صدر للرئيس نيكسون قبل هذا الكتاب ثمانية كتب سياسية ، إلا أن هذا الكتاب الجديد قد يكون أهمها على الإطلاق لأنه يعالج موضوعا يشغل بال كل دول العالم ، ويهمنا نحن المسلمين والعرب بصورة خاصة ؛ ذلك أن الرئيس نيكسون قسم العالم إلى ثلاث مناطق رئيسة من حيث دور الولايات المتحدة وظيفتها في قيادة العالم الجديد . وهذه المناطق هي المثلث الباسيفيكي ( روسيا – الصين – اليابان ) ، العالم الأطلسي ( أميركا – أوروبا ) ، النصف الجنوبي ( العالم الثالث ) .
وإذا كان هذا التقسيم اعتمد الجغرافيا أساسا له ، فإنه تجاوز ذلك تماما عندما خصص فصلاً كاملاً عن ( العالم الإسلامي ) ، راسما صورة هذا العالم كما هي في الذهن الأميركي والغربي ، محاولا تحليل أوضاعه وبنيته الإيديولوجية والسياسية ، محددا الاقتراحات والمخططات التي يدعو الولايات المتحدة إلى اعتمادها في تعاملها معه .
والذي يهمنا من هذا الكتاب هذا الفصل بالذات الخاص بالعالم الإسلامي ؛ لما يتضمنه من تصوير للعالم الإسلامي بعين أميركية ؛ ولما يقدمه المؤلف من وصفات ومقترحات محددة لاعتمادها أساسا في التعامل مع هذا العالم الإسلامي تحت مظلة النظام العالمي الجديد.
رؤية نيكسون للعالم الثالث :
يخصص " نيكسون " الفصل السادس من الكتاب للنصف الجنوبي من الكرة الأرضية ( العالم الثالث ) وهو يصف هذه المنطقة من العالم بأن طريقها إلى التطور الاقتصادي تعترضها عراقيل صعبة ، وحكومات فاسدة ، وسوء سياسة اقتصادية ، وسوء توجيه للإستراتيجيات الإنمائية (ص233) . ويصف كل هذه المشكلات بأنها مشكلات ذاتية وضعت دول المنطقة في حلقة مفرغة من الفقر تعجز عن الخروج منها .
ويرى نيكسون أنه ( لا يمكن التغلب على هذه العراقيل ما لم نطمئن إلى أن نجاح الحرية في النصف الجنوبي سوف يحل محل سقوط الشيوعية في العالم ) (ص234) . يستعمل نيكسون كلمة الحرية كتعبير ايديولوجي بديل عن الشيوعية ، معتبرا أن المفهوم الأميركي للحرية هو البديل الوحيد ، نافيا وجود أي مفهوم آخر ، أو أي بديل ايديولوجي آخر .
رؤية نيكسون للعالم الإسلامي المعاصر :
يعالج نيكسون في الفصل الخامس من الكتاب موضوع العالم الإسلامي .
ويستهل هذا الفصل بتقديم صورة بالغة السوء عن نظرة الأميركيين إلى المسلمين . فيقول : إن الأميركيين ينظرون إلى المسلمين على أنهم غير متحضرين ، برابرة ، مزاجيين ، لا يستقطبون الانتباه إلا لأن بعض قادتهم يحكمون مناطق تحتوى على ثلثي الاحتياطي العالمي المعروف من النفط . ( ص194)
والأميركيون يذكرون الحروب الثلاثة التي شنها العرب للقضاء على إسرائيل ، ويذكرون الرهائن الأميركيين الذي يعتقلهم الخمينيون المتعصبون ، ويذكرون عملية الهجوم الإرهابي على أولمبياد ميونيخ التي قام بها فلسطينيون من منظمة أيلول الأسود ، ويذكرون مذابح الميليشيات الإسلامية في لبنان ، وتفجير الطائرات المدنية بواسطة سوريا وليبيا ، ومحاولة صدام حسين ضم الكويت على الطريقة الهتلرية . ويلخص " نيكسون " هذه الصورة بقوله : ليس لأي أمة في العالم ، ولا حتى للصين صورة سلبية في الضمير الأميركي مثل صورة العالم الإسلامي . (195) .
