وأشخاص، ومن هنا تنشأ العلاقات وتصبح النماذج السلوكية الجديدة ظاهرة فردية وجماعية معاً، ويستقيم المجتمع وتحيى فيه التصورات والفضائل الإسلامية، وبذلك تصبح العادة عملاً فردياً وارتباطاً جماعياً في آن واحد؛ فيحقق الدوام والاستمرار للمجتمع نظاماً اجتماعياً قوي الأسس متين البنيان.
    فالإسلام يلجأ أولاً إلى إثارة الوجدان، ويغرس الرغبة في العمل، ثم يحول الرغبة إلى عمل وسلوك يدعمه الإيمان وتدعمه الجماعة المسلمة؛ كالصلاة مثلاً، هي رغبة في الاتصال بالله والدعاء إليه وطلب المعونة منه؛ فيحول هذه الرغبة إلى عمل محدد ذي مراسم وحدود ثم ينظمها في أوقات محددة ثم يدعو إلى الجماعة ويرغب فيها.
    وكالزكاة؛ تهدف إلى تحرير النفس من الشح، وتعويدها العطف على المحتاج والتعاون مع الجماعة؛ فتتحول الرغبة إلى عمل ظاهر ومحدد ذي نسبة محددة في المال، وأوقات معينة في الأداء، ثم يحول العمل الفردي إلى نظام تقوم عليه الدولة والمجتمع.
    2- الإقناع والاقتناع العقلي: يتضمن الإسلام جانب الغيب، وهي مسألة إيمانية خالصة، تحتاج إلى التسليم والإذعان، وجانب عقلي يحرص الإسلام على إقناع المؤمنين به، فالإسلام يخاطب الناس على قدر عقولهم، ثم يستثير الرغبة ويعمل على ترجمتها إلى
    [glint][grade="00008B FF6347 008000 4B0082"]سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم[/grade][/glint]
Working...