Unconfigured Ad Widget

Collapse

حرب العراق.. هموم مستقبلية (2/2)

Collapse
X
 
  • الوقت
  • عرض
مسح الكل
new posts
  • علي الدوسي
    عضو مميز
    • Jun 2002
    • 1078

    حرب العراق.. هموم مستقبلية (2/2)

    معالم مستقبلية :
    في استشراف معالم المستقبل ، يكون من الصعوبة بمكان وضع تصور محدد لها ، لأن الحالة ما زالت متحركة وغير واضحة المعالم ، ولكن هناك إشارات متعددة يمكن منها استخلاص بعض هذه المعالم التي هي في طور التشكل ، الإشارة الأولى: هي بداية ظهور ما يمكن تسميته بالمستنقع العراقي الذي ستتورط فيه الحكومة الأمريكية ، وذلك من خلال عمليات عسكرية متقطعة تمثل حرب استنزاف ، اعترفت بها القيادة العسكرية لقوات الاحتلال ، وسط العديد من القتلى والجرحى على مدار الأيام التي أعقبت إعلان انتهاء المواجهات العسكرية الكبرى ، وهذا التطور من شأنه أن يبلور مع الوقت نواة لحركة مقاومة عراقية منظمة ستحيل الوجود الأمريكي هناك إلى جحيم لا يطاق ، وربما كان في الطلب المفاجئ الذي وجهته الإدارة الأمريكية إلى أكثر من ستين دولة في العالم لإرسال قوات لحماية الأمن الداخلي في العراق مؤشر على استشعار الإدارة الأمريكية للصعوبات التي بدت بوادرها في العراق ، ومن أسف أن بعض الدول العربية أبدت استعدادها للمشاركة ؛ كقوات شرطة تحت القيادة الأمريكية .
    الإشارة الثانية: هي تبلور وعي شعبي سريع ومفاجئ لدى الشعب العراقي بخطورة الوضع الجديد والإملاءات الأمريكية الفجة في التعيينات الإدارية الجديدة ، وهو الأمر الذي تجلى في تظاهرات عنيفة تحولت إلى مأساة حينما فتحت القوات الأمريكية النار على المتظاهرين فقتلت وأصابت العشرات ، بما يعني أن الأمريكيين بدؤوا يمارسون نفس الدور القمعي الإرهابي الذي كان يمارسه (صدام حسين) ضد شعبه ، وهذا الوضع يؤسس لحشد نفسي شعبي متزايد ضد الوجود الأمريكي يجعل من استمراريته في العراق أمراً مشكوكاً فيه .
    الإشارة الثالثة: هي في الإحراجات التي حاصرت المعارضة العراقية القادمة من الخارج مع الدبابات الأمريكية ، وهي إحراجات دفعت بعض رموزهم " مثل )أحمد الشلبي( " إلى إعلان استنكارهم لأي وجود مستقبلي طويل للقوات الأمريكية في العراق ، وهذه التصريحات تكررت عبر آخرين من المعارضة الخارجية ، وسواء قيلت على سبيل النفاق للحالة الشعبية أو كان إدراكا حقيقيا ؛ إلا أن المحصلة واحدة في الحالتين، وهي إدراك القوى السياسية الجديدة أن الوجود الأجنبي مستحيل الاستقرار في العراق الجديد ، وهذا الأمر مرشح لتفجير المزيد من التوترات بين القوى السياسية ـ حتى المتأمركة ـ وبين قوات الاحتلال .
    الإشارة الرابعة: وتتمثل في التسريبات الصحفية المتزايدة ، وأخطرها من الصحافة الروسية ، عن بعض تفاصيل الصفقة الإجرامية بين الإدارة الأمريكية وبين (صدام) وزمرته، والتي أشرف عليها السفير الروسي في بغداد وقضت بتسليم (صدام) للعاصمة بدون قتال مقابل ضمانات بتوفير ممر آمن له ولأعضاء حكومته وأسرته للخروج إلى دولة مجاورة ، ومنها إلى روسيا ، مع ضمانات بعدم الملاحقة الأمنية والمالية ، وهي الصفقة التي يتزايد رسوخها الآن في الأوساط السياسية والإعلامية رغم الدجل الأمريكي بالإعلان عن مكافأة لمن يدلي بمعلومات عن (صدام) والقيادة الهاربة ،أو التسريبات السخيفة عن رؤية (صدام) في أحد مساجد بغداد، أو مشاهدة آخرين له في بعض أحيائها ، فكل ذلك محاولات دؤوبة للتغطية على " الفضيحة " التي سوف تحرم الأمريكيين من بهجة انتصارهم ، وتصمهم بالتواطؤ المشين مع الطاغية، الذي زعموا أنهم جاؤوا لمعاقبته وتحرير شعب العراق منه ، بينما هم دمروا العراق وشعبه، ثم كافؤوه بضمان خروجه بما اغتصبه من مال الشعب، وتحصينه من المحاكمة على جرائمه ضد شعبه ، وهذه " الصفقة " سوف تزيد من مستوى الكراهية التي ستتصاعد لدى الشعب العراقي ضد قوات الاحتلال، الذي سيكتشف أنها تآمرت عليه مع (صدام) وزبانيته .