رؤية الإدارة الأمريكية للإسلام :
وينتقل نيكسون بعد ذلك إلى الأمر الجوهري الذي يبدو أنه هو بيت القصيد ، فينقل عن مراقبين قولهم : إن الإسلام سوف يصبح قوة جيو سياسية متعصبة ، فمن خلال نمو سكانه ومن خلال تبوئه مركزاً مالياً مهما ، سيفرض تحديا رئيساً يحتم على الغرب أن يقيم تحالفا جديدا مع موسكو للتصدي لعالم إسلامي معاد وعدواني . ( ص 195) . ويذكر " نيكسون" أن هذا التحليل ينطلق من اعتبار الإسلام والغرب عالمين لا يلتقيان ، وأن للإسلام نظرية تقسم العالم إلى قسمين : دار الإسلام ودار الحرب ؛ حيث يجب القضاء على القوى غير الإسلامية .
نيكسون يجرح ويداوي :
لكن " نيكسون" يبادر بعد ذلك إلى طمأنة الغرب بأن كابوس هذا السيناريو لن يتحقق ابدا ، فالعالم الإسلامي أكبر وأكثر تنوعا من أن يحركه قرع طبل واحد . ( 195) . ويقول: إن العالم الإسلامي ليس الشرق الأوسط والوطن العربي ، ولكنه أكثر من 850 مليون إنسان سدس البشرية ، يعيشون في 37 دولة . إن هذه الأمم تنقسم إلى 190 اثنية ، وتتكلم مئات اللغات واللهجات الخاصة ، وتنتمي إلى ثلاث مجموعات دينية : السنة ، والشيعة ، والصوفية . ويدعي نيكسون أن ثمة عاملين مشتركين في العالم الإسلامي ، وهما الإسلام والاضطرابات السياسية (ص169) .
نيكسون يعرف الإسلام كما يعرف أبناءه !
ويعترف في الوقت نفسه أن الإسلام ليس دينا فقط ، ولكنه أساس حضارة رئيسة ، يقول : إننا نتحدث عن العالم الإسلامي كشخصية واحدة ، ليس لأنه يوجد مكتب سياسي يوجه شؤونه السياسية ، ولكن لأن كل الأمم الإسلامية تشترك في تيارات سياسية وثقافية تصب في مجموع الحضارة الإسلامية . (ص196) . ويقول : إن اللحن السياسي نفسه يتردد في طول العالم الإسلامي وعرضه بصرف النظر عن الفوارق بين الدول المختلفة . (ص196) . ويقول : إن المشاركة في العقيدة والسياسة تولد تضامنا مائعا ولكنه تضامن حقيقي ، فعندما يقع حادث رئيسي في جزء من العالم الإسلامي تهتز له سائر الأجزاء . (ص196) .
نيكسون يحدد عوامل الصراع مع الإسلام :
يحدد نيكسون ثلاثة عوامل تجعل الصراع أمراً لا مفر منه مع العالم الإسلامي ، وهذه العوامل هي : الديموغرافيا ، والاقتصاد ، والتوجهات السياسية .
عن الديموغرافيا يقول : إن الانفجار السكاني في العلم يتمركز في العالم الإسلامي (ص197) . فعدد سكان الشرق الأوسط وحده سوف يتضاعف في حدود عام 2010 .
وعن الاقتصاد يقول : إن النمو الاقتصادي لن يتحقق بنفس وتيره النمو الديموغرافي ليمنع هبوطا في مستوى المعيشة مما يحول دون قدرة الحكومات على مقايضة السلام بالتهديدات بعدم الاستقرار . ويذكر في هذا الإطار مشاكل المياه ، والحدود الوطنية . إلا أنه لا يذكر شيئا عن دور الولايات المتحدة في إثارة هذه المشاكل وعرقلة حلها .
وعن التوجهات السياسية يقول: إن الأنظمة السياسية وهي أوتوقراطية بغالبيتها ، ودكتاتورية في أصولها ، تعتمد على احتكارها للقوة أكثر مما تعتمد على دعم الشعوب لها ، والليبرالية السياسية أدت غالبا إلى التمزق أكثر مما أدت إلى الديمقراطية (197) .
وشهد شاهد من أهلها :
يقول : إن نجاح الإسلام في امتحان التصدي للشيوعية كان أفضل من نجاح المسيحية (198) .
