Unconfigured Ad Widget

Collapse

بيان بعد سقوط بغداد

Collapse
X
 
  • الوقت
  • عرض
مسح الكل
new posts
  • الجاسر
    عضو نشيط
    • Dec 2002
    • 401

    بيان بعد سقوط بغداد

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد..

    فإن من مقتضيات حكمة الله تعالى أن تمضي أمور الحياة في الأنفس والمجتمعات وفق سنن الله تعالى كما قال سبحانه: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} (الفتح: 23). وأمر الغلبة والهزيمة خاضع لسنن الله تعالى وناموسه الكوني.

    كما أن النصر خاضع لسنة الله تعالى الخاصة بأهل الإيمان، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد: 7)، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (الروم: 47).

    وأمام هذا الحدث الجلل المتمثل في غزو الأمريكان والبريطانيين وغيرهم لأرض العراق واحتلال بغداد والمدن الأخرى، وما أحدثه ذلك من أثر مؤلم في نفوس المسلمين، وما سيعقبه -فيما يغلب على الظن- من آثار وعواقب.. وجب إيضاح بعض القضايا المهمة إزاء هذا الحدث العظيم، وفق ما يلي:

    1- الدلالات والعبر من هذا الحدث.
    2- التأثيرات والمخاطر الناجمة عن الحدث.
    3- الموقف والعمل المطلوب.


    أولا: الدلالات والعبر من هذا الحدث :

    من مزايا أهل العقل والحكمة أن ينظروا في دلالات وعبر الأحداث النازلة، وهو ما أمر الله تعالى به في قوله تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (آل عمران: 137)، وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} (الحشر: 2).

    ومن العبر العظيمة التي تستفاد من هذا الحدث الكبير:


    1-أن الله تعالى جعل الوهن والخراب ملازمَين لأعمال المفسدين، وجعل مآلات أعمالهم إلى بوار ودمار كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} (يونس: 81)، وما قام به حزب البعث وحكامه من طغيان وفساد وظلم وانحراف وتسلط وجور وتكبر على شريعة الله، كان مقدمة لهذا المآل الذي وصلوا إليه.

    2-أن استعباد الشعوب وإذلالها واحتقارها ونهب خيرات البلاد سبب في ضعف هذه الشعوب، ومقدمة لتفكيكها وانهيارها، وعدم قدرتها على مواجهة الخطوب والنوازل.

    3-فهم حقيقة الطغيان والاستبداد، وظهور أن التحكم في شئون الشعوب بغير دينها وخلاف مرادها، أدى إلى انعزال الحكام وبغض شعوبهم لهم، وسيؤدي في الأزمات والنوازل إلى فرار الحكام أو اختفائهم أو استسلامهم للعدو، وفرحة الشعوب بسقوطهم وزوالهم، ووقوع الفوضى.

    4-أن الارتماء في أحضان أعداء الأمة والاستناد إليهم سبب كبير من أسباب النكبة، وباب عظيم لتحكم الأعداء في بلدان المسلمين وثرواتهم.

    5-اتضاح كذب أعداء الأمة، وتلاعبهم بأمورها وأحوالها وخيراتها؛ فالأمريكان هم الذين أتوا بحزب البعث، ومكَّنوا له في السلطة، ودعموه لمحاربة إيران، وأغروه باحتلال الكويت، ودعموا تسلطه على شعبه وظلمه، ثم أعلنوا الحرب عليه وسعوا لخلعه، وتوصلوا إلى احتلال أرض العراق تحت هذه الذرائع.

    6-ظهور حكمة الله تعالى في أن من أعان ظالمًا سلطه الله عليه؛ فالدولة التي أيدت حزب البعث ودعمته في انقلابه الأول هي التي ذاقت مرارة بغيه واصطلت بنار عدوانه، والدول المجاورة التي دعمته في حربه ضد إيران عانت منه وقاست الأمرّين أمنيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا، ثم هانحن رأينا من قدّم العون لأمريكا ضد العراق، والله تعالى يقول: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الأنعام: 129).

    7-ظهور ضعف التشكيلات الرسمية القُطرية والإقليمية، وعجزها عن مواجهة الحدث، ومن أدلة ذلك ما آلت إليه "جامعة الدول العربية" و"مجلس التعاون الخليجي" و"منظمة المؤتمر الإسلامي"، وسائر النظم الحاكمة في البلدان العربية والإسلامية.

    8-بروز الأثر البالغ للقنوات الإعلامية إيجابيًّا وسلبيًّا سواء في تغطيتها للأحداث أو تحليلاتها.

    9-انكشاف ملامح المشروع العلماني بشكل واضح، وبروز خطره في الترويج للأمركة تحت رداء الوطنية والتحرر والمطالب الشعبية.

    10-ظهور نتائج الإعراض عن دين الله، والمخالفة لمنهج الله، وتعطيل أحكام الله تعالى.

    11-انكشاف ووضوح كذب دعاوى وشعارات ووعود الأمريكان وحلفائهم.