    انعكاسات الوضع الجديد في المنطقة
    بلا شك فإن الحرب على العراق قد أقضت مضاجع العديد من النظم السياسية العربية في المنطقة ، وسوف يكون لها آثارها على تطور أوضاع داخلية ، فالحرب بمستوى العنف الذي مارسته القوات الأمريكية تركت انطباعا بأن الخطط التي سبق وأعلنت في أمريكا عن صياغة شرق أوسطي جديد ، والتأسيس لنظم سياسية تقوم على التعددية والديمقراطية واحترام الحريات العامة ونحو ذلك ، إضافة إلى أن تكون غير معادية للولايات المتحدة وإسرائيل ؛ هي خطط جدية وليست مجرد تهويمات أو تهديدات ، ولقد تصاعدت موجة من مطالب المثقفين في عديد من دول المنطقة إلى ضرورة إجراء النظم السياسية إصلاحات عاجلة تتضمن انفتاح السلطة على شعبها قبل أن يأتي ذلك بقوة الخارج . والحقيقة أن مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة قد تبلور لديها ـ في سعيها إلى إجابة السؤال : لماذا يكرهوننا؟ ـ قناعة مفادها أن أحد أهم أسباب الكراهية للولايات المتحدة هو دعمها للنظم القمعية في المنطقة ، وهو القمع الذي تذهب ضحيته الشعوب المغلوبة على أمرها ، الأمر الذي يجعل هذه الشعوب تدرك أن " أمريكا " هي شريك أساس في هذا القمع الواقع على الشعوب ، كما أن أحداث 11 سبتمبر تركت انطباعاً لديهم بأن الكبت وانعدام الحريات في الشرق الأوسط والفكر البوليسي لنظم الحكم وانتشار التعذيب على نطاق واسع وانعدام وجود اعتبار لحقوق الإنسان هو الذي ولد دوامات العنف المسلح والذي انتهت " شظاياه " إلى أمريكا ذاتها ، ومن ثم فإن " الشأن الداخلي " في العالم العربي لم يعد بمنأى عن اهتمام الإدارة الأمريكية؛ بل هو أصبح جزءًا من الأمن القومي الأمريكي ، وهذا الكلام أصبح معلناً من خلال أجهزة إعلام وصحف ومجلات متخصصة، فضلا عن تصريحات العديد من المسؤولين الحاليين والسابقين في الإدارة الأمريكية وأجهزتها الأمنية ، والذي لا شك فيه أن مثل هذه التطورات المقلقة للنظم العربية سوف تربكها بصورة كبيرة ، وتضعف مواقفها الداخلية ، وسوف تجعلها تعيد النظر ـ بدرجة أو أخرى ـ في علاقاتها مع شعوبها ، وإن كان الأخطر في حالة الضعف هذه هي الانزلاق في تقديم تنازلات سياسية مخجلة ومهينة على مستوى القضايا المصيرية الإقليمية والدولية ، وفي مقدمتها بطبيعة الحال ، قضية فلسطين ، ولكن ؛ حتى هذه التنازلات لو وقعت فإنها لن تنجيهم من الملاحقة الأمريكية ، لأن القناعة الآن هناك أن الشأن الداخلي العربي يحتاج إلى تعديل جذري ، وأنه ـ كما سبق ـ أصبح مؤثراً مباشراً على الأمن القومي الأمريكي .
    وفيما يخص التهديدات بالعمل العسكري المباشر ضد سوريا أو غيرها ، فهو ـ في تقدير العديد من الخبراء ـ أمر مستبعد لاعتبارات عديدة تتعلق بالمشروعية والإجماع الدولي ضده ومخاطر التداعيات في المنطقة التي ستختلف عن الوضع في العراق، فضلا عن القلق من خوض تجربة مقلقة جديدة قد تمثل إحراجا للعسكرية الأمريكية، خاصة وقد واجهوا إحراجات كبيرة في جنوب العراق رغم هشاشة الوضع هناك ، ولولا الصفقة الغامضة في بغداد لكان من العسير عليهم دخولها دون خسارة الآلاف من الجنود.
    فالعمل العسكري غير مطروح " الآن " ولكن تبقى هناك مساحات كبيرة للضغط المؤثر والعنيف ، خاصة مع نظم سياسية لا تملك قوة تماسك شعبي داخلي كافية ، ولا تملك دعماً إقليمياً عملياً وجاداً تستطيع أن تتحصن به .