ويتحدث " نيكسون " عن التراث الحضاري الإسلامي بموضوعية ويقول : إنه في الوقت الذي كانت أوروبا غارقة في ظلمات العصور الوسطى كانت الحضارة الإسلامية في عصرها الذهبي ، فقد قدم العالم الإسلامي مساهمات جمة في العلوم والطب والفلسفة (199) .
وهنا يربط " نيكسون " بين هذا الماضي وآفاق المستقبل الإسلامي عندما يقول : تمثل هذه الانجازات ما كان عليه العالم الإسلامي في الماضي ، وتشير إلى ما يمكن أن يكون عليه في المستقبل إذا وضع حد لعواصف الحرب المميتة ولعدم الاستقرار السياسي . فالعالم الإسلامي عبارة عن حضارة ضخمة تبحث عن شخصيتها التاريخية (199) .
رؤية نيكسون للحركات السياسية في المنطقة :
يقسم " نيكسون" الحركات السياسية في العالم الإسلامي إلى ثلاثة تيارات فكرية هي : الأصولية – الراديكالية – الحداثة .
ويقول : إن سكان العالم الإسلامي مرشحون للثورة : إنهم شباب أكثر من 60 بالمئة منهم تحت سن الخامسة والعشرين ، إنهم فقراء ، إن متوسط الدخل الفردي – بما في ذلك الدول الغنية بالنفط في الخليج – يبلغ 1600 دولار في السنة مقارنة بمبلغ 21,000 دولار في الولايات المتحدة (203) .
ويقول : إن 27 بالمئة فقط من شعوب العالم الإسلامي تعيش في دول ديمقراطية ، وتلقى الحركات الأصولية الإسلامية هوى لدى الناس ليس بسبب ما تطرحه ولكن بسبب ما تعترض عليه ( 203).
نيكسون يدعو للوقف في وجهة المد الإسلامي :
يدعو " نيكسون " إلى ( دعم مصالحنا ومصالح أهل التحديث في العالم الإسلامي ) . ويقول عنهم : إنهم يريدون إن يقدموا إلى شعوبهم بديلا عن الإيديولوجية الأصولية المتطرفة وعن العلمانية الراديكالية .
ويقول في موضع أخر : للتأثير على التطور التاريخي في العالم الإسلامي ينبغي علينا عدم صياغة استراتيجية تطبق سياسة واحدة في كل الدول الإسلامية ، إنما علينا اختيار نقاط مفصلية من أجل وجودنا ، علينا إرساء شراكة مع دولة عصرية مختارة نشاركها المصالح والأولويات ويكون لها ثقلها في المنطقة (ص205) .
كما يقول : ومن خلال العمل معها لمعالجة قضايا سياسية وأمنية ، ومن خلال تقديم النصح والمساعدة لتطوير نموها الاقتصادي وبروزها التدريجي كنماذج ناجحة داخل العالم الإسلامي ، فإننا نسرع إمكانات التحديث في كل المنطقة . (ص205) . ومن الواضح أن الهدف هو الاستيعاب ( عن طريق التحديث ) وقطع الطريق أمام أي انفلات إسلامي من قبضة الهيمنة الأميركية .
وفي هذا الإطار يسمي " نيكسون " أربع دول يرى أنها منطقيا ، أقرب إلى الشراكة مع الولايات المتحدة وهي : تركيا ، وباكستان ، ومصر ، واندونيسيا . ويتابع : إن سياسة اختيار الشركاء لن تحقق نجاحا فوريا ، ولكن سيكون للولايات المتحدة بعد جيل واحد تأثير على التطور التاريخي للعالم الإسلامي . (208) .
الإسلام هو التحدي الحقيقي للإستراتيجية الأميركية :
ويعترف " نيكسون " أن العالم الإسلامي يطرح أعظم تحد للسياسية الخارجية الأميركية في القرن الواحد والعشرين (209) ، ولذلك فإنه يقترح على السياسة الأميركية تجنب ( ثلاثة أوهام قاتلة ) وهي :
1-وهم الإطار الأمني الشامل .
2-وهم مراقبة التسلح الإقليمي .
3- وهم إعادة توزيع الثروة الإقليمية .
اسرائيل والنفط لا غير :
وكم يبدو نيكسون صادقاً وموضوعياً عندما يقول : إن المصالح الأميركية المباشرة في الشرق الأوسط تنحصر في اثنين هما النفط وإسرائيل ) (ص217) .
ويتحدث عن اشكالية هذه العلاقة ، مؤكدا على قاعدة أساسية وهي : علينا تأمين حياة إسرائيل والعمل مع الدول العربية المعتدلة لتأمين سلامة الخليج الفارسي . (217) .
أمن إسرائيل بعد عقدي وليس سياسي !!
يقرر " نيكسون" ذلك بقوله : إن التزامنا بوجود وسلامة إسرائيل هو التزام عميق ، فنحن لسنا مجرد حلفاء ، ولكنا مرتبطون مع بعض بأكثر من قصاصة ورق ، إنه التزام معنوي ، وخلافاً للاعتقاد فإن إسرائيل ليست مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة .. إن التزامنا بإسرائيل ينطلق من شرعية الحرب العالمية الثانية ، ومن المصالح المعنوية ولايديولوجية بتأمين بقاء الديمقراطيات . لن يجرؤ رئيس أميركي أو مجلس كونغرس أبدا على السماح بتدمير دولة إسرائيل . (ص218) .
ويحدد نيكسون ثلاثة أسباب للمضي قدما في مسيرة التسوية السياسية في الشرق الأوسط :
السب الأول : هو أن اسرائيل حصلت منذ منتصف السبعينات من الولايات المتحدة على مساعدات مباشرة وغير مباشرة تبلغ قرابة 70 مليار دولار .
السبب الثاني : أن الصراع يخلق وضعا يمكن أن يجر الولايات المتحدة إلى حرب تضطرها إلى استعمال الأسلحة النووية .
السبب الثالث : أن خدمة مصالح الولايات المتحدة واسرائيل معا تكن من خلال تسوية تقوم على مقايضة الأرض بالسلام .
وينهي " نيكسون " هذا الفصل من كتابه معترفا بأن العالم الإسلامي قاد المسيحية لمدة خمسة قرون من عام 700حتى عام 1200في ميادين قوة الجغرافيا السياسية ( الجغراسيا ) ومستوى المعيشة ، والدين ، والقانون ، ومستوى التعليم في الفلسفة والعلوم الثقافية . ولكن عقودا من الحروب قلبت الطاولة ( ص231) فكما أن المعرفة التي جاءت من الشرق اطلقت حركة النهضة في الغرب ، فقد حان الوقت ليساهم الغرب في نهضة العالم الإسلامي !!
وإذا كان هذا التقسيم اعتمد الجغرافيا أساسا له ، فإنه تجاوز ذلك تماما عندما خصص فصلاً كاملاً عن ( العالم الإسلامي ) ، راسما صورة هذا العالم كما هي في الذهن الأميركي والغربي ، محاولا تحليل أوضاعه وبنيته الإيديولوجية والسياسية ، محددا الاقتراحات والمخططات التي يدعو الولايات المتحدة إلى اعتمادها في تعاملها معه .
والذي يهمنا من هذا الكتاب هذا الفصل بالذات الخاص بالعالم الإسلامي ؛ لما يتضمنه من تصوير للعالم الإسلامي بعين أميركية ؛ ولما يقدمه المؤلف من وصفات ومقترحات محددة لاعتمادها أساسا في التعامل مع هذا العالم الإسلامي تحت مظلة النظام العالمي الجديد.
رؤية نيكسون للعالم الثالث :
يخصص " نيكسون " الفصل السادس من الكتاب للنصف الجنوبي من الكرة الأرضية ( العالم الثالث ) وهو يصف هذه المنطقة من العالم بأن طريقها إلى التطور الاقتصادي تعترضها عراقيل صعبة ، وحكومات فاسدة ، وسوء سياسة اقتصادية ، وسوء توجيه للإستراتيجيات الإنمائية (ص233) . ويصف كل هذه المشكلات بأنها مشكلات ذاتية وضعت دول المنطقة في حلقة مفرغة من الفقر تعجز عن الخروج منها .