    ثانيًا: التأثيرات والمخاطر الناجمة عن الحدث :

    لا يشك عاقل في أن حدثًا ضخمًا كهذا الحدث ستكون له تأثيرات سلبية وإيجابية على أفراد الناس ومجتمعاتهم وبلدانهم وأنظمتهم. ومن التأثيرات الايجابية ما ذُكِر في الدلالات والعبر من عظات؛ فإن الأمة إذا فطنت لها واستفادت من هذه الدروس استفادة واعية؛ فإنها ستكون قادرة -بإذن الله- على تجاوزها في المستقبل، وتحاشي الوقوع في أسباب الهزيمة، واستدراك النقص، وارتفاق أسباب القوة والنصر والتمكين.

    أما التأثيرات والمخاطر التي يجب التنبه لها والعمل على تلافيها ومناهضتها؛ فهي كثيرة، وأكثرها خطورة وأهمية:

    1 - ازدياد هيمنة أمريكا وتعاظم كبرها وغطرستها.

    2 - تغيير هوية البلدان العربية ابتداء بالعراق، وإعادة تشكيل المنطقة دينيًّا وتعليميًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، بما يوافق المصالح الأمريكية ويحقق المكاسب اليهودية.

    3 - إضعاف اقتصاديات المنطقة من خلال الهيمنة على الثروات واستلابها، وارتهانها للديون الضخمة.

    4 - استهداف التعليم ومناهجه الدينية على وجه الخصوص لتتوافق مع الأهداف الأمريكية والمصالح اليهودية.

    5 - إفساد المرأة وإخراجها من إطار الضوابط الشرعية والحشمة والعفاف تمهيدًا لتدمير بنية الأسرة والمجتمع.

    6 - السعي لتصفية قضية المسلمين الكبرى (قضية فلسطين) من خلال تفعيل التطبيع والقضاء على المقاومة، وجعل دولة اليهود هي المتفوقة عسكريًّا وإستراتيجيًّا، والعمل لتسخير جميع الدول والمقومات لحمايتها وتوفير أمنها.

    7 - التلاعب بقضية المياه في المنطقة، وجعلها أداة ضغط على الدول والشعوب، وتحويلها لصالح اليهود لحل مشكلاتهم وأزماتهم.

    8 - تكثيف الضغط على الحركات الإسلامية ومناشطها، وخاصة العمل الخيري؛ لحجبها وشلّ حركتها؛ لما لها من دور إستراتيجي إيجابي كبير في المنطقة.

    9 - التمكين للتيارات العلمانية وإبراز قوتها وقدرتها، وإظهارها وإبراز شخصياتها، والترويج لها.


    ثالثًا: الموقف والعمل المطلوب:

    1. العمل على إشاعة روح التفاؤل والثقة بنصر الله تعالى، والتأكيد على أن المستقبل لدين الإسلام، قال الله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} (غافر: 51).

    2. تهيئة النفوس إيمانيًّا وعمليًّا وإعلاميًّا لمواجهة التغيرات والنوازل، وإزالة الإحباط واليأس وانكسار الإدارة، قال تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (آل عمران: 139).

    3. إظهار مخاطر الأعداء وكشف أساليبهم مع التوازن في الطرح، بما لا يؤدي إلى مواجهات ومشكلات، أو إثارة الخلافات وفقدان المكتسبات.

    4. التركيز على المشاركات الإعلامية، والإسهام فيها بقوة وفعالية ومنهجية، وخاصة من خلال شبكة المعلومات العنكبوتية (الإنترنت)؛ لأن مساحة الحرية فيها واسعة.

    5. تفعيل المقاطعة الاقتصادية، وتحريك الروح المعنوية لمقاومة الأمريكان وحلفائهم فكريًّا وعمليًّا.

    6. العمل على التعبئة النفسية والتربوية في مواجهة خطر وعدوان الأمريكان واليهود على أساس المنطلقات الإيمانية والإسلامية.

    7. إبانة أن العمل المفيد على مستوى الدولة والمجتمع مرهون بالإصلاح الحقيقي على جميع المستويات.

    8. العمل على توحيد جهود العاملين للإسلام للأخذ بأسباب النهضة والقوة في التمكين للأمة، وتحقيق ما به تفويت الفرصة على الأعداء، والوقوف في وجه الطروحات التي تؤدي للفُرقة وضعف الأمة، كما قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (المائدة: 2)، وقال سبحانه: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال: 46).

    9. الحذر من التأويلات الخاطئة لأخبار وأحاديث الفتن والملاحم، والتعبيرات الباطلة للرؤى والأحلام، والتحذير من تعليق القلوب والأذهان بتفسيرات وهمية وتأويلات فاسدة.

    10. التركيز على فهم سنن الله تعالى في الأنفس والمجتمعات، وإيضاح ذلك للناس، وربط النصر والعزة بالإيمان والعمل الصالح والتقوى والصبر، كما قال الله تعالى: {وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (آل عمران: 120)، وقال سبحانه: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (آل عمران: 186).

    11. التأكيد على أن المواجهة مع الأعداء متعددة الميادين وطويلة المدى، ولا بد من عدة اليقين وزاد الصبر كما قال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} (هود: 49)، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (آل عمران: 200).

    وختامًا نسأل الله تعالى أن يرد كيد الكافرين، وأن يهزمهم ويذلهم، وأن ينصر دينه وأولياءه، وأن يوفِّق الدعاة وسائر المسلمين لما يحب ويرضى، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

    د. علي بن عمر بادحدح

    والسلام ختام
    [align=center][/align][align=center][/align]
Working...