    رؤية مغايرة للموقف الإسلامي
    هذه التطورات الجديدة من شأنها أن تفرض على الإسلاميين -بشكل خاص- وعياً جديداً بها، وقدرة عالية على التعامل بحكمة وأفق مستقبلي معها، فإعلان الرفض الكامل لكل ما يطرح من قبل القوى الغربية -بما فيها أمريكا- ليس موقفاً حكيماً، كما أن التصديق الكامل بكل العبارات والرؤى الجميلة التي تعلن عنها الإدارة الأمريكية هو محض سذاجة سياسية، وكذلك الموقف من النظم الرسمية في العالم العربي، إذ إنه من الممكن -بل الراجح- أن تحاول كثير من النظم فتح أبواب التواصل مع التيارات الإسلامية، وكسب ودها لجعلها في صفها ضد الضغوط الأمريكية، بوصف الإسلاميين هم القوة الشعبية والجماهيرية الوحيدة تقريبا في الشارع العربي، وبنفس المنطق نقول أيضا: بأن رفض أية مبادرات سياسية داخلية للإصلاح، وتحسين الأوضاع السياسية والإنسانية في المجتمع من قبل الحكومات هو موقف غير حكيم، وبالمقابل فإن الدعم المطلق والمجاني لموقف هذه النظم -أمام الضغوط الأمريكية أو الأوربية دون أن تقدم على مصالحات عملية مؤسسية مقنعة مع شعوبها- هو سذاجة، وإنما الأمر تحكمه اعتبارات المصالح العامة للمجتمع وهويته ودينه، وكرامة إنسانه وحرياته العامة واستقلال إرادته السياسية محليا ودوليا، وباختصار اضطراري نقول: بأن العواطف وحدها -في هذه اللحظة التاريخية الفارقة- تكون سلوكا أحمق، والعقل والحكمة والوعي السياسي والتاريخي والمستقبلي هو وحده الذي يجعل الأمة تفيد من هذه اللحظة لصالح حاضرها ومستقبلها.
    في ما يتعلق بالشأن الإسلامي أيضا، فعلى غير ما يتصور البعض أن الاحتلال الأمريكي الحالي للعراق سيمثل ضغطا على الأوضاع السياسية في المنطقة، فإن الذي لا شك فيه أن تحرر العراق من قبضة (صدام) والبعث سيعيد المجتمع العراقي -رغما عن الهوى الأمريكي- إلى أمته من جديد، وسوف ينفتح العراق على مختلف التيارات والحركات السياسية في المنطقة، بما في ذلك الحركات الإسلامية المختلفة، وهناك بالفعل -خلال السنوات العشر الأخيرة- إحياء إسلامي كبير في العراق، تعمد النظام البعثي تركه يتفاعل، لإدراكه بالحاجة إليه في مواجهة الضغوط الأمريكية، التي بدأت بالحصار والتهديدات المتوالية بالحرب، والمهم أن عودة المجتمع العراقي إلى أمته ومحيطه العربي والإسلامي سيمثل دعماً كبيراً للدعوة الإسلامية، وإضافة مهمة للمسار الإسلامي على مختلف الأصعدة، فالعراق ثقل فكري وحضاري وأدبي وديني كبير، والدمار الذي أحدثه فيه البعث لن يكون بحجم الدمار الذي أحدثه الاتحاد السوفييتي في الجمهوريات الإسلامية على مدار ثلاثة أرباع القرن، ومع ذلك فهي تعود من جديد إلى الإسلام، وينبغي النظر إلى الوضع الاجتماعي الجديد في العراق من هذه الزاوية، ولا يستغرقنا الشأن السياسي ومراراته وتوازناته عن (العمق الاجتماعي)، وعلى المؤسسات الإسلامية الدعوية والخيرية والثقافية وغيرها المبادرة بسرعة لاصطناع الجسور مع المجتمع العراقي الجديد وملء الفراغ، قبل أن يملأه آخرون بتيارات التغريب والتخريب الثقافي والتربوي والأخلاقي .
    [glint][grade="00008B FF6347 008000 4B0082"]سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم[/grade][/glint]
Working...