ويرى نيكسون أنه ( لا يمكن التغلب على هذه العراقيل ما لم نطمئن إلى أن نجاح الحرية في النصف الجنوبي سوف يحل محل سقوط الشيوعية في العالم ) (ص234) . يستعمل نيكسون كلمة الحرية كتعبير ايديولوجي بديل عن الشيوعية ، معتبرا أن المفهوم الأميركي للحرية هو البديل الوحيد ، نافيا وجود أي مفهوم آخر ، أو أي بديل ايديولوجي آخر .
رؤية نيكسون للعالم الإسلامي المعاصر :
يعالج نيكسون في الفصل الخامس من الكتاب موضوع العالم الإسلامي .
ويستهل هذا الفصل بتقديم صورة بالغة السوء عن نظرة الأميركيين إلى المسلمين . فيقول : إن الأميركيين ينظرون إلى المسلمين على أنهم غير متحضرين ، برابرة ، مزاجيين ، لا يستقطبون الانتباه إلا لأن بعض قادتهم يحكمون مناطق تحتوى على ثلثي الاحتياطي العالمي المعروف من النفط . ( ص194)
والأميركيون يذكرون الحروب الثلاثة التي شنها العرب للقضاء على إسرائيل ، ويذكرون الرهائن الأميركيين الذي يعتقلهم الخمينيون المتعصبون ، ويذكرون عملية الهجوم الإرهابي على أولمبياد ميونيخ التي قام بها فلسطينيون من منظمة أيلول الأسود ، ويذكرون مذابح الميليشيات الإسلامية في لبنان ، وتفجير الطائرات المدنية بواسطة سوريا وليبيا ، ومحاولة صدام حسين ضم الكويت على الطريقة الهتلرية . ويلخص " نيكسون " هذه الصورة بقوله : ليس لأي أمة في العالم ، ولا حتى للصين صورة سلبية في الضمير الأميركي مثل صورة العالم الإسلامي . (195) .
رؤية الإدارة الأمريكية للإسلام :
وينتقل نيكسون بعد ذلك إلى الأمر الجوهري الذي يبدو أنه هو بيت القصيد ، فينقل عن مراقبين قولهم : إن الإسلام سوف يصبح قوة جيو سياسية متعصبة ، فمن خلال نمو سكانه ومن خلال تبوئه مركزاً مالياً مهما ، سيفرض تحديا رئيساً يحتم على الغرب أن يقيم تحالفا جديدا مع موسكو للتصدي لعالم إسلامي معاد وعدواني . ( ص 195) . ويذكر " نيكسون" أن هذا التحليل ينطلق من اعتبار الإسلام والغرب عالمين لا يلتقيان ، وأن للإسلام نظرية تقسم العالم إلى قسمين : دار الإسلام ودار الحرب ؛ حيث يجب القضاء على القوى غير الإسلامية .
نيكسون يجرح ويداوي :
لكن " نيكسون" يبادر بعد ذلك إلى طمأنة الغرب بأن كابوس هذا السيناريو لن يتحقق ابدا ، فالعالم الإسلامي أكبر وأكثر تنوعا من أن يحركه قرع طبل واحد . ( 195) . ويقول: إن العالم الإسلامي ليس الشرق الأوسط والوطن العربي ، ولكنه أكثر من 850 مليون إنسان سدس البشرية ، يعيشون في 37 دولة . إن هذه الأمم تنقسم إلى 190 اثنية ، وتتكلم مئات اللغات واللهجات الخاصة ، وتنتمي إلى ثلاث مجموعات دينية : السنة ، والشيعة ، والصوفية . ويدعي نيكسون أن ثمة عاملين مشتركين في العالم الإسلامي ، وهما الإسلام والاضطرابات السياسية (ص169) .
نيكسون يعرف الإسلام كما يعرف أبناءه !
ويعترف في الوقت نفسه أن الإسلام ليس دينا فقط ، ولكنه أساس حضارة رئيسة ، يقول : إننا نتحدث عن العالم الإسلامي كشخصية واحدة ، ليس لأنه يوجد مكتب سياسي يوجه شؤونه السياسية ، ولكن لأن كل الأمم الإسلامية تشترك في تيارات سياسية وثقافية تصب في مجموع الحضارة الإسلامية . (ص196) . ويقول : إن اللحن السياسي نفسه يتردد في طول العالم الإسلامي وعرضه بصرف النظر عن الفوارق بين الدول المختلفة . (ص196) . ويقول : إن المشاركة في العقيدة والسياسة تولد تضامنا مائعا ولكنه تضامن حقيقي ، فعندما يقع حادث رئيسي في جزء من العالم الإسلامي تهتز له سائر الأجزاء . (ص196) .
نيكسون يحدد عوامل الصراع مع الإسلام :
يحدد نيكسون ثلاثة عوامل تجعل الصراع أمراً لا مفر منه مع العالم الإسلامي ، وهذه العوامل هي : الديموغرافيا ، والاقتصاد ، والتوجهات السياسية .
عن الديموغرافيا يقول : إن الانفجار السكاني في العلم يتمركز في العالم الإسلامي (ص197) . فعدد سكان الشرق الأوسط وحده سوف يتضاعف في حدود عام 2010 .
وعن الاقتصاد يقول : إن النمو الاقتصادي لن يتحقق بنفس وتيره النمو الديموغرافي ليمنع هبوطا في مستوى المعيشة مما يحول دون قدرة الحكومات على مقايضة السلام بالتهديدات بعدم الاستقرار . ويذكر في هذا الإطار مشاكل المياه ، والحدود الوطنية . إلا أنه لا يذكر شيئا عن دور الولايات المتحدة في إثارة هذه المشاكل وعرقلة حلها .
وعن التوجهات السياسية يقول: إن الأنظمة السياسية وهي أوتوقراطية بغالبيتها ، ودكتاتورية في أصولها ، تعتمد على احتكارها للقوة أكثر مما تعتمد على دعم الشعوب لها ، والليبرالية السياسية أدت غالبا إلى التمزق أكثر مما أدت إلى الديمقراطية (197) .
وشهد شاهد من أهلها :
يقول : إن نجاح الإسلام في امتحان التصدي للشيوعية كان أفضل من نجاح المسيحية (198) .
ويتحدث " نيكسون " عن التراث الحضاري الإسلامي بموضوعية ويقول : إنه في الوقت الذي كانت أوروبا غارقة في ظلمات العصور الوسطى كانت الحضارة الإسلامية في عصرها الذهبي ، فقد قدم العالم الإسلامي مساهمات جمة في العلوم والطب والفلسفة (199) .
وهنا يربط " نيكسون " بين هذا الماضي وآفاق المستقبل الإسلامي عندما يقول : تمثل هذه الانجازات ما كان عليه العالم الإسلامي في الماضي ، وتشير إلى ما يمكن أن يكون عليه في المستقبل إذا وضع حد لعواصف الحرب المميتة ولعدم الاستقرار السياسي . فالعالم الإسلامي عبارة عن حضارة ضخمة تبحث عن شخصيتها التاريخية (199) .
رؤية نيكسون للحركات السياسية في المنطقة :
يقسم " نيكسون" الحركات السياسية في العالم الإسلامي إلى ثلاثة تيارات فكرية هي : الأصولية – الراديكالية – الحداثة .
ويقول : إن سكان العالم الإسلامي مرشحون للثورة : إنهم شباب أكثر من 60 بالمئة منهم تحت سن الخامسة والعشرين ، إنهم فقراء ، إن متوسط الدخل الفردي – بما في ذلك الدول الغنية بالنفط في الخليج – يبلغ 1600 دولار في السنة مقارنة بمبلغ 21,000 دولار في الولايات المتحدة (203) .
ويقول : إن 27 بالمئة فقط من شعوب العالم الإسلامي تعيش في دول ديمقراطية ، وتلقى الحركات الأصولية الإسلامية هوى لدى الناس ليس بسبب ما تطرحه ولكن بسبب ما تعترض عليه ( 203).
نيكسون يدعو للوقف في وجهة المد الإسلامي :
يدعو " نيكسون " إلى ( دعم مصالحنا ومصالح أهل التحديث في العالم الإسلامي ) . ويقول عنهم : إنهم يريدون إن يقدموا إلى شعوبهم بديلا عن الإيديولوجية الأصولية المتطرفة وعن العلمانية الراديكالية .
ويقول في موضع أخر : للتأثير على التطور التاريخي في العالم الإسلامي ينبغي علينا عدم صياغة استراتيجية تطبق سياسة واحدة في كل الدول الإسلامية ، إنما علينا اختيار نقاط مفصلية من أجل وجودنا ، علينا إرساء شراكة مع دولة عصرية مختارة نشاركها المصالح والأولويات ويكون لها ثقلها في المنطقة (ص205) .
كما يقول : ومن خلال العمل معها لمعالجة قضايا سياسية وأمنية ، ومن خلال تقديم النصح والمساعدة لتطوير نموها الاقتصادي وبروزها التدريجي كنماذج ناجحة داخل العالم الإسلامي ، فإننا نسرع إمكانات التحديث في كل المنطقة . (ص205) . ومن الواضح أن الهدف هو الاستيعاب ( عن طريق التحديث ) وقطع الطريق أمام أي انفلات إسلامي من قبضة الهيمنة الأميركية .
وفي هذا الإطار يسمي " نيكسون " أربع دول يرى أنها منطقيا ، أقرب إلى الشراكة مع الولايات المتحدة وهي : تركيا ، وباكستان ، ومصر ، واندونيسيا . ويتابع : إن سياسة اختيار الشركاء لن تحقق نجاحا فوريا ، ولكن سيكون للولايات المتحدة بعد جيل واحد تأثير على التطور التاريخي للعالم الإسلامي . (208) .
الإسلام هو التحدي الحقيقي للإستراتيجية الأميركية :
ويعترف " نيكسون " أن العالم الإسلامي يطرح أعظم تحد للسياسية الخارجية الأميركية في القرن الواحد والعشرين (209) ، ولذلك فإنه يقترح على السياسة الأميركية تجنب ( ثلاثة أوهام قاتلة ) وهي :
1-وهم الإطار الأمني الشامل .
2-وهم مراقبة التسلح الإقليمي .
3- وهم إعادة توزيع الثروة الإقليمية .
اسرائيل والنفط لا غير :
وكم يبدو نيكسون صادقاً وموضوعياً عندما يقول : إن المصالح الأميركية المباشرة في الشرق الأوسط تنحصر في اثنين هما النفط وإسرائيل ) (ص217) .
ويتحدث عن اشكالية هذه العلاقة ، مؤكدا على قاعدة أساسية وهي : علينا تأمين حياة إسرائيل والعمل مع الدول العربية المعتدلة لتأمين سلامة الخليج الفارسي . (217) .
أمن إسرائيل بعد عقدي وليس سياسي !!
يقرر " نيكسون" ذلك بقوله : إن التزامنا بوجود وسلامة إسرائيل هو التزام عميق ، فنحن لسنا مجرد حلفاء ، ولكنا مرتبطون مع بعض بأكثر من قصاصة ورق ، إنه التزام معنوي ، وخلافاً للاعتقاد فإن إسرائيل ليست مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة .. إن التزامنا بإسرائيل ينطلق من شرعية الحرب العالمية الثانية ، ومن المصالح المعنوية ولايديولوجية بتأمين بقاء الديمقراطيات . لن يجرؤ رئيس أميركي أو مجلس كونغرس أبدا على السماح بتدمير دولة إسرائيل . (ص218) .
ويحدد نيكسون ثلاثة أسباب للمضي قدما في مسيرة التسوية السياسية في الشرق الأوسط :
السب الأول : هو أن اسرائيل حصلت منذ منتصف السبعينات من الولايات المتحدة على مساعدات مباشرة وغير مباشرة تبلغ قرابة 70 مليار دولار .
السبب الثاني : أن الصراع يخلق وضعا يمكن أن يجر الولايات المتحدة إلى حرب تضطرها إلى استعمال الأسلحة النووية .
السبب الثالث : أن خدمة مصالح الولايات المتحدة واسرائيل معا تكن من خلال تسوية تقوم على مقايضة الأرض بالسلام .
وينهي " نيكسون " هذا الفصل من كتابه معترفا بأن العالم الإسلامي قاد المسيحية لمدة خمسة قرون من عام 700حتى عام 1200في ميادين قوة الجغرافيا السياسية ( الجغراسيا ) ومستوى المعيشة ، والدين ، والقانون ، ومستوى التعليم في الفلسفة والعلوم الثقافية . ولكن عقودا من الحروب قلبت الطاولة ( ص231) فكما أن المعرفة التي جاءت من الشرق اطلقت حركة النهضة في الغرب ، فقد حان الوقت ليساهم الغرب في نهضة العالم الإسلامي